صوت العاصمة – الجزيرة نت
لا تمنع الحرب التي تعيشها سوريا منذ أعوام عموما، وتردي الأوضاع الأمنية في عاصمتها دمشق خلال الأشهر الأخيرة خصوصا، من استمرار حملات زيارة المزارات الشيعية، التي يؤكد ناشطون وصحفيون مطلعون أنها ذات أهداف أبعد من مجرد السياحة الدينية.
وتمكن ناشطون خلال الأشهر الأخيرة من رصد عشرات الحملات التي يصل زوارها إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق، وينطلقون منها لزيارة المعالم الدينية التي يقع معظمها في أرجاء المدينة القديمة، رافعين شعارات ذات طابع طائفي وحتى سياسي.
ورغم التفجيرات التي استهدفت حافلات تقل زوارا -معظمهم عراقيون- أثناء زيارتهم مقبرة باب الصغير وسط دمشق منتصف مارس/آذار الفائت ووقع ضحيتها ما يقارب 40 قتيلا و 120 جريحا، استمر توافد الزوار الشيعة على
العاصمة السورية.
بل يبدو أن تلك التفجيرات التي تبنتها هيئة تحرير الشام واعتبرتها “رسالة واضحة لإيران والمليشيات الشيعية”، كانت دافعا كي تتبنى تلك الوفود شعارات من قبيل “نتحداكم باقين” و”حملة تحدي الإرهاب”، إلى جانب شعارات طائفية مثل “لن تسبوها مرتين” و”نحن أبناء حيدر” و”لبيك يا زينب ولبيك يا رقية”.
ومن حملات السياحة الدينية التي وصلت دمشق خلال الأسابيع الأخيرة، رصدت شبكة “صوت العاصمة” حملة “المنتظر” التي زارت المقبرة المذكورة والتقط المشاركون فيها صوراً أمام الحافلات التي استهدفتها التفجيرات، وحملة “تحدي الإرهاب إلى السيدة زينب” التي نظمتها “شركة سفير الطعمة للسياحة الدينية”.
أما آخر تلك الوفود، بحسب “صوت العاصمة”، فقد وصلت دمشق منذ أيام، وهي ضمن حملة “أبو الفضل العباس” المعروفة بزياراتها الدورية بمعدل مرتين أسبوعياً لدمشق، والتي حملت إحداها عنوان “نتحداكم باقين” تزامناً مع المعارك التي شنتها فصائل المعارضة المسلحة في حي جوبر أواخر مارس/آذار الفائت
ويوثق ناشطو شبكة “صوت العاصمة” وصول تلك الحملات بواسطة حافلاتها التي توجد عادة عند مدخل المدينة القديمة قرب تمثال صلاح الدين أو في الساحة المقابلة للجامع الأموي أو عند ساحة باب الصغير. كما أن متابعة صفحات تلك الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتيح معرفة مواعيد وصول الرحلات إلى مطار دمشق الدولي.
وتتابع الشبكة المذكورة حركة أولئك الزوار، حيث يقيمون في فنادق ببلدة السيدة زينب عُرفت بتحولها خلال السنوات الأخيرة إلى مركز لتدريب وإقامة لمعظم المليشيات الشيعية المقاتلة في سوريا، الذين يتجهون على شكل مجموعات تدخل من الحاجز الحديدي قرب تمثال صلاح الدين وصولاً للمسجد الأموي ومقام يحيى ورأس الحسين ومن ثم مقام السيدة رقية ومقبرة آل البيت، كما يزورون مقام السيدة سكينة في مدينة داريا غرب دمشق بشكل دوري.
وفي حديث للجزيرة نت، ينوّه الصحفي أيمن محمد إلى أن حملات السياحة الدينية الشيعية ليست بالجديدة في دمشق، فقد ازدهرت منذ بداية حكم الرئيس بشار الأسد مع تحول السيدة زينب وأحياء دمشق القديمة لمزار دائم للإيرانيين.
لكن إيران، كما يرى محمد، استغلت هذه الحملات مع انطلاق الثورة في سوريا بهدف تجنيد الشيعة من العراق وأفغانستان وباكستان وإيران بذريعة حماية المقامات الدينية، والترويج لادعاء طائفية الثورة السورية واستهدافها المقامات الدينية ذات المكانة البارزة لدى الطائفة الشيعية في حوادث متفرقة منها تفجير استهدف مرآبا للسيارات في مقام السيدة زينب وقذيفة أصابت قبة المقام، حيث يعتقد الصحفي السوري أنها حوادث مفتعلة من قبل النظام السوري بهدف حشد الشيعة ودفعهم للقتال في سوريا.
ويشير محمد إلى أن فشل النظام والمستشارين العسكريين التابعين للحرس الثوري الإيراني في إخماد الثورة في البلاد دفع إيران لتجنيد المئات في مليشيات عسكرية شيعية تحت عنوان “حماية مقامات آل البيت والدفاع عنها”، وهو عنوان يتناقض مع زجهم للقتال في مناطق بعيدة عن تلك المقامات الدينية.
ومع توسع حملات التجنيد تلك، عمل الحرس الثوري -بحسب محمد- على افتتاح مكاتب في طهران والعراق لاستقطاب المزيد من المقاتلين وتنظيم قدومهم إلى سوريا وتدريبهم في معسكرات قبل وصولهم لساحات القتال.
ويؤكد المتحدث إرسال إيران لهؤلاء المقاتلين برفقة مدنيين يزورون سوريا بهدف السياحة الدينية، وذلك للتغطية على نقل هؤلاء العناصر ودمجهم في الوفود السياحية. ويضيف أن “المشرفين على حملات السياحة الدينية وحملات التجنيد هم جهة واحدة تتبع للحرس الثوري الإيراني”.
ويخلص الصحفي إلى أن هدف تلك الحملات واحد، ويتمثل في “التأكيد على نفوذ إيران في سوريا، خاصة مع بسط الإيرانيين سيطرتهم على مواقع عدة أهمها السيدة زينب التي تحولت لثكنة عسكرية، ومدينة داريا غرب العاصمة”.