صوت العاصمة – خاص
في بداية الثورة السورية وانطلاق الحراك المسلح ضد نظام الأسد، بدأت ظواهر الفيميه (حجب الرؤية) بالاختفاء، مع أنها كانت تقتصر على سيارات المخابرات وبعض كبار المسؤولين وأولادهم، وبدأت تدريجياً بالاختفاء كي لا يتم تمييز السيارة على أنها أمنية، ولتبدو سيارتهم كأنها مدنية، خاصة مع ازدياد عمليات القنص للسيارات “المفيمة” على الطرقات الدولية.
ولكن بعد خمس سنوات وتأمين قلب العاصمة ومحيطها القريب، وابعاد الخطر عن أحياء هؤلاء الناس، عادت تلك الظاهرة من جديد، ولكن بسيارات تكون مسروقة ببعض الأحيان، واخرى بدون لوحات، لا تعرف لمن تتبع ولا من يركبها، ولا يحق لأحد أن يوقفها أو يوجه كلمة لسائقها، فربما يكون في مهمة من أعلى سلطة في البلد، أو قد يكون مجرد عنصر مرتزق في إحدى الميليشيات الموالية.
ومع الحملات المستمرة من قبل شرطة المرور ومباحثها، لضبط السيارات “المفيمة” هنالك فئة من الشباب، وهم أبناء بعض التجار والمسؤولين، وأبناء تجار الحرب الجديد، والقيادات العسكرية حديثة العهد في الميليشيات الموالية، تسطيع الحصول على موافقة رسمية ممهورة بختم وزير الداخلية، لتقود تلك السيارات بلوحات مشوهة وزجاج أسود، بحجة الوضع الأمني تارة، وبسبب “بريستيج البابا” تارة أخرى .
يجلس بلال العشريني ابن أحد تجار دمشق في أشهر مطاعمها منتظراً السمسار الذي يُطلع عليه اسم “الاخطبوط” في الوسط الشبابي، لكونه دينمو الموافقات والتعريفات في فرع مرور دمشق ووزارة الداخلية، وهو كأمثاله من المرتزقة وتجار الحرب الذين يديرون مافيات متنقلة بين الدوائر الحكومية والأفرع الأمنية.
يٌفاوض الاخطبوط الشاب بلال، ويعده بإحضار موافقة الفيميه موقعة من الوزير شخصياً خلال 3 أيام، مقابل مبلغ ألف دولار أي ما يعادل نصف مليون ليرة سوريا، في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 80% من سكان دمشق براتب شهري لا يتجاوز 40 ألف ليرة سورية، أما بالنسبة لأبناء الحرب فهو مبلغ تافه يتم صرفه في سهرة عيد ميلاد أحدهم، وربما أضعاف مضاعفة لسهرة عشاء للأب حديث النعمة .
ربما هو تعويض للنقص الذي كان بهم، فهم حديثو نعمة وقد تسلموا سلطة، يقول أحد العاملين في محل زينة للسيارات خلال حديث مع مراسلنا، مؤكداً أنه يقوم يومياً بتركيب الفيميه لعشرة سيارات على الأقل، بعضها لشباب “صيّع” وأخرى لمقاتلين وقادة في الميليشيات، مضيفاً أن بعض من يقوم بتركيبه يستخدمه للإرهاب والعمليات الغير مشروعة من تهريب للسلاح والمخدرات أو ربما تهريب أشخاص إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام، مقابل مبالغ مادية كبيرة، وبعضهم الأخر يقوم بتركيبه كنوع من المفاخرة، فهو ليس أقل شأناً من أصدقاءه، ووالده الذي تحول من إنسان عادي إلى أمير حرب خلال سنوات، ليس أقل منصباً من آباء أصدقاءه.
يضيف “محمود” أن تكلفة فيميه السيارة كاملة، قد تتراوح بين 30 ألف إلى 60 ألف ليرة سورية، ولا يهم صاحب المحل الذي أعمل فيه إن كان صاحب السيارة قد حصل على رخصة للتركيب أم لم يحصل، فإن تم إيقافه وإجباره على فكه، سيأتي مجدداً إلينا طالباً تركيب فيميه آخر فقد اعتاد على قيادة السيارة من وراء السواد، حتى إن اضطر لدفع المخالقة المرورية التي لا تتجاوز خمسة آلاف ليرة سورية، أي ما يقارب 10 دولار.
شرطة المرور ومباحثها لا حول لهم ولا قوة، تصدر الأوامر لهم بملاحقة السيارات “المفيمة” من قيادات وضباط يركبون تلك السيارات وابنائهم يشبحون ليل نهار بسيارات بدون لوحات ومغطسة بالسواد بالكامل، وحتى إن حاولت شرطة المرور القيام بعمليات توقيف لبعض السيارات المفيمة لحجزها ومخالفتها، يأتيه اتصال هاتفي، أو اتصال عبر اللاسلكي ليخبره أنها سيارة “فلان” أو أنها تابعة للفرع الفلاني، أو يقال له (هدول الشباب من طرفنا، مشيهن)، من الجهل التام بصفة أو هوية المتحدث، ولكن يبدو أنه من أصحاب النفوذ، فيتقي الشرطي شر هؤلاء ويقوم بإخلاء سبيل السيارة وسائقها، ويذهب لفرض سلطته على سائق السرفيس وسيارة الاجرة الذي يكاد يستطلع تحصل لقمة العيش من عمله..
وبالرغم من اشتراكهن بالفيميه، إلا أن اصحاب تلك السيارات مقسومين إلى شريحتين، أصحاب المال من جهة، والشبيحة والمرتزقة من جهة أخرى، فعند مرورك بأحياء المالكي وأبو رمانة وكفرسوسة ومشروع دمر لدقائق، ستشاهد السواد الطاغي على سيارات تلك المناطق، فهي غنية بالمسؤولين والضباط وأصحاب الأموال والتجار، وبيئتهم المخملية تتطلب عليهم ذلك النوع من البريستيج.
أما اذا اتجهت نحو المزة 86 والتضامن وقرى الأسد ويعفور ومناطق سيطرة الميليشيات الموالية، ستجد أيضاً سيارات بدون لوحات ومفيمة، ولكنها لا تغادر تلك المناطق، لأن اغلبها مسروقاً أو غير مسجل عند النظام بعد إدخالها تهريباً من لبنان، ولكن هنا الفيميه يستخدم لأغراض قذرة، وحالها ليس كحال أبناء الطبقة المخملية في الأحياء الأخرى .
وسجلت على مدى السنوات عدة حوادث خطف وقتل وسلب كان ورائها شبان مسلحون يركبون سيارات بدون لوحات ومفيمة، دون أي رادع أو خوف من شرطة المرور أو غيرها من الجهات المختصة.
الفيميه والسيارات المسروقة جزء بسيط من الفلتان الأمني التي تعيشه عاصمة يتباهى النظام بأنها أأمن المدن السورية، لكن الواقع يقول أنها غابة مقسمة بين عدة أفرع أمنية وميليشيات أصحبت القوة الأكبر في دمشق التي لا نظام فيها، ولا حكومة.