بحث
بحث
صراف متنقل في أحد شوارع دمشق - انترنت

تقلبات العملة تؤخر تعافي معيشة السوريين

تؤخر تقلبات سعر الصرف المستمرة في سوريا تعافي معيشة المواطنين الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية تراكمت على مدار سنوات طويلة من الانهيار الاقتصادي، حيث تؤثر هذه التقلبات على جميع مناحي الحياة اليومية.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت السوق السوداء تذبذباً في سعر صرف الليرة السورية، حيث تجاوز الدولار حاجز 12 ألف ليرة في بعض المناطق، قبل أن ينخفض فجأة، ثم يعاود الارتفاع، هذا الاضطراب المتواصل ينعكس مباشرة على أسعار المواد الغذائية، والأدوية، والمحروقات، والخدمات الأساسية، والتي تتغير يومياً تقريباً.

وتستمر التقلبات الحادة في أسعار صرف العملات الأجنبية في إنهاك السوريين، وسط غياب حلول فعالة من الجهات الرسمية، وتزايد الاعتماد على السوق السوداء.

ويقول محمد الأسعد، وهو صاحب متجر في حي المزة بالعاصمة دمشق: “نشتري البضائع بسعر معين صباحاً، لنُفاجأ أن سعر الصرف تغير عند المساء، ويصبح البيع بالخسارة، أو نضطر لتغيير الأسعار باستمرار، ما يثير استياء الزبائن”.

ويشكو كثير من الموظفين من تآكل رواتبهم التي تصرف بالليرة السورية، بينما ترتبط أغلب أسعار السوق بالدولار، كما أن قطاع الحوالات، الذي تعتمد عليه شريحة واسعة من الأسر، يعاني هو الآخر من تعدد أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية، مما يؤدي إلى تراجع قيمة الحوالات الفعلية التي تصل للمستفيدين.

وتقول روعة باكير، وهي موظفة حكومية في قطاع التعليم، إن راتبها الشهري الذي لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية “لم يعد يكفي سوى لشراء الحاجات الأساسية لأسبوع واحد فقط”، وتضيف: “كل شيء مرتبط بالدولار، حتى قوت يومنا أصبح خاضعاً للتقلبات. نعيش في حالة من عدم الاستقرار، ولا نعلم كم سنحتاج شهرياً لتغطية نفقاتنا”.

سامر القش، الذي يدير ورشة لصيانة السيارات في حلب، يوضح أن تكلفة قطع الغيار تتغير يومياً أيضاً، ما يسبب مشاكل مع الزبائن. وقال: “أطلب القطعة اليوم بسعر، وبعد يومين ترتفع 30 أو 40 ألف ليرة، الزبائن يظنون أننا نستغلهم، لكننا نحن أيضاً ضحايا”.

وفي ظل غياب الدور الفعال للمصارف الرسمية، برزت ظاهرة الصرافين على البسطات في الشوارع والأسواق المكتظة، حيث يقوم أفراد غير مرخصين ببيع وشراء العملات الأجنبية علناً، ويمكن مشاهدة هؤلاء الصرافين في مناطق مثل شارع الحمراء في دمشق أو سوق الهال في حلب، وهم يعرضون أسعار صرف لحظية على أوراق مكتوبة بخط اليد، تتغير كل ساعة بحسب تقلبات السوق.

هؤلاء الصرافون، رغم أنهم يعملون خارج الإطار القانوني، أصبحوا المصدر الأساسي لتحديد “السعر الواقعي” للدولار في نظر الشارع السوري، ما يعكس حجم الانفصال بين السياسات النقدية الرسمية والواقع الاقتصادي المعاش.

ويرى مراقبون أن هذا الانتشار غير المنظم يساهم في ترسيخ السوق الموازية، ويزيد من تقلبات السعر نتيجة المضاربات السريعة والشائعات المتداولة بين التجار والصرافين.

في ظل هذه الظروف، يعتمد كثير من السوريين على الحوالات التي يرسلها أقاربهم من الخارج، إلا أن سعر الصرف الذي تعتمده مكاتب الحوالات المرخصة يقل كثيراً عن سعر السوق السوداء، ما يقلل من القيمة الفعلية التي يحصل عليها المستلمون.

يقول عبد الكريم الحسين، وهو شاب يتلقى حوالة شهرية من شقيقه في ألمانيا: “الحوالة التي تصلني تعادل 100 دولار، لكن عند الصرف لليرة السورية أحصل على ما يعادل 60 أو 70 دولاراً فقط، الفارق يذهب للوسطاء أو بسبب السعر الرسمي المجحف”.

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي سامر عبود، إلى أن التدهور في قيمة الليرة لا يرتبط فقط بالعوامل الاقتصادية، بل أيضاً بالثقة العامة في العملة الوطنية. ويوضح : “عندما يفقد المواطنون الثقة بالليرة، فإنهم يسعون إلى تحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية أو ذهب، ما يؤدي إلى مزيد من الضغط على سعر الصرف”.

ويعزو هذا التذبذب إلى عدة أسباب، أبرزها انخفاض الاحتياطي النقدي، وضعف الإنتاج المحلي، خاصة أن الاقتصاد السوري يفتقر حالياً إلى أدوات السيطرة الفعالة على السوق، وهناك شح في مصادر القطع الأجنبي، والاعتماد الكبير على السوق السوداء في غياب سياسة نقدية واضحة ما يعمق الأزمة.

المصدر: العربي الجديد