كشفت تحقيقات لوكالة “رويترز” أن سوريا شهدت منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024 موجات اعتقال متتالية نفذتها السلطات الجديدة لأسباب أمنية، وسط غياب أرقام رسمية شاملة، وتزايد القلق بشأن ظروف الاحتجاز وآليات المساءلة القانونية.
وبحسب ما جمعته “رويترز” من مقابلات مع عائلات معتقلين ومحتجزين سابقين، إضافة إلى مراجعة قوائم زيارات عائلية في عدد من مرافق الاحتجاز، جرى توثيق ما لا يقل عن 829 حالة اعتقال لأسباب أمنية خلال العام الأول بعد سقوط النظام وفقا لمقابلات مع أفراد عائلات المعتقلين وأشخاص كانوا هم أنفسهم محتجزين. وللوصول إلى هذا العدد، راجعت “رويترز” أيضاً بعض قوائم المحتجزين التي أعدها أشخاص نظموا زيارات عائلية إلى سبعة منشآت.
وتشير المقابلات وقوائم المحتجزين وعدة روايات عن الاكتظاظ في السجون والسجون إلى أن عدد المحتجزين الأمنيين أعلى بكثير من العدد الذي تمكنت الوكالة من تحقيقه.
وبيّنت أن مراكز الاحتجاز التي كانت تضم عشرات الآلاف خلال عهد الأسد المخلوع باتت مكتظة مجدداً بمعتقلين تحت سلطة الحكومة الجديدة، كثير منهم محتجزون من دون توجيه تهم رسمية أو عرضهم على القضاء خلال المدد القانونية.
وتشمل هذه المرافق سجوناً مركزية كبيرة، إضافة إلى مراكز احتجاز داخل مجمعات أمنية قديمة وأقسام شرطة ونقاط تفتيش.
وتظهر شهادات معتقلين سابقين وأقاربهم أن ظروف الاحتجاز تتسم بالاكتظاظ الشديد، ونقص الغذاء والرعاية الصحية، وانتشار أمراض جلدية نتيجة غياب مستلزمات النظافة. كما تحدث عشرات المحتجزين عن تعرضهم لسوء معاملة شمل الضرب والإهانات، وفي بعض الحالات التعذيب، ولا سيما في منشآت كانت تُدار سابقاً من قبل أجهزة استخبارات النظام المخلوع.
ووثّقت “رويترز” ما لا يقل عن 11 حالة وفاة أثناء الاحتجاز، في حين أفادت منظمات حقوقية بوقوع 16 حالة وفاة خلال عام 2025، بينها حالات قالت فيها عائلات إنهم لم يعلموا بوفاة أقاربهم إلا بعد دفنهم، من دون الحصول على تقارير رسمية أو سجلات مكتوبة توضح ملابسات الوفاة.
كما رصدت الوكالة شكاوى متكررة من عائلات محتجزين ومحامين حول مطالبات مالية مقابل الإفراج عن معتقلين، حيث تراوحت المبالغ المطلوبة بين آلاف الدولارات في حالات المجندين والمدنيين، ووصلت إلى عشرات الآلاف في حالات ضباط سابقين أو عائلات يُعتقد أنها ميسورة الحال، مع تأكيد أن دفع المال لا يضمن الإفراج في جميع الحالات.
وقالت الوكالة إنه برغم تعهدات رسمية بإغلاق السجون سيئة السمعة، فإنها وجدت ما لا يقل عن 28 سجناً ومركز احتجاز من حقبة الأسد المخلوع قد أعيد تشغيلها خلال العام الماضي، بينها منشآت قالت الحكومة إنها مغلقة، لكنها استُخدمت فعلياً للاحتجاز أو الاستجواب.
وفي ردّها على نتائج التحقيق، قالت الحكومة السورية إن الاعتقالات تندرج في إطار محاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت خلال المرحلة السابقة، إضافة إلى التعامل مع تهديدات أمنية جديدة. وأوضحت أن المؤسسات القضائية والأمنية لا تزال في طور إعادة البناء، وأن هناك فراغات إدارية وأمنية أدت إلى تجاوزات في بعض الحالات.
وأضافت الحكومة أنها عاقبت 84 عنصراً من قوات الأمن في قضايا ابتزاز، و75 عنصراً بسبب استخدام العنف، مؤكدة أن عدد الذين أُفرج عنهم خلال العام الماضي يفوق عدد المحتجزين حالياً، من دون تقديم أرقام دقيقة. كما قالت إن سجن عدرا يضم حالياً 3,599 نزيلاً، بينهم 439 محتجزاً لأسباب أمنية، مشيرة إلى أن الأوضاع الإنسانية تحسنت مقارنة بالفترة السابقة.
