نشرت مجلة “ايكونوميست” مقالا قالت فيه إن التوقيت مهم جدا بعد وقوع الكارثة، فبالنسبة لعمال الإنقاذ فإن أول 72 ساعة حاسمة وبعد هذه النقطة تنخفض احتمالات إنقاذهم بشكل حاد، لأن الإصابات والعطش والظروف الجوية تتعاون كلها لقتل الناجين.
أما المستبدون الذين يأملون أن تخفف الكارثة من عزلتهم الدولية فإن التوقيت يظل مريحا لهم بعض الشيء، مضيفة أن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا تضررت بشدة من كارثة الهزة الأرضية هذا الشهر.
وقالت الأمم المتحدة في 13 شباط إن بشار الأسد وافق على تسهيل مرور المساعدات إلى المنطقة، وجاء قراره بعد أسبوع كامل من الزلزال، أي بعد فوات الأوان بالنسبة لأولئك المحاصرين تحت الأنقاض بسبب نقص الوقود والمعدات الثقيلة: “لقد ماتوا بالفعل”.
وتقول المجلة إن مساعدتهم لم تكن حقا الهدف، فالأسد بدأ بالخروج فعلا من عقد من الزمان من العزلة الدبلوماسية حيث أصبحت الدول العربية تتقبل فكرة بقائه في السلطة ويرى الآن أن لديه فرصة لجذب الغرب أيضا، ولا شك أنه يأمل أن تساعده لفتة تجاه مناطق المعارضة.
وتضيف أن الزلازل قتل حوالي 6000 شخص في سوريا، سواء في الشمال الغربي أو في المدن التي يسيطر عليها النظام مثل حلب واللاذقية، ومن المؤكد أن هذا الرقم سيرتفع، حيث تعتقد الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 5 ملايين سوري قد تشردوا وستكون مساعدتهم مهمة ضخمة.
وبعد عقد من الحرب تم تقطيع أوصال سوريا إلى مجموعة غريبة من الدويلات الفقيرة، ومعزولة بدرجات متفاوتة عن بقية العالم، يسيطر المتمردون الإسلاميون على الشمال الغربي، وبعضهم ينتمي إلى فرع سابق للقاعدة في سوريا، وبحسب رواية الأسد المنطقة هي “خلية نحل من الإرهابيين”، وفي الحقيقة فإن معظم سكانها البالغ عددهم 4 ملايين هم من المدنيين الفقراء الذين نزحوا مرارا من أجزاء أخرى من سوريا.
كانت حكومة المعارضة حذّرت بشأن قبول المساعدة من مناطق النظام، كما أعادت قافلة نظمتها السلطات في شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة إدارة يقودها الأكراد.
وترى المجلة أن الخوف بعد عقد من الحرب، ربما يكون مفهوما، وبخاصة أن النظام له سجل بالموافقة على مرور قوافل المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، فقط لإعادتها في اللحظة الأخيرة أو نهبها، وبدلا من ذلك تريد المعارضة وصول المساعدات عبر تركيا، التي يتدفق من خلالها الغذاء والدواء والضروريات الأخرى لسنوات.
وتعلق المجلة أن الأسد لا يسيطر على هذا الجزء من الحدود، لكنه يتخذ مواقف بشأن السيادة ويرفض الموافقة على عمليات التسليم وهكذا تصل المساعدات بموجب قرار مجلس الأمن الذي تم تمريره لأول مرة في عام 2014، وقد سعت روسيا حليفة الأسد في مجلس الأمن لسنوات لتقليص أو حتى إيقاف الشحنات.
ومنذ عام 2020 اقتصر استخدام الأمم المتحدة على معبر حدودي واحد هو باب الهوا. لكن الزلازل أضرت بالطرق السريعة في تركيا المؤدية إلى المعبر، مع ارتفاع الطلب على المساعدات، ومن هنا وافق الأسد الآن على تدفقها عبر معبرين حدوديين إضافيين.
وتقول المجلة إن دوافع النظام ليست خيرية فهو يكافح من أجل التعامل مع الدمار في مناطقه وقد حاول إلقاء اللوم على كبش فداء مناسب “الغرب”.
وقالت بثينة شعبان المستشارة الرئاسية بعد الكارثة الزلزالية: “كل ما نريده من أوروبا والولايات المتحدة الآن هو رفع العقوبات، إذا رفعوا العقوبات فسيكون المغتربون السوريون والشعب السوري قادرين على الاعتناء ببلدهم”.
وخلافا لكلامها فعشرات الطائرات المحملة بالمساعدات هبطت في مطار دمشق منذ الكارثة، ويضم المانحون شركاء أمريكيين مقربين مثل مصر والأردن والإمارات ولم تمنعهم العقوبات من إرسال المساعدة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وترى المجلة أن العقوبات يمكن أن تعرقل المساعدات على الهامش، فقد وجد بعض الأجانب من ذوي النوايا الحسنة الذين حاولوا تنظيم جهود تمويل جماعي أن حملاتهم تم رفضها لأن إرسال الأموال إلى سوريا قد يكون مخاطرة قانونية، ولهذه الغاية أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في 9 شباط تنازلا واسع النطاق يغطي “جميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال”. وسيبقى في مكانه لمدة ستة أشهر ويتوقع الدبلوماسيون أن يتم تمديده.
وقد أثار بعض المحللين الغربيين أسئلة أوسع حول العقوبات، حتى لو لم تعرقل الإغاثة في حالات الكوارث فإنهم يعرقلون الدولة السورية، الأمر الذي سيكون له عواقب على المدنيين.
ويستهدف قانون قيصر، وهو رزمة من العقوبات الأمريكية على سوريا وتحولت لقانون في 2019، بشكل صريح، قطاعي الطاقة والبناء، في بلد يعاني من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وأضرار جسيمة بالإسكان والبنية التحتية.
وتعتقد المجلة أن من يريدون تخفيف معاناة السوريين يواجهون معضلة مروعة، فلن يضمن تخفيف العقوبات حصول السوريين على الكهرباء على مدار 24 ساعة ومنازل جديدة، ومع ذلك فإن إبقاءها قائمة يضمن أن لا يفعلوا، فالحكومات الغربية مترددة في تحويل الأموال إلى الأسد لمساعدته في إعادة البناء، كما أن الغرب حريص على تجنب عرقلة عملية إعادة البناء هذه بالكامل.
وتختم المجلة بالقول إنه في أثناء البحث عن طرق لمساعدة الناس الذين يعيشون وسط الدمار في سوريا من جهة وتجنب إعادة تأهيل نظام ملطخ بالدماء من جهة أخرى، لا توجد هناك إجابات سهلة.