بحث
بحث
عملات سورية في أحد البنوك - انترنت

الليرة السورية أمام تحديات الاستبدال والعقود الروسية

في ظل الأوضاع الاقتصادية المتغيرة التي تشهدها سوريا، يثار الجدل حول استبدال العملة باعتباره جزءاً من الحلول الممكنة لمعالجة الأزمات النقدية والتضخم، وبينما يرى البعض أن هذه الخطوة قد تساهم في تحسين العمليات المالية وتقليل تكاليف الطباعة، يؤكد خبراء اقتصاديون أن نجاحها يرتبط بمدى تكاملها مع إصلاحات نقدية ومصرفية شاملة تضمن استقرار الأسواق وتعزيز قيمة العملة.

ويأتي ذلك في ظل استمرار غلاء السلع الأساسية في ظل تذبذب سعر العملة المحلية رسمياً وفي السوق الموازي.

وفي هذا السياق، أكد الباحث الاقتصادي علي محمد أن عملية حذف الأصفار من العملة السورية تُعد إجراءً تقنياً وشكلياً أكثر من كونها خطوة اقتصادية بحتة، لافتاً إلى أنها لا تؤثر جوهرياً على الاقتصاد ما لم تُرافق بإصلاحات نقدية وبنكية تساهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية، وتعالج العوامل المؤثرة على سعر الصرف، التضخم، وسعر الفائدة.

وأوضح أن حذف الأصفار يُعد إجراءً فنياً يهدف إلى تسهيل التعامل المالي وخفض تكاليف الطباعة، إلا أن نجاح هذه الخطوة مرتبط بمدى تطبيق سياسات اقتصادية متينة تشمل الإصلاحات النقدية والمالية، واستراتيجيات واضحة للاستثمار، وهو ما يضمن عدم خلق مشكلات إضافية مثل ارتفاع الأسعار واضطراب آليات السوق.

كما أشار الباحث الاقتصادي إلى أن عملية استبدال العملة أو تعديل تصميمها تحتاج إلى فترة تمتد بين 3 أشهر وسنتين لإعطاء المواطنين وقتاً كافياً لاستبدال العملات القديمة.

زيادة تكاليف

أضاف الباحث الاقتصادي علي محمد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن العديد من الدول تسعى للانتقال من التعامل النقدي إلى الأنظمة الإلكترونية لتقليل أعباء الطباعة، خاصة أن تكاليف طباعة العملة السورية تختلف بين روسيا والدول الأوروبية، إذ تتميز روسيا بتكاليف أقل من حيث العمالة والطاقة والوقود مقارنة بأوروبا، حيث تفرض المطابع الأوروبية معايير جودة وأمان أعلى مما يزيد من الكلفة بنسبة تراوح بين 30% و60% وفق التقديرات النظرية، مرجحاً عدم تجديد التعاقد مع روسيا، وأن تتجه دمشق إلى خيارات جديدة.

وأوضح ارتفاع معدلات التضخم في حال طباعة العملة بشكل غير متناسق مع الوضع الاقتصادي والإنتاج في سوريا، ما قد ينعكس سلباً على الأسواق. لذا، ينبغي أن تتم عملية استبدال العملة وفق دراسة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الفعلية للسوق، لضمان عدم تجاوز الحد المطلوب أو إصدار عملة جديدة بشكل غير مدروس، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية غير محسوبة.

وفي ختام تصريحه، شدد محمد على ضرورة أن يكون إصدار أي عملة جديدة مدروسًا بعناية، بناءً على إحصائيات دقيقة لحجم الحاجة الفعلية للسوق، لضمان تجنب أي اضطرابات اقتصادية أو آثار تضخمية غير محسوبة.

تحديات تقنية واقتصادية

على مدار السنوات الماضية، شهدت الليرة السورية سلسلة من التغييرات في شكلها وقيمتها، في ظل أزمة اقتصادية حادة وانهيارات متتالية أثرت على القدرة الشرائية للمواطنين، ومع استمرار طباعة العملة في الخارج بسبب العقوبات الغربية، بات الحديث عن استبدال العملة محور نقاش بين خبراء الاقتصاد والمسؤولين، وسط تساؤلات حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها الفعلي على المشهد الاقتصادي.

وقال مصدر مسؤول في مصرف سورية المركزي لـ”العربي الجديد”، إن استبدال العملة يهدف إلى تغيير شكلها وليس قيمتها أو سعرها، مشيراً إلى أنه من غير المستبعد حذف ثلاثة أصفار، بحيث تصبح الألف ليرة الحالية تساوي ليرة واحدة من العملة الجديدة، في حال تمت عملية الإصدار.

وأضاف أن ضخ العملة الجديدة في الأسواق يحتاج إلى فترة تراوح بين ستة أشهر وعام لضمان انتقال سلس دون اضطرابات مالية، ورغم ذلك، يواجه هذا الإجراء تحديات تقنية واقتصادية، أبرزها تكاليف الطباعة المرتفعة، حيث تعتمد الدول على مطابع متقدمة ذات تقنية عالية لضمان جودة الأوراق النقدية والرموز الأمنية المستخدمة.

كلفة الطباعة تتجاوز قيمة الليرة

وأشار المصدر إلى أن كلفة طباعة كل قطعة نقدية تصل إلى نحو 20 سنتاً، فيما تبلغ قيمة الدولار الواحد في السوق السورية حوالي 12 ألف ليرة، ما يعني أن كلفة الطباعة قد تتجاوز قيمة العملة ذاتها، ما يستدعي تنفيذ العملية بشكل تدريجي ومدروس بدقة لتجنب أي انعكاسات سلبية على الأسواق.

على صعيد آخر، اضطرت الحكومة السورية إلى طباعة العملة المحلية في الخارج، وتحديدًا في روسيا منذ عام 2017، بعد استبعاد المطابع الأوروبية بسبب العقوبات الغربية المفروضة على دمشق.

ووفقاً للمصدر، فقد استلمت سوريا شحنتين من الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا خلال شهري شباط وآذار الماضيين، حيث بلغ وزن الشحنة الثانية نحو ستة أطنان، وقدرت قيمتها بـ300 مليار ليرة سورية، ضمن اتفاق سابق وقع في الثامن من كانون الأول 2024 بين روسيا والحكومة السورية.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيكون استبدال العملة السورية خطوة فعالة لتحسين الوضع الاقتصادي، أم أنه سيظل مجرد إجراء تقني دون تأثير حقيقي على الأسواق؟

المصدر: العربي الجديد