سيسهم أي حل يتوصل إليه قطبا السلطة في سوريا، آل الأسد وآل مخلوف لخلافهما الأخير، في تفكيك أحجية أسباب هذا الخلاف الذي تفجر بينهما بعد أشهر من التوتر، لكن ليس من المؤكد أنه سيؤدي إلى طي هذه الصفحة بشكل نهائي، على الرغم من أن بوادر انتصار (الأسد) باتت واضحة، وقد كانت تبدو كذلك منذ البداية
أربع كلمات
فبعد اسبوع ملتهب بلغ فيه الصراع بين العائلتين ذروته، مع التسجيلين المصورين اللذين ظهر فيهما خازن بيت مال النظام رامي مخلوف، وكشف فيهما عن تعرضه لضغوط ومضايقات ومطالبات مالية “لا يمكن احتمالها أو القبول بها” وعن حملة اعتقالات شملت كبار الموظفين في شركاته، كانت أربع كلمات نشرت على الصفحة الرسمية لشركة “سيريتل” (أشهر شركات رامي مخلوف) كافية لتشير إلى أن معركة حسمت.
“الرجوع عن الخطأ فضيلة”.. هذه هي كلمات المنشور الأربعة التي وضعت حداً لسيل جارف من التحليلات والتوقعات والسيناريوهات المحتملة لتطورات الصراع بين آل الأسد وآل مخلوف، هذا الصراع الذي بدا بالنسبة للكثيرين، حتى ما قبل هذا المنشور، أنه ليس سوى رأس جبل الجليد الذي سيتكشف أكثر، وأن المعركة ليست إلا في بدايتها.
كيف انتهى الخلاف (على فرض انتهائه بالفعل) أو كيف أمكن لملمة هذه الفضيحة؟
هذا هو السؤال المركزي عند كل السوريين اليوم، موالاة ومعارضة، وحتى عند المحايدين الذين لا تعنيهم السياسة بشيء، فإن الفضول يوحد الجميع خلف البحث عن تفاصيل الحل، كما كان قد وحدهم قبل ذلك خلف البحث عن أسباب الخلاف.
سيناريو مبسط
في تعليقه على التطورات الأخيرة، كتب رجل الأعمال السوري المعارض، فراس طلاس، على صفحته في “فايسبوك”، أن “الأمور تتجه، بعد وساطات قام بها غسان مهنا (خال رامي مخلوف)، إلى أن يعتذر رامي عن الفيديوهات التي أصدرها، على أنها كانت تسرعاً وتهوراً، وأن (الرئيس بشار) بيمون عالروح، وبعد ذلك، وبهدوء، يتم التنازل عن كل حصصهم في شركتي “سيرياتل” و”راماك” التي تدير بقية شركات مخلوف، لمؤسسة حكومية أو شبه حكومية، وهنا يظهر بشار الأسد كمحارب للفساد، وأن مال الشعب عاد للدولة التي هي الشعب”.
وأضاف طلاس، وهو نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، أن “هذه الشركات في الداخل تساوي عشرة بالمئة من الثروة الأسدية/المخلوفية، أما الثروات الباقية في الخارج وهي في عدة دول، ويديرها (المخاليف) ومستشاروهم، فسيتم توازعها بين؛ بشار الأسد وأبنائه، وماهر الأسد وأبنائه، وبشرى الأسد وأبنائها، وأولاد محمد مخلوف؛ رامي – حافظ – إياد – إيهاب، كندة ، سارة، على أن يقرر بشار الأسد حصة كل شخص، ويغادر (المخاليف) سورية لفترة ويختفوا من المشهد”.
وسواء كانت هذه معلومات أو تقديرات، وبغض النظر عن أن صدورها عن شخص مطلع، أقله على طريقة تفكير العائلتين المسيطرتين على الحكم والاقتصاد في سوريا، فإن سيناريو الحل الذي يتحدث عنه طلاس ظل مرجحاً عند الكثيرين من المتابعين، الذين كانوا واثقين منذ البداية بأن رامي مخلوف سوف يرضخ حتماً لإرادة عائلة الأسد، سواء كان خلافه مع أسماء أو مع ماهر.
لكن لماذا يجب استبعاد السيناريوهات الأخرى، بل وقبل ذلك، هل يمكن لبشار الأسد وأسرته القبول بتنازل عائلة مخلوف عن كبرى شركاتها في سوريا (سيريتل وراماك) لصالح الدولة، وما الذي سيستفيده الأسد من ذلك؟
سؤال توجهت به “المدن” لفراس طلاس، الذي أكد أن قيمة هاتين الشركتين لا تمثل أكثر من عشرة في المئة من مجموع ثروة رامي مخلوف وأسرته، وهذا ما يجعل التنازل عنهما ثمناً عادياً في النهاية.
وأكد طلاس أن القيام بهذه الخطوة سيكون أثرها المعنوي مهماً لصالح بشار الأسد ضمن مساعي إظهاره كمكافح للفساد، وهي أكبر بطبيعة الحال من مكاسبه المادية فيما لو اقتصر الأمر على إعلان مصالحة ضريبة تدفع بموجبها شركات مخلوف ما عليها من مستحقات معلنة لخزينة الدولة على أن تبقى من أملاكه.
طبيعة الحل..والخلاف
وفيما إذا كانت طبيعة هذا الحل كافية للكشف عن أسباب الخلاف الحقيقية، أكد طلاس أنه “لا توجد دوافع سياسية أو أمنية للصراع بين الاسرتين أصلاً، وأن سبب الخلاف باختصار هو التنافس بين الأسرتين، سواء بين أسماء الأخرس “زوجة بشار الأسد” وبين رامي مخلوف من جهة، أو بين الأخير وبين ماهر الأسد من جهة ثانية، وكذلك بين أسماء وبين ماهر الأسد من جهة ثالثة”.
ينسف “طلاس” سردية الكثيرين عن أن أسماء الأخرس لا يمكن أن تكون قادرة على خوض صراع بهذا المستوى، وسط حقل ألغام عائلي وسلطوي معقد وخطير، مهما بلغت قوتها أو نفوذها كزوجة للرئيس، ويرى أنها تمكنت من النجاح حتى الآن في هذه المعركة، بفضل دمجها بين استخدام سلاحي أنها زوجة الرئيس من جهة، وأنها أم أبناء الرئيس من جهة الثانية، الأمر الذي مكّنها من فرض نفسها كرقم صعب في معادلة السلطة والحكم. ونوه طلاس إلى أن غياب محمد مخلوف، خال بشار الأسد، جعل زوجته أقرب إليه في السنوات الأخيرة، وبالتالي أكثر قدرة على التأثير عليه.
سيؤدي سيناريو الحل هذا إن حصل بالفعل، إلى إعطاء بعدٍ عائلي لخلاف الأسد-مخلوف بعدما أخذ بعداً إقليمياً دولياً بنسبه مباشرة إلى صراع النفوذ بين الدولتين الحليفتين للنظام، روسيا وإيران، من دون أن يعني ذلك أن وتر الصراع كان بعيداً عن المعركة، أو أنه لم يجرِ استخدامه بما يخدم أهداف أطراف الخلاف.
كذلك ترتبط فرضية الحل بالتصعيد الإعلامي الروسي ضد النظام في الفترة الأخيرة الماضية، هذا التصعيد الذي جاء من زاوية الفساد المستشري في دوائر الحكم والسلطة في سوريا، وهي الزاوية التي سيكون من المنطقي النظر إليها على أنها دعوة لإجراء إصلاحات والقيام بأي خطوات تحسينية، أكثر من كونها تلويحاً بالتخلي الروسي عن الأسد، حتى الساعة.
وعليه، يرى الكثيرون أن تطبيق سيناريو الحل للأزمة الداخلية، أي أن يجبر رامي مخلوف على تقديم اعتذار للأسد، والتنازل عن ملكيته لشركتي “سيرتيل” و”راماك”، أو حتى غيرهما من الشركات المحلية، سيعني ضمناً، وإلى جانب النصر المعنوي للأسد، استجابة سريعة ونية متوفرة من قبل النظام مع الرغبة الروسية، على أن يظل حبل إيران الممدود والسميك، جاهزاً لدى الأسد للعب عليه بمواجهة روسيا في حال قررت الذهاب أبعد من ذلك في مطالباتها “الإصلاحية”
المصدر: صحيفة المدن