بحث
بحث
صوت العاصمة

الزلزال يفضح علاقات الأمم المتحدة المشبوهة مع النظام السوري

ابنة حسام لوقا موظفة في إحدى وكالات الإغاثة الأممية، والنظام السوري استغل كارثة الزلزال لتحقيق الأرباح

سلط “الفشل” المعترف به للأمم المتحدة في شمال سوريا بعد الزلزال المدمر الذي وقع الشهر الماضي الضوء على علاقاتها المتشابكة مع النظام السوري، والتي تضمنت إحداها تعيين ابنة رئيس المخابرات السورية العمل في مكتب وكالة إغاثية، بحسب تقرير نشره موقع Financial Times.

وقال التقرير إنّ بطء وصول المساعدات الدولية إلى مناطق شمال غرب سوريا بعد الزلزال، والذي اعترفت به شخصيات بارزة في الأمم المتحدة، يؤكد كيف يتم استخدام المساعدات الإنسانية بشكل روتيني من قبل نظام بشار الأسد.

وبحسب التقرير فقد كُشف النقاب عن الطرق التي تُجبر بها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى على تقديم تنازلات تعود بالنفع على الرئيس السوري وشركائه، وفقًا لخبراء الإغاثة والأشخاص العاملين في هذا القطاع.

وكشف التقرير أنّ ابنة رئيس المديرية العامة للمخابرات السورية “حسام لوقا” المدرج على لوائح العقوبات الأمريكية والبريطانية والأوربية لانتهاكه حقوق الإنسان في سوريا، تعمل في مكتب الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق، وهو صندوق مركزي يتبع للأمم المتحدة لمواجهة الطوارئ ومن المفترض أن يستجيب بسرعة للكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة.

وقال متحدث باسم الوكالة إن الأمم المتحدة لا تكشف عن معلومات شخصية عن الموظفين، مضيفًا أن “جميع الموظفين يتم تعيينهم وفقًا لعمليات التوظيف الصارمة”، لذلك اختارت صحيفة فاينانشيال تايمز عدم تسمية ابنة حسام لوقا التي يُعتقد أنها في أوائل العشرينات من عمرها، لأنها ليست متهمة بأي خطأ.

وأظهرت الوثائق التي تم تسريبها في عام 2016 أن الأمم المتحدة وظفت في السابق أقارب مسؤولين رفيعي المستوى في النظام، وبحسب شهادة عامل إغاثة مقيم في الشرق الأوسط: “لا يمكنني إخبارك بعدد المرات التي دخل فيها مسؤول حكومي سوري إلى مكاتبنا ودفعنا لتوظيف ابنه أو أحد أقاربه”.

وتشير ممارسات التوظيف إلى أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة قد يكون لها أقارب من الموالين للنظام في صفوفها، والتي يقول الخبراء إن لها “تأثير مخيف” على بعض الموظفين المحليين.

وتدفع الأمم المتحدة ملايين الدولارات “11.5 مليون دولار في عام 2022” و”81.6 مليون دولار في المجموع منذ عام 2014″، وفقًا لبياناتها الخاصة – لموظفيها للبقاء في فندق فور سيزون في دمشق، المملوك في الأغلب لرجل الأعمال سامر فوز، الذي تم فرض عقوبات عليه هو والفندق نفسه من قبل الولايات المتحدة في عام 2019 بسبب علاقاتهما المالية مع الأسد.

وقال “فرانشيسكو غاليتيري” مسؤول كبير في الأمم المتحدة في دمشق إنّ الإقامة كانت واحدة من تلك الخدمات التي لا تملك الأمم المتحدة الكثير من الاختيار لها بسبب نقص البنية التحتية”.

وأضاف أن الأمم المتحدة طلبت بانتظام موافقة النظام على استخدام أماكن إقامة بديلة، لكن رفض كافة الطلبات المتعلقة بهذا الأمر.

وأضافت الصحيفة البريطانية أنّ النظام السوري يسحب ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية من خلال إجبار وكالات المعونة الدولية على استخدام سعر صرف رسمي غير القيمة الحقيقية لليرة السورية أو مقارنة بأسعار السوق الموازية.

ويقول الخبراء إن الأموال التي يتم جمعها بهذه الطريقة تُستخدم لدعم الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي، منذ أن بدأت الليرة السورية في الانحدار في 2019.

ويعود التعاون بين النظام السوري وجمعيات الإغاثة إلى بداية الحرب الأهلية في البلاد في عام 2011، وسرعان ما زادت الأمم المتحدة والوكالات الدولية من وجودها في البلاد متوقعة سقوط النظام السوري، وكان من المفترض أن يكون هذا حلاً سريعًا وإن كلف الغرب مليارات الدولارات ودعا إلى تقديم تنازلات لدمشق تتعارض مع المبادئ الإنسانية.

وأكدّ التقرير أنّ جمعيات الإغاثة استجابت في الكثير من الأحيان لمطالب النظام السوري خوفاً من حرمانها من الوصول إلى المناطق والفئات التي تحتاج بشكل دوري للمساعدات الإنسانية.

وفسّرت الصحيفة هذا السلوك المتبع من قبل النظام السوري على أنه “معضلة أخلاقية” مشيرة إلى أنّ النظام يبتز وكالات الأمم المتحدة عبر خيارات ضيقة، إما اللعب وفق القواعد التي يفرضها أو منعهم من إيصال المساعدة للسوريين.

قالت مصادر سورية وعمال إغاثة وخبراء إن هيئات الأمم المتحدة وجمعيات الإغاثة مطالبة بالشراكة مع الوكالات التابعة للحكومة كالهلال الأحمر العربي السوري الذي يديره “خالد حبوباتي” المقرب من بشار الأسد، والصندوق السوري للتنمية الذي أسسته “أسماء الأسد” والتي لا تزال تتمتع بنفوذ كبير على عملياتها.

الهلال الأحمر العربي السوري هو الشريك الرئيسي للأمم المتحدة في سوريا ويمتلك سلطة كبيرة على المنظمات غير الحكومية الدولية، وقد تلقت جهود المساعدة التي تبذلها مثل جميع برامج المساعدة في سوريا، يجب أن توافق عليها لجنة حكومية مع مدخلات من مختلف الوزارات والأفرع الأمنية وأجهزة المخابرات إضافة لموافقات من جهاز أمن الدولة، مما يشير إلى أنها تساعد في توجيه جهود المساعدات.

وتقود كلتا المنظمتين جهود الإغاثة بعد الزلزال في سوريا، ولم تجيبا على استفسارات طرحها موقع فينانشيال تايمز.

وذكر التقرير أنّ ما يقرب من 100 مورد مدرج على أنهم يتلقون أموال مشتريات من الأمم المتحدة بين 2019-2021 كانوا شركات إما خاضعة لعقوبات من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، أو مملوكة لأفراد خاضعين للعقوبات.

وخلص التقرير إلى أن وكالات الأمم المتحدة “لا تدمج بشكل كاف ضمانات حقوق الإنسان في ممارسات الشراء الخاصة بها، مما يعرضهم لسمعة كبيرة ومخاطر فعلية تتمثل في تمويل الجهات المسيئة”.

وقالت الأمم المتحدة إنه لم يتم التعاقد مع أي شركات أو أفراد مدرجين في قوائم العقوبات الدولية مع كيانات الأمم المتحدة في سوريا. مضيفة أنّ ملكية الشركات من قبل الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم الكبرى الأخرى “تمثل سببًا للأمم المتحدة لإلغاء أهلية البائعين”، لكنها تتطلب “معيار إثبات لا يدع مجالاً للشك” للمشاركة في ممارسات محظورة “، مشيرة إلى أن “كيانات الأمم المتحدة المعنية” تبحث في بعض مزاعم التقرير المحددة.

وخلال 12 عامًا من الصراع في سوريا تم توزيع مليارات الدولارات من المساعدات عبر منظمات مثل الأمم المتحدة، ولم يتوانى النظام السوري في أخذ حصة منها.

واضطر الناجون من الزلزال في مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة إلى إخراج العالقين من تحت الأنقاض بجهود محلية، حيث لم تصل مساعدات دولية خلال الأسبوع الأول، وكان الرد البطيء نتيجة قيام دمشق وحلفائها بمنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العبور عبر جميع المعابر الحدودية باستثناء واحدة، والتي تضررت في الزلزال، وتم فتح المزيد من المعابر في نهاية المطاف.

ويقيد نظام الأسد بشكل روتيني الوصول إلى المناطق المحتاجة ويحول المساعدات إلى مجتمعاته المفضلة ويضايق موظفي المنظمات غير الحكومية، وفقًا لتقارير منفصلة صادرة عن “ناتاشا هول” المديرة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وهيومن رايتس ووتش.

وقالت هوا إن المنظمات التي تسعى للتغلب على القيود تتعرض للعقوبات بشكل متكرر وعادة ما يتم ذلك عن طريق تقييد الوصول وتأشيرات الموظفين.

وأضافت أن تدفق الأموال والمساعدات إلى سوريا منذ الزلزال الذي أودى بحياة ما يقرب من 6000 شخص في سوريا ، وما يقرب من 46000 في تركيا المجاورة، أدى إلى زيادة المخاوف بشأن نظام بارع في استغلال نقاط الضعف في النظام.

وأكدت هول أنّ نظام الأسد نجح مرة أخرى في تحويل اهتمام العالم بمعاناة الشعب السوري إلى “مركز ربح”.

وأشار الخبراء أيضًا إلى حالات تقييد الإغاثة أو الاستيلاء عليها عند نقاط تفتيش النظام والقوافل المتوجهة إلى شمال غرب أو شمال شرق سوريا.

وقالت “إيما بيلز” الباحثة في معهد الشرق الأوسط إنها تخشى أن تستغل دمشق الأضرار الناجمة عن الزلزال لمزيد من هدم الممتلكات في المناطق الحساسة سياسياً ومصادرة الأراضي من الذين تعتبرهم معارضين.