تحقّق وحدة جرائم الحرب الألمانية في “الفظائع” الكيماوية التي ارتكبت في سوريا، بهجمات وقعت بغاز السارين في غوطة دمشق عام 2013، وخان شيخون في إدلب عام 2017، بحسب موقع “دويتشه فيلا” الألماني الذي نوّه على توفّر دلائل تشير إلى ضلوع شقيق رأس النظام السوري ماهر الأسد بالهجوم الأول.
وذكر الموقع الألماني في تحقيق نشره اليوم الجمعة 27 تشرين الثاني، بعنوان ” سوريا.. كيف يمكن لألمانيا اتهام الأسد بارتكاب جرائم حرب”، أنّه يعتقد أنّ رأس النظام بشار الأسد فوّض شقيقه ماهر بتنفيذ الهجوم.
ولفت التحقيق إلى أنّ الدلائل تشير إلى أن “ماهر الذي يعتبر على نطاق واسع ثاني أقوى شخص في سوريا، كان القائد العسكري الذي أمر مباشرة باستخدام غاز السارين في هجوم الغوطة في أغسطس 2013”.
وبحسب إفادات الشهود المرفوعة مع الشكوى الجنائية فإنّ “نشر الأسلحة الاستراتيجية، مثل غاز السارين، لا يمكن تنفيذه إلا بموافقة الأسد”.
الأسد متورّط بالهجوم
وقال القانوني “المخضرم”، ستيف كوستاس، للموقع “لدينا دليل على أن (الأسد) متورط في صنع القرار. لن أقول إننا أثبتنا ذلك بأنفسنا، لكن لدينا بالتأكيد بعض المعلومات التي تشير إلى تورطه في هجمات السارين” .
وتقول الوثائق التي اطّلع عليها الموقع، إنّ ماهر الأسد أعطى وقتها الأمر الرسمي على مستوى العمليات”، لتقوم مجموعة النخبة داخل مركز البحوث/ SSRC التي يطلق عليها اسم الفرع 450 قد قامت بتحميل العوامل الكيميائية (الغاز) على الرؤوس الحربية”.
في الغضون، “كان اللواء 155 الصاروخي سيطلق صواريخ أرض – أرض تحت إشراف مباشر من ماهر الأسد”.
وأكّد القانوني كوستاس أنّهم تمكنوا من إظهار الوحدة المسماة بالفرع 450 داخل مركز البحوث العلمية، والتي شاركت بشكل كبير في التخطيط لهجمات السارين وتنفيذها.
وأضاف: “لقد أظهرنا التسلسل القيادي المتورط في تلك الوحدة وصلتها بالقصر الرئاسي.”
الاتّهام لا يحتاج إلى دليل قاطع
وتعتبر الشهادات التي تصف التسلسل القيادي “أقوى دليل متاح يربط بشكل مباشر بين الأسد واستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا”.
ولا يلزم وجود أدلة قاطعة لإصدار لائحة اتّهام من هذا العيار، وفقا لما قاله خبراء القانون الدولي للموقع.
وقال خبير قانوني لـ D.W: “بما أن جرائم الحرب غالبا ما تُرتكب من خلال شكل نظامي للقوات المسلحة، فإن القانون الدولي يقر بأن التسلسل الهرمي للقيادة يسمح بوقوع مثل هذه الانتهاكات”.
وتابع الخبير: “يمكن توجيه لائحة اتهام ضد الأشخاص الذين أصدروا أوامر لجنود عاديين أو أي شخص مسؤول عن شن الهجمات بسبب إصدار هذا الأمر – أو حتى إذا لم يأمر الشخص بذلك بنفسه ولكنهم كانوا على علم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بهذه الأمور”.
محاكمة الأسد قد تتعرقل
وفي حال قرّر المدعون الفيدراليون توجيه الاتهام إلى أعلى شخصيات النظام السوري المشاركة في صنع القرار، فإنّ ثمّة قضايا يمكن أن تعرقل القضية، بما في ذلك الحصانة السيادية التي تتم “بموجبها تقليديا حماية من هو في موقع رئاسة الدولة من الملاحقة القضائية”.
رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش يؤكّد أن القضية لن تنتهي في غضون يوم واحد.
ويقول للموقع: “نحن نعلم أن هذه العملية ستستغرق 10 أو 20 أو حتى 30 عاما. لذلك يجب علينا أيضا أن نحاول إعداد أنفسنا لاستراتيجية طويلة المدى”، مضيفاً: ربما تكون هذه هي البداية فقط.
ويخطّط اتحاد المنظمات غير الحكومية (عددها 3)، لتقديم شكاوى جنائية في ولايات قضائية أوروبية أخرى بحلول العام المقبل.
3 منظمات تتحرّك قضائيا
وتقدّم ائتلاف من 3 منظمات غير حكومية هي “مبادرة العدالة” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” ومقرهما ألمانيا، ومبادرة “الأرشيف السوري”، بشكوى جنائية في أوائل تشرين الأول الماضي.
وقدّمت الشكوى حينها إلى مكتب المدعي العام الاتّحادي بألمانيا ضدّ أشخاص لم يتم الكشف عن أسمائهم فيما يتعلق بحسب ما يبدو أنها هجمات بغاز السارين على الغوطة عام 2013 وعلى خان شيخون في عام 2017.
ومفتاح الشكوى بحسب التحقيق، هو المجموعة المتنوعة من شهادات الشهود التي تضم عسكريين وعلماء رفيعي المستوى في مركز الدراسات والبحوث العلمية في سوريا.
الولاية القضائية
وتعدّ الولاية القضائية واحدة من أدوات أساسية لضمان منع إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، ومنع وقوع الانتهاكات.
ووسّعت ألمانيا ولايتها القضائية لتشمل “أخطر الجرائم التي تمس المجتمع الدولي ككل”، حتى لو لم ترتكب على أراضيها أو ضد مواطنيها.
وفي نيسان الماضي فتحت في كوبلنز الألمانية أول قضية تتهم ضابط استخبارات سابق في النظام (أنور رسلان) بالتعذيب الممنهج، استنادا على الولاية القضائية.
وتستخدم بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا والسويد، قوانين الولاية القضائية العالمية للتحقيق في مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية في سوريا والعراق، وفقا لموقع الأمم المتحدة.
مجزرة هزّت العالم
في الساعات الأولى من يوم 21 آب من العام 2013 استفاق العالم على مشاهد من مجزرة الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، والتي ارتكبت بغاز السارين المحرّم دوليا.
وقتل في الهجوم ما لا يقل عن ألف شخص، بينهم أكثر من 400 طفل، قضوا بالغاز المحرّم (السارين) الذي يشل الجهاز التنفسي، ويخنق الضحية، وفقا لمصادر مستقلة استند عليها موقع دويتشه فيلا.
ونقل الموقع روايات ناجين من الهجوم، وصفوا المشهد الأول “للمجزرة”، ومشاهد لأناس بدا وأنهم ماتوا في أثناء محاولتهم الهروب من الغار القاتل.
وقالت ممرضة: “كان الأمر أشبه بيوم القيامة، كما لو كان الناس نملا قُتل برذاذ الحشرات”.
ومع تراجع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا عن خططها العسكرية ضدّ النظام السوري، والوصول إلى اتفاقية لتدمير النظام مخزونه الكيماوي، توجّهت الجهود العالمية نحو المحكمة الجنائية الدولية.
وأحبطت كل من روسيا والصين الداعمتين للنظام السوري، تلك المحاولات الدولية عبر استخدامهما لحق النقض (فيتو).
لكنّ الوثائق التي حصل عليها موقع دويتشه فيلا تشير إلى أنّ النظام لم يمتثل لالتزاماته بتفكيك برنامج أسلحته الكيميائية بالكامل.
وبعد شهر من وقوع الهجوم الذي “هزّ ضمير العالم” وفقا لتقارير، أكّدت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في تقريرها آنذاك (عام 2013)، أنّ “العينات البيئية والكيميائية والطبية التي جمعناها تقدم دليلاً واضحا ومقنعا على استخدام صواريخ أرض أرض تحتوي على غاز الأعصاب السارين”.
وحينها لم يكن من ضمن ولاية البعثة تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم.
وينفي النظام ضلوعه بالهجمات الكيماوية، مدافعا عن نفسه بروايات متعددة، منها أن الهجمات الكيماوية تنفّذها الفصائل المسلّحة أو منظمة الدفاع المدني (المعارضين) ضدّ نفسها وضدّ الأهالي في مناطق سيطرتهم، وتارة يتحدّث عن “مسرحيات” مدعيا أنّه لا وجود للسلاح الكيماوي، وأن المجازر هي مشاهد تمثيلية.