في محاولاته المتواصلة لرفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ما زال “المصرف المركزي” السوري يتلاعب بسياسة الاحتكار والإغراق للسوق، ليضبط الموازين كما تناسبه. السياسات الأخيرة للمركزي، هي أبعد ما تكون عن الشفافية المالية، أو عن سياسة الموازنة التلقائية بين العرض والطلب، بل هي تعمل على ضبط كميات الليرة السورية والدولار في السوق، بقرارات احتكار وإغراق متعاقبة.
وأصدر “المركزي” القرار “رقم 1602″، ليل الأربعاء/الخميس، الذي “يسمح لأي شخص بتحويل أي مبلغ يريده بالعملة الأجنبية إلى سوريا، بحيث أصبح بمقدوره استلامه نقداً بالعملة الأجنبية، أو قيداً في حسابه بالعملة الأجنبية في المصرف الذي يريده، أو تصريفه مقابل ليرات ضمن الشروط المذكورة في القرار”.
وبحسب “المركزي”، فالقرار أزال “ضوابط لم تعد مبررة أمام الحوالات الواردة من الخارج.. تجبر أصحاب الحوالات الشخصية الواردة من الخارج على تصريفها مقابل ليرات سورية”. وبصدور هذا القرار “أصبح المواطن قادراً على الحصول على مبالغ القطع الأجنبي التي ترده من الخارج فورياً، ضمن الشروط المذكورة في القرار”.
الموقع الرسمي لـ”المركزي” قال إن القرار جاء “بعد دراسة متأنية لأحكام القطع الأجنبي، ونظراً لحرص المصرف على تبسيط الإجراءات على التوازي مع السياسة النقدية التي سمحت باستقرار سعر صرف الليرة وتحسنها في الأشهر الأخيرة والدراسات التي تدعم توقعات استمرار الاستقرار في الفترة القادمة”.
ويأتي القرار بعد سنوات من إجبار مستلمي الحوالات الشخصية على استلامها بالليرة السورية وبسعر الصرف المفروض من المركزي، والذي غالباً ما يكون أقل من السوق السوداء بأكثر من 5 ليرات سورية للدولار الواحد.
وكان المركزي قد أصدر قراراً، نهاية تشرين الأول/اكتوبر، يقضي بعدم السماح للمواطن باستلام أكثر من حوالة واحدة خارجية شهرياً وبمبلغ لا يتجاوز 500 دولار أميركي، وفي حال تجاوز المبلغ ذلك الرقم، أو تعددت الحوالات يتم تجميد الحوالة لمدة ثلاثة أشهر، أو يتم اقتطاع نسبة 10 في المائة من أصل الحوالة في حال استلامها بشكل فوري. كما منع “المركزي” في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر المودعين من سحب ايداعاتهم بالليرة السورية، ما رفع من قيمة الليرة أمام الدولار، حتى وصل سعر الصرف إلى 445 ليرة للدولار الواحد.
وعدّل “القرار 1602” عتبة التصريف المسموح بها في الشهر الواحد، لترتفع إلى 500 دولار للشخص الواحد خلال شهر ميلادي كامل، من دون تجميد او عمولات، وذلك بعدما كانت العتبة المسموح هي 100 دولار شهرياً.
ولتبسيط الإجراءات، بحسب نص “القرار 1602″، أصبح “بمقدور أي شخص سحب أو إيداع أي مبلغ بمجرد إبراز الهوية الشخصية أو جواز سفر، طالما أن المبلغ أقل من خمسة ملايين ليرة سورية، وإذا كان لديه حساب مصرفي فقد تم رفع المبلغ الذي لا يُطلب لأجله أي ثبوتيات غير بطاقة تعريفية إلى 15 مليون ليرة”.
وكانت قرارات سابقة من المركزي قد منعت التداول بمبالغ مالية كبيرة، إلا في حال إبراز أوراق تجارية أو أوراق خاصة بالاستيراد والتصدير، أو أخرى تثبت نية المستفيد من شراء بيت أو سيارة أو ما شابه.
كما أكد “القرار 1602” أنه بات ممكناً لمن يريد سحب أو إيداع أموال أو تلقي حوالات “الاستغناء عن سند الإقامة عند وجود فاتورة ماء أو كهرباء أو هاتف عن آخر دورة، أو أي وثيقة أخرى تثبت مكان الإقامة”.. أو “ثبوتية إقامة القريب وتصريح استضافة المهجرين او النازحين”.. و”في الحالات الاستثنائية التي يصعب على المهني أو الحرفي إثبات طبيعة عمله أو إثبات انتسابه إلى أي جهات تنظيمية فقد أصبح بمقدوره التصريح عن نشاطه مع بطاقة التعريف”.
“القرار 1602″، والذي يفك الاحتكار الذي كان يفرضه “المركزي” على العملة الأجنبية، بحسب محللين ماليين، سيضع السوق السوداء في مأزق. فمع رفع سقف الحوالات الشخصية والقدرة على استلامها بالعملة الصعبة، سيتوجه الناس إلى المركزي مجدداً لاستلام حوالاتهم، مع الابتعاد عن السوق السوداء ومخاطرها الأمنية.
ويتوقع في حال تطبيق “القرار 1602” إغراق السوق السورية بالدولار مجدداً، وخفض الطلب عليه، ما سيرفع من قيمة الليرة السورية، وبالتالي ستضطر السوق السوداء إلى تخفيض سعر الصرف بدورها، ليتناسب مع طرح المركزي. الأمر الذي سيصعّبُ على السوق السوداء، مؤقتاً، أن تتحكم بالسوق وتفرض سعر صرف للدولار أفضل من المركزي.
ويتساءل محللون ماليون، عن سبب تأخر “المركزي” في تنفيذ سياسات مماثلة لتحسين قيمة الليرة السورية، خلال السنوات الماضية، لا بل تعمده إتخام السوق بطباعة المزيد من العملة السورية وضخها في السوق، ورفع مستوى التضخم إلى حدود قصوى. ويجيب البعض بأن انهيار سعر صرف الليرة خلال السنوات الماضية كان مناسباً للنظام، الذي استمر في دفع رواتب الموظفين من دون زيادة تذكر عليها، بالليرة السورية، في حين حرص على احتكار الدولار في الخزينة. أرباح النظام من اللعب بسعر صرف الليرة، كانت خيالية، خلال السنوات الماضية. وهو الآن، يحاول ضبط السوق على ايقاع “انتصاراته” العسكرية، وإعطاء احساس بنهاية “الأزمة”، ولكن مجدداً على حساب السوريين.
المصدر: جريدة المدن الالكترونية