صوت العاصمة- خاص
تشهد بلدات جنوب دمشق نزاعاً كبيراً بين الجانبين الروسي والجانب الإيراني حول هوية المتحكم بإدارة الطرق الرئيسية والملف الأمني، وسط محاولات روسية لإقصاء الإيرانيين وإبعادهم عن المنطقة، بينما يعمل الجانب الإيراني ولجان المصالحة في البلدات الثلاث ضمن خطة واحدة هدفها تحييد الجانب الروسي بُغية افتتاح طريق ببيلا- السيدة زينب.
الروس يواجهون المخطط الإيراني
يعلم الروس بشكل جيد ما يخطط له الجانب الإيراني في جنوب دمشق، ويعرفون أن جل ما تسعى إليه إيران في المنطقة الجنوبية لدمشق هو إنشاء ضاحية على غرار ضاحية بيروت، ويعملون على أن يكونوا حجر عثرة في وجه ذلك المشروع، من خلال الإبقاء الشكلي على دورياتهم ومنع فتح طريق ببيلا-السيدة زينب الذي يعد بوابة للسيطرة الإيرانية على المنطقة،
ويسعون لعرقلة التمدد الإيراني في بلدات جنوب دمشق، من خلال إبقاء ملف البلدات بيد الأفرع الأمنية التي تتلقى أوامرها من الروس، وإبقاء التشكيلات المقربة من إيران على مسافة بعيدة من البلدات الثلاث.
طريق ببيلا- السيدة زينب مغلق بأمر روسي
يؤجل الروس افتتاح طريق ببيلا السيدة زينب، خوفاً من دخول الميليشيات الشيعية إلى بلدات جنوب دمشق وتجنيد أنباء المنطقة لصالح الميليشيات الموالية لإيران، رغم تصريحات محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم إبان خروج فصائل المعارضة بأن افتتاح الطريق الرئيس بين ببيلا والسيدة زينب بات قريباً.
ورغم التطمينات الشيعية للروس بخصوص بلدات جنوب دمشق، إلا أن الروس يفضلون بقاء الميليشيات الموالية لإيران بعيداً عن جنوب دمشق، ويتخوفون من وضع البلدات في دائرة الخطر من خلال جعلها مقرات إيرانية عسكرية قابلة للاستهداف من قبل إسرائيل.
تقارب شيعي سني لإبعاد الروس وافتتاح طريق السيدة زينب
يعمل عرابو المصالحة في جنوب دمشق، وأبرزهم الشيخ أنس الطويل، شيخ المصالحة الوطنية في بلدة ببيلا، على إبعاد الجانب الروسي من المنطقة، وإدخال الجانب الإيراني عبر نقض اتفاق المصالحة المبرم مع فصائل المعارضة المسلحة الذي يعتبر الروس ضامناً له.
وتصب جهود عرابي المصالحات المصطفين إلى الجانب الإيراني لأسباب ما زالت مُعقدة ومجهولة، فرضتها جغرافية المنطقة، في فتح طريق ببيلا-السيدة زينب وتوسيع نفوذ الإيرانيين
في جنوب دمشق، الذين يريدون ضمان مرور آمن للميليشيات الشيعية وزوار المقام واستثمار المنطقة كحرم لمقام السيدة زينب.
ويعمل شيوخ المصالحة في البلدات الثلاث، على ترويج فكرة مفادها أن الدولة السورية هي الضامن الوحيد لمصالحة ببيلا، ويلدا، وبيت سحم، في محاولة لإدخال الجانب الإيراني إلى المنطقة وإبعاد الروس.
بيد أن تسيير الروس دوريات في البلدات الثلاث، سبب انقسامات بين وجوه المصالحة الوطنية والفعاليات الشعبية في جنوب دمشق. ولرأب الصدع والانقسام، شهدت بلدات جنوب دمشق زيارات رجال دين شيعة، بتنسيق وتنظيم من الشيخ أنس الطويل، والشيخ الشيعي أدهم الخطيب، إمام مسجد المصطفى في حي سيدي مقداد، أعقبها زيارة الطويل ووجهاء البلدات إلى السيدة زينب لإنهاء الفتنة الطائفية التي تسببت بها “فصائل المعارضة” على مدار السنوات الماضية حسب زعمهم، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل احتجاجات 2011.
إلا أن الروس أكدوا أنهم لن يسمحوا بتمرير مخططات إيران ولجان المصالحة، حتى وإن عادت العلاقات بين البلدات الثلاث والسيدة زينب إلى ما كانت عليه.
وتسعى المليشيات الشيعية إلى توسيع رقعة سيطرتها ودخول البلدات الثلاث، التي يملك الشيعة فيها منازل وأبنية مُخصصة للزوار والحجاج، فضلاً عن محاولة تشييع المنطقة تدريجياً، وبناء نقاط تمركز دينية وعسكرية كما يجري في ريف دير الزور وريف حلب.
التمدد العقاري الإيراني في جنوب دمشق
يعمل الإيرانيون على شراء كل ما هو معروض للبيع شريطة تواجده على الطريق الواصل بين ببيلا والسيدة زينب، وانتدبوا لهذه المهمة تجار عقار شيعة سوريين وأجانب، وتجار محليين من أبناء البلدات الثلاث، كما اشتروا قرابة 15 منزلاً جاهزاً للسكن، بمساحة تزيد عن 100 متر مربع، لتحويلها إلى شقق فندقية بغرض تأجيرها للزوار الشيعة خلال المناسبات الدينية الشيعية كعاشوراء وأربعينية الحسين.
ولم تقف عمليات الشراء جنوبي دمشق عند المنازل، بل طالت أبنية كاملة لتحويلها إلى فنادق، خاصة في الطُرقات المؤدية إلى السيدة زينب، بغض النظر إن كان البناء قد تعرض لأضرار بفعل القصف والمعارك، فالترميم مُتاح مع تسهيلات مُقدمة من مليشيات السيدة زينب، وفضلاً عن ذلك، اشترى التُجار الشيعة فيلات ومزارع ومصانع في المنطقة.
وتتم عمليات نقل الملكية بتسهيل وضوء أخضر من النظام السوري بغض النظر عن الوضع الأمني للعقار ومالكه، حتى وإن كان يحتاج لموافقة أمنية أو كان عليه حجر احتياطي.
ونقلت وسائل إعلامية عن الجانب الروسي قوله: إن الروس على علم بالتمدد العقاري الشيعي في جنوبي دمشق، وإن الروس لا يمانعون هذا التمدد، شريطة بقائه مدنياً وبعيداً عن التمدد العسكري الذي لن تسمح به موسكو أبداً.
التواجد الروسي في بلدات جنوب دمشق
يقتصر عمل الروس في بلدات جنوب دمشق، على تسيير دوريات شهرية يصل عددها إلى 8 دوريات، ويصل عدد عناصر تلك الدوريات إلى 8 عناصر يستقلون سيارة كوبرا عسكرية.
وتبقى الدوريات الروسية في بلدات يلدا، وببيلا، وبيت سحم لمدة 60 دقيقة تقريباً، ويتوقف عناصرها للاطّلاع والمراقبة في عدة نقاط داخل البلدات الثلاث، كـ دوار البراء في بلدة ببيلا، ودوار الجمل في بلدة بيت سحم، وشارع النخلات في بلدة يلدا.
وتغادر الدوريات الروسية البلدات الثلاث وتعود أدراجها إلى دمشق، دون أي انتشار أو مراقبة لحركة مليشيات النظام، أو منع تدخل أجهزة المخابرات.
ويقف الروس على حال المنطقة على الأصعدة الأمنية والاقتصادية، ومراقبة عمل المحافظة والوزارات وعلى رأسها وزارة المُصالحة القائمة على أمور التسويات، دون التدخل بعمل الفروع الأمنية، أو وقف الانتهاكات بحق المدنيين.
وشهد التواجد الروسي منذ أيار 2018 وحتى اليوم، تغيرات كبيرة طرأت عليه، بدأت بالانتشار الكامل مع بدء انسحاب مقاتلي المُعارضة من المنطقة وتسليمها إلى الروس، وانتهت بانسحاب الروس من المنطقة وتسليم الملف للأفرع الأمنية.
عملية إخلاء شملت مقار ونقاط عسكرية هامة على خطوط التماس مع الميليشيات الشيعية
قدمت المليشيات الشيعية في السيدة زينب وعوداً رسمية للجانب الروسي بعدم التعرض لأهالي بلدات جنوب دمشق، الأمر الذي سهل عملية انسحاب الروس من نقاط التماس مع الميليشيات الشيعية وإبقائها على عمل دورياتها الشكلية في المنطقة بعد استقرار المنطقة إلى حد ما.
وشمل الإخلاء الروسي منازل ومقار محاذية لخطوط التماس مع الميليشيات الشيعية في بلدة بيت سحم، إضافةً لمبنى المجلس المحلي التابع لقوى المعارضة سابقاً في بلدة يلدا، والذي حولته القوات الروسية كمقر رئيسي لها، بالإضافة إلى مبنى سكني خلف مقر المحكمة الشرعية سابقاً، والواقعة على طريق عقربا – بيت سحم، ومبانٍ خلف جامع البراء على الطريق الرئيسي للسيدة زينب، ومقار عسكرية في بساتين يلدا ومنطقة الأربع مفارق.
وتسلم الروس تلك النقاط في حزيران 2015 عُقب انسحاب مقاتلي المُعارضة المُسلحة إلى الشمال السوري، وتولوا مهمة حماية المنطقة من الميليشيات الشيعية التي تتخذ من السيدة زينب ومحيطها مقرات لها.
وأكدوا منذ تسلمهم ملف المنطقة أن خروج الشرطة العسكرية الروسية مرهون برغبة الأهالي والفعاليات المدنية، وقالوا ألا مشكلة لديهم بترك نقاط التماس مع المليشيات الشيعية، بعد اطمئنانهم على عدم تكرار حوادث الغدر التي حصلت سابقاً.