تُعد قضية الديون السورية لإيران من أبرز الملفات الاقتصادية التي تفرض نفسها على المشهد السوري في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، فمنذ اندلاع الثورة السورية لعبت طهران دوراً كبيراً في دعم الأسد، ولم يقتصر هذا الدعم على الجوانب السياسية والعسكرية، بل امتد ليشمل الجانب الاقتصادي.
وبعد أسبوع من هروب بشار الأسد من سوريا، نشرت صحيفة “التايمز” تقريراً بعنوان “إيران خسرت الأسد ومعه 50 مليار دولار”، وتساءل الكاتب في تقريره عن إمكان إعادة هذا المبلغ الضخم إلى رعاة الأسد في طهران.
وبعد يومين من نشر التقرير، عقد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي مؤتمراً صحافياً قال فيه إنّ لرقم الذي يتم تداوله على أنه دين مستحق على سوريا لإيران مبالغ فيه، وإن الاتفاقات والمعاهدات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين البلدين، ليست بين مجموعات أو حكومات موقتة بل هي بين دولتين.
وخلص إلى دعوة حكومة تصريف الأعمال في دمشق إلى التزام تعهداتها وفقاً للاتفاقات والعقود المبرمة مع نظام الأسد، مشيراً إلى أنّ القضية ستشكّل جزءاً من تعاملات إيران المستقبلية مع حكومة دمشق الجديدة، وفق مجلة المجلة.
ويستند كلام بقائي كما ألمح إلى المبدأ القانوني المعروف “العقد شريعة المتعاقدين”، وهو مبدأ متفق عليه في علاقات الأطراف في إطار القوانين المدنية والتجارية، وأيضاً في إطار القانون الدولي العام، وفقاً للمادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969، التي تنص على “أنّ المعاهدة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية”. وقد اعتُمد المبدأ في القانون الكنسي لعام 1983.
وبمرور الوقت، تبيّن من التطبيق العملي أن هناك ضرورة لتلطيف مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” في العلاقات الدولية، من خلال مبدأ آخر عرف باللاتينية باسم “Clausula rebus sic stantibus”، ومضمونه أنّ أحكام المعاهدة أو الاتفاق تظل قابلة للتطبيق فقط إلى الحد الذي تبقى فيه الظروف الأساسية التي بررت إبرامهما بشكلهما.
وبحسب المجلة، فإنّ حكومة تصريف الأعمال حتى ولو لم تكتسب الصفة الشرعية، وبصفتها حكومة أمر واقع، وكذلك الأمر بالنسبة لأي حكومة مستقبلية، تستطيع إعلان التوقف عن دفع أي ديون مترتبة على سوريا لصالح إيران، بذريعة أن هذه الديون “بغيضة” أو “كريهة”، من الجائز التملص منها.
وهذه الذريعة سبق لإيران نفسها أن تمسكت بها إزاء الولايات المتحدة الأمريكية عام 1982 رداً على مطالبة الأخيرة لها بمبلغ كبير من المال بموجب عقد مؤرخ عام 1948 يتعلّق بشراء إيران بعض المعدات العسكرية.
وكانت حجة إيران أنّ الديون المطالب بها “بغيضة”، وقد فرضتها الولايات المتحدة على نظام سابق وهي غير قابلة للتحويل إلى حكومة طهران.
ووفقاً للمجلة، فإنّ الديون السورية لإيران تبقى غير قابلة للسداد لعدم وجود موافقة عليها من الشعب السوري وفقا للآلية المقترحة من الاقتصاديين كريمر وجاياشاندران.
مع هذا، من غير المتوقع أنّ تكون هناك عملياً عوائق أو تداعيات لأي قرار قد تتخذه أي حكومة سورية بوقف سداد ديون بلادها “البغيضة” لإيران ومصادرتها الاستثمارات المرتبطة بهذه الديون أياً كانت آجالها، لصعوبة مجاراة الدول الغربية إيران في أي إجراءات قضائية قد تتخذها ضد سوريا رداً على تملصها من السداد.
وأضافت: “لا بل من المتوقع أن تقترن أي مساعدات خارجية لسوريا بشرط توقف الأخيرة عن دفع الديون البغيضة التي اقترضها نظام الأسد من المؤسسات العامة والأفراد في إيران”.