بحث
بحث
انترنت

مئات ملايين الدولارات من الأمم المتحدة ذهبت لتمويل ميليشيات النظام

ربع أموال الأمم المتحدة بحسب الدراسة ذهبت لشركات وأشخاص فرضت عليهم عقوبات أمريكية وأوربية بسبب صلاتهم بنظام الأسد

كشفت وثائق جديدة أن الأمم المتحدة قدمت ما يقرب من 137 مليون دولار للشركات السورية المرتبطة بمنتهكي حقوق الإنسان ومنتفعي الحرب والأشخاص الخاضعين للعقوبات وغيرهم من الشخصيات المرتبطة بنظام بشار الأسد في عامي 2019 و 2020.

وأشارت الوثائق إلى أن الشركات التي تلقت أموال مشتريات الأمم المتحدة في سوريا شملت كيانات يملكها زعيم ميليشيا خاضع للعقوبات على صلة بمذبحة “التضامن” وأفراد عائلة رجل أعمال يُزعم أنه استفاد من المتاجرة بأنقاض المباني التي قصفتها القوات الحكومية. 

ووفقاً للدراسة الذي نشرته منظمتان غير ربحيتين وهما (مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السوري( OPEN و(البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP ، ذهب ما يقرب من ربع أموال الأمم المتحدة التي تم تحليلها في التقرير المتعمق إلى الشركات المملوكة لأشخاص فرضت عليهم الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا عقوبات بسبب صلاتهم بنظام الأسد أو أي تورط آخر في الصراع.

سامر الفوز يستفيد من أموال الأمم المتحدة
وبحسب التحقيق، أنفق موظفو الأمم المتحدة عشرات الملايين من الدولارات للإقامة في فندق فورسيزونز في دمشق، الذي يمتلك معظمه سامر فوز، وهو رجل أعمال برز خلال الصراع. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على فوز في عام  2019 ، قائلة إنه “استفاد من فظائع الصراع السوري في مؤسسة مدرة للربح”، وكان “يدعم بشكل مباشر نظام الأسد القاتل”.

ويقول التحقيق إن نحو نصف إنفاق الأمم المتحدة خلال عامي 2019 و2020، ذهب إلى شركات ذات مخاطر (عالية) أو (عالية جدًا)، بما في ذلك تلك الشركات المملوكة لأشخاص منتفعين من الحرب وأشخاص خاضعين للعقوبات وكذلك حلفاء نظام أسد البارزين “بعد استبعاد الموردين الذين تم حجب هوياتهم لأسباب أمنية، أو لأسباب تتعلق بالخصوصية..

 الدعم الأممي شمل 13 شركة لها صلات بنظام الأسد
اعتمد الباحثون على تقنية البحث المفتوح للمصادر، وسُمح لهم بالوصول إلى التقارير الخاصة بالبحث، حيث أجروا تحليلاً خاصاً لبيانات مشتريات الأمم المتحدة، والتي غطت أكثر من 7000 عقد تم تنفيذها من عام 2015 إلى عام 2021.

ومن خلال فحص أكبر 18 مورداً خلال تلك السنوات الست، حدد فريق OCCRP-SIRAJ ثلاثة عشر شركة مملوكة من قبل أفراد خاضعين للعقوبات أو آخرين لهم صلات بنظام الأسد، مما يؤكد العديد من النتائج الرئيسية في التقرير الذي نشره OPEN و SLDP.

ووجدوا أيضاً أن في عامي 2015 و 2017، حوالي  1.4مليون دولار من تمويلات الأمم المتحدة تم تقديمها إلى الأمانة السورية للتنمية، وهي مؤسسة أنشأتها زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، وفقا لخدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة.

معضلات بإيصال المساعدات الإنسانية
وأعرب كارستن فيلاند، وهو دبلوماسي ألماني ومؤلف كتاب “سوريا وفخ الحياد: معضلات إيصال المساعدات الإنسانية من خلال الأنظمة العنيفة”، عن قلقه إزاء النتائج التي توصل إليها.

وقال لـ OCCRP “إنه لأمر مروع للغاية أنه لم تبذل العناية الواجبة والكافية من قبل الأمم المتحدة للتحقق من أين جاءت هذه المنظمات، ومعرفة ما إذا كانت ذراعاً خفية لشخص آخر”.

وذكر فرانشيسكو جاليتيري، رئيس فريق مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، إن الأمم المتحدة قدمت المساعدة الإنسانية لإدامة الفئات السورية الأكثر حاجة بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو من المسؤول عن المنطقة التي يقيمون فيها “مع الالتزام الصارم بمبادئ المنظمة الأممية: الحياد والاستقلال والنزاهة”.

وأوضح غاليتيري قائلاً: “تبذل جميع وكالات الأمم المتحدة جهودًا حثيثة لضمان فهم متعمق لمجموعة العوامل ذات الصلة بحساسية النزاع وممارسات العناية الواجبة في سوريا ، لضمان أن تكون البرامج والإجراءات التشغيلية ذات الصلة على دراية بالمخاطر ولا تسبب بأي أذى”.

وأضاف:“نجري أيضاً بشكل مستمر مراجعتنا الداخلية للادعاءات، وفي حال إشارة الأدلة إلى تورط البائعين والموردين في الممارسات المحظورة، فإن الأمم المتحدة  تفك ارتباطها. وفي عدة مناسبات أنهت كيانات الأمم المتحدة العقود”.

صعود أمراء الحرب
وذكرت الدراسة، أن الحكومة السورية  حافظت على قبضة محكمة على الاقتصاد لعقود من الزمن، حيث يهيمن حلفاء وأقارب عائلة الأسد الحاكمة على القطاعات الرئيسية مثل البترول والاتصالات والبنية التحتية والعقارات.

ومنذ انتفاضة عام 2011، أصبح النظام السوري أكثر اعتماداً على فئة جديدة من المستفيدين من الحرب ووكلائها لمساعدته على الالتفاف على العقوبات والحفاظ على السيطرة على المصادر القليلة المتبقية من العملة الأجنبية.

وفي الوقت نفسه، أصبحت سوريا واحدة من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية في العالم. ومنذ عام 2011، تدفق أكثر من 40 مليار دولار من أموال المساعدات إلى البلاد، أكثر من نصفها كان من خلال الأمم المتحدة، وفقا للباحثين.

تمويل يصل لقادة ميليشيات
وتُظهر دراسة SLDP و OPEN أن الكثيرين في الدائرة المقربة من النظام قد استفادوا من تدفق من أموال المساعدات.

وعلى سبيل المثال، تلقت شركة تدعى “صقر الصحراء ذ.م.م” Desert Falcon LLC، يديرها فادي أحمد، أكثر من مليون دولار في عامي 2019 و2020  من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ووكالة اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ضمن مجموعة متنوعة من الفئات بما في ذلك “الملابس” و”المعدات المكتبية” و”الإلكترونيات” و”مكونات التصنيع”.

وفي عام 2012، تولى فادي أحمد، المعروف أيضا باسم “فادي صقر”، قيادة ميليشيا قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة في دمشق. وقالت الدراسة أن الميليشيا شاركت في العام التالي في مذبحة راح ضحيتها عشرات الأشخاص في حي التضامن بالعاصمة السورية.

ووجدت الدراسة أن شركة أخرى مملوكة له ، وهي شركة النعال ذ.م.م Al-Naal LLC ، تلقت كذلك أكثر من 1.2 مليون دولار من أموال المساعدات ، من اليونيسف والأونروا، تحت فئات تشمل تقديم  “الملابس” و”المواد الورقية” و”المعدات الطبية”.

وهناك شركة أخرى، هي جوبيتر للاستثمارات ش.م Jupiter for Investments SA ، حصلت على أكثر من نصف مليون دولار من اليونيسف مقابل “خدمات الإدارة والتنظيم”، مملوكة لعائلة حليف النظام محمد حمشو، بما في ذلك أربعة أقارب يخضعون للعقوبات.  واتهم حمشو الذي تفرض عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات بالاتجار في أنقاض المنازل المدمرة والعمل كواجهة لماهر شقيق الأسد الذي يرأس الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش.

علاقة شركة أجنحة الشام وأقارب الأسد
وقالت الدراسة إن أجنحة الشام، وهي شركة طيران سورية خاصة تخضع لعقوبات فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة،  حصلت على عقد من برنامج الغذاء العالمي. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على الشركة ومالكها  بسبب أزمة اللاجئين على الحدود البيلاروسية في عامي 2021 و 2022 لكن تم رفع العقوبات في بداية العام.

وارتبطت مجموعة متنوعة من الشركات الأخرى التي تتلقى أموالاً من الأمم المتحدة بعائلة الأسد، بما في ذلك العديد من أقارب وشركاء ابن عم الأسد، قطب الأعمال الخاضع للعقوبات رامي مخلوف، الذي تم تجريده من العديد من أصوله ووضعه قيد الإقامة الجبرية بسبب نزاع مع السلطات السورية على مدار العامين الماضيين.

فساد موظفي منظمة الصحة العالمية
وفي وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وكالة أسوشيتد برس بشكل منفصل أن موظفين في منظمة الصحة العالمية التابع للأمم المتحدة في سوريا اتهموا رئيستهم بسوء إدارة ملايين الدولارات واستخدام أموال الوكالة لشراء هدايا لمسؤولي الحكومة السورية.

ويعد تدفق العملات الأجنبية الناجم عن الإنفاق على المساعدات الإنسانية نعمة للحكومة السورية، التي تكافح من أجل تدبير السيولة وسط العقوبات الدولية، وانهيار القطاعات الاقتصادية الأكثر إنتاجية، والأزمة المالية في لبنان المجاور.

وبحسب الدراسة، أنفقت الأمم المتحدة أكثر من 406 ملايين دولار في عمليات شراء في سوريا في عامي 2019 و2020، مع ذهاب حوالي 75 مليون دولار إلى موردين تم حجب هوياتهم. 

36% من الأموال ذهبت لشركات عالية المخاطر
ووجدت الدراسة أن حوالي  36في المائة من الأموال التي حللتها ذهبت إلى شركات “عالية المخاطر للغاية”، في حين ذهب     10.3 في المائة أخرى إلى الشركات “عالية المخاطر”، و30.5 في المائة إلى “المتوسطة”،و 22.9 في المائة إلى الشركات “منخفضة المخاطر”.

وقال ويلاند، الدبلوماسي الألماني الذي عمل مع الأمم المتحدة، إن الإصلاح الشامل سيكون ضروريًا للخروج من “فخ الحياد” والتأكد من أن أموال الأمم المتحدة لن تذهب إلى موردين مثل أولئك المدرجين في التقرير.

وقال: “إنه شيء صعب للغاية وعلى  صلة كبيرة بالسياسة، لدرجة أنه يجب أن يتخذ  قرار الإصلاح من شخص في أعلى الهرم”.  وختم قائلا: “إن هذا لم يحدث. لم أر أي إرادة حقيقية لمعالجة مثل هذه القضايا”.