هناك ما يزيد على غصة الموت في دمشق. منذ لحظة الوفاة ينشغل ذوو المتوفى بمراسم الدفن وتأمين القبر واستئجار صالة عزاءٍ لاستقبال المواسين، وهذا لم يعد سهلاً أو قليل التكلفة. بات القبر حلماً صعب المنال، حتى لو توفّر ثمنه، ومهما بلغ السعر. إذا كان لديك المال الكافي، فتستطيع شراء ما تريد في دمشق؛ كل أنواع العقارات والسيارات واللباس والطعام، لكن الشيء الوحيد الذي لا تستطيع شراءه هو القبر. لشراء القبر تحتاج إلى مبلغٍ كبيرٍ من المال، ولكن الأهم من ذلك هو اللجوء، وبطرقٍ ملتوية، لشراء القبور من الوسطاء، ومن خلال السوق السوداء حصراً.
في دمشق “لا تباع القبور ولا تشترى، وإنما يوجد تنازل، وللأقارب حصراً. أما إذا كان التنازل لشخصٍ غريب فالأمر يحتاج إلى القضاء. كما أن الاستضافة ممكنة لدفن الأقارب فقط”. هذا ما قاله فراس إبراهيم، مدير مكتب دفن الموتى في دمشق. لا يسمح القانون السوري ببيع القبور، ولكن يسمح بالتنازل عنها ضمن الورثة الشرعيين، ما يدفع السوريين إلى إتمام عمليات البيع بين بعضهم، ثم يتنازلون عن القبر في مكتب دفن الموتى بحجة أنه تنازلٌ دون مقابلٍ مادي، وبعدها يحصلون على حكمٍ قضائي بنقل الملكية.
إلا أن المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، أصدر بتاريخ 19/11/2018 القرار رقم 1020، بهدف جعل عملية التنازل عن القبور صعبةً على الناس. وقد فرض هذا القانون رسماً على العملية التي تعرف رسمياً بـ”التنازل عن استحقاق الدفن”، وهذا الرسم يتراوح بين 3 إلى 4 ملايين ليرة سورية، يدفعها من يريد الحصول على “استحقاق دفن” في أحد المقابر بعد الحصول على حكمٍ من القضاء، إضافة إلى ما يدفعه لمالك القبر تبعاً للغرامة التي قُسِّمت على درجات وبحسب تصنيف المقابر، والتقسيم هنا حسب موقع المقبرة و”أهميتها”.
ونقلت صحيفة الوطن الموالية عن فراس إبراهيم قوله: “إن عدد المقابر حالياً في العاصمة يصل إلى نحو 30 مقبرة غير المدافن الصغيرة، مبيناً أن عدد القبور يصل إلى نحو 150 ألف قبر. علماً أنه يمكن الدفن في طابقين أو 3 طوابق، وذلك يعود للمساحة الجانبية”. وجاء حديث إبراهيم في شهر أيلول من العام الماضي، عندما كان يرافق محافظ دمشق عادل العلبي في جولة تفقدٍ للأعمال المنجزة في مقبرة عدرا الواقعة شمالي دمشق وتنفذها مؤسسة الإسكان العسكرية بريف دمشق. وتحدث إبراهيم وقتها عن جاهزية 4 آلاف قبر في مقبرة عدرا، وأن 4500 قبرٍ آخر قيد الإنجاز، وخاصةً أن المقبرة تضم 12 ألف قبر. كما تطرق في حديثه عن مقبرة “نجها” الواقعة جنوبي دمشق، وأن هناك جهودٌ للتعاقد على 6 آلاف قبر جديد، مبيناً وجود نحو 20 ألف قبر في المقبرة.
وتشتهر دمشق بمقابرها التاريخية، وتعد مقابر الشيخ رسلان وباب الصغير والدحداح من أكبر هذه المقابر وأكثرها في أعداد القبور، حيث تضم رفات العديد من الشخصيات التاريخية من صحابة الرسول محمد وقسمٍ من الخلفاء، خاصةً من بني أمية، والعديد من الشخصيات السورية البارزة عبر مختلف الحقب والأزمنة، وغيرهم الكثير من الشخصيات العربية التي عاشت ثم ماتت ودفنت في دمشق. لذلك يحرص الدمشقيون على دفن موتاهم في واحدةٍ من هذه المقابر أو أي من مقابر دمشق عامة. إلا أن السبب الحقيقي والغير معلن وراء هذا الحرص ليس راحة الأموات بل راحة الأحياء من ذويهم.
سألنا رجلاً من إحدى الأسر الدمشقية عن السبب الحقيقي، فقال: “الميت بعد ما يموت شو بيفرق معه وين اندفن؟ المشكلة مو بالميت، المشكلة بعيلته. نحن عنا عادات وتقاليد بزيارات القبور، خاصةً بالأعياد، لهيك العالم بتدور على قبر يكون بقلب الشام، منشان وقت الزيارة ما يتعذبو ويروحو على مكان بعيد، وفي منهن عالم منشان يتفاخروا أنه عندهن قبر بالمقبرة الفلانية، أما الميت متل ما قلتلك ما بتفرق معه”. ربما هذا هو السبب الحقيقي وراء رغبة الأهالي بدفن موتاهم في مقابر دمشق، لكن هذه الرغبة لم تعد مجانيةً أو بأسعارٍ رمزية كما كانت منذ سنوات طويلة، بل باتت اليوم تكلفهم ملايين الليرات، حتى وصل سعر القبر الواحد في دمشق نحو 17 مليون ليرة سورية.
ومع وجود 150 ألف قبر فقط في دمشق بحسب تصريح فراس ابراهيم، وهي بالكاد كانت تتسع لدفن موتى سكان العاصمة من الدمشقيين، لأن غالبية السكان من أهالي الريف وبقية المحافظات اعتادوا على نقل رفات موتاهم إلى مسقط رأسهم، حتى فاجأتهم الحرب مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 ونزوح الآلاف إلى العاصمة وسقوط الكثير من القتلى، تشكّلَ ضغطٌ على القدرة الاستيعابية لهذه المقابر من حيث المساحة والتنظيم. وزادت الأمور تعقيداً مع جائحة كورونا (كوفيد-19) التي رفعت بدورها أعداد الوفيات مع بقاء عدد القبور على حاله.
وحاول نظام الأسد إيجاد حلٍّ جزئي عام 2017 بقرارٍ أصدرته محافظة دمشق سمحت فيه ببناء قبورٍ طابقية، طابقين وحتى ثلاثة طوابق، رغم حالة الجدل التي أثارها هذا القرار بين المحافظة ودار الإفتاء بدمشق، حيث صرح مفتي دمشق عبد الفتاح البزم وقتها بعدم جواز بناء القبور الطابقية بدعوى أنها “تمثّل اعتداءً على حرمة الميت”، وذلك لعدم جواز فتح القبور “إلا لضرورةٍ شرعية”، معتبراً أن قرار محافظة دمشق “لا يعتبر من الضرورات الشرعية”. وجاء الرد من المحافظة بأن قرارها “شرعيٌّ لكونه يمثل حاجةً ضروريةً مع قلة عدد القبور وارتفاع أسعارها”.
وكما أن هناك تجاراً وسماسرة عقارات في سورية استفادوا من ظروف الحرب لكسب الأموال الطائلة بشتى الطرق، فإن هناك تجاراً وسماسرة للقبور أيضاً، وهؤلاء استغلوا حاجة الناس للقبور ولجأوا إلى الكثير من الوسائل غير القانونية لكسب المال. ويتّبع هؤلاء عدة طرق ملتوية، منها شراء القبور من أصحابها وبيعها لآخرين بمبالغ كبيرة، ويتم تسجيلها لدى مكتب دفن الموتى على أنها استضافة، وهو ما يسمح به القانون.
بينما يتم التنازل عنها في الخفاء بعد الحصول على حكمٍ قضائي. كما اعتمد هؤلاء السماسرة أسلوباً آخر، مستغلين حالة التهجير القسري أو الهجرة الجماعية للكثير من السوريين خارج البلاد، حيث هناك الكثير من العائلات فرّت بأكملها بحثاً عن الأمان، فيقومون بمراقبة القبور التي ينقطع الأهالي عن زيارتها لفترةٍ طويلة بالتعاون مع حراس المقابر وبعض الموظفين في مكتب دفن الموتى، فتتم إزالة الشواهد ورفات الموتى ويعاد بيعها لملاك جدد على أنها قبورٌ حُفرت في الوقت الحالي. حتى مكتب دفن الموتى نفسه يقوم في بعض الأحيان بمصادرة قبورٍ لبعض السوريين بحجة عدم امتلاكهم لوثائق كافية تثبت ملكيتهم للقبور، وذلك رغم امتلاك العائلة للقبر منذ سنوات طويلة. ويقوم المكتب ببيعها لآخرين بأسعار كبيرة تحت ذريعة أنه “أمّن لهم القبر بعد عناءٍ شديد”. واعترف مدير مكتب دفن الموتى بمصادرة أكثر من 500 قبر، وأن هذه القبور “ما زالت تخضع للدراسة لمعرفة أصحابها الحقيقين” على حد زعمه.
وبسبب ندرة القبور في مقابر دمشق واحتكارها من قبل بعض الأشخاص، فإن الحديث اليوم في دمشق عن وصول أسعار القبور لحد 15 أو 17 مليون ليرة سورية، يضاف إليها تكاليف أخرى مثل “الشاهدة” التي توضع على القبر، وهي قطعةٌ من الرخام توضع عند رأس الميت ويكتب عليها معلوماتٌ عن المتوفى (الاسم، وتاريخ الولادة، وتاريخ الوفاة). صناعة هذه الشواهد هي بحد ذاتها حرفة ومهنة يمتهنها بعض الأشخاص، ولها محلات فيها أدوات خاصة لصناعة شواهد بأشكال وأنواع متعددة. لكن حتى هذه المهنة باتت قريبةً من الانقراض نظراً لارتفاع تكاليفها، خاصةً للرخام، عطفاً على الارتفاع الحاصل في كل مناحي الحياة.
وقد باتت الشواهد تكلف مئات الألوف وهو ما يعجز عنه الكثير من السوريين، ما اضطرهم اتباعَ بعض الأساليب للتحايل على الأمر. يلجأ بعض الأهالي الذين يدفنون موتاهم في قبور خاصة بهم فوق متوفين لهم منذ مدة طويلة إلى إضافة الاسم الجديد على الشاهدة القديمة بالقلم بدلاً من صنع واحدةٍ جديدة، فيما يستعيض البعض الآخر بالسيراميك بدلاً عن الرخام لفرق السعر بينهما. ورغم ذلك ما زال هناك عدد من أصحاب الأموال يزينون قبور ذويهم بالرخام بأسعار قد تصل إلى نحو 10 ملايين ليرة، ومن صادف دخوله أو مروره من أمام إحدى المقابر المعروفة في دمشق، سيشاهد نماذج متعددة عن هذه القبور التي يظهر عليها البذخ بشكلٍ واضح.
يذكر أن كثيرين اشتكوا من تفشي ظاهرة سرقة شواهد القبور من قبل عناصر النظام في كثيرٍ من المناطق وبيعها كقطع رخام، ليس في دمشق وحدها، بل في معظم المحافظات السورية، خاصةً المناطق التي هُجِّر أهلها منها خلال سنوات الحرب. وقد خرج عددٌ كبيرٌ من مقابر هذه المناطق عن الخدمة، منها بفعل الحرب كما حدث في القابون والقدم وجوبر، ومنها بفعل المشاريع الاستثمارية التي يعتزم النظام القيام بها في عددٍ من المناطق، كما هو الحال في عربين وبرزة وكفرسوسة، حيث سيتم هدم العديد من المقابر كلياً أو جزئياً، وإرغام ذوي المتوفين على نقل الجثامين إلى مقابر أخرى، وإلزامهم بدفع تكاليف النقل التي قد تصل إلى أكثر من 150 ألف ليرة، والتي يتم دفعها من قبل ذوي المتوفى أثناء الحصول على موافقة النقل.
من لا يملك قبراً لعائلته ولا يملك المال لشراء قبرٍ من السماسرة سيجد نفسه مضطراً للبحث عن حلول بديلة، وهي إما شراء قبرٍ طابقي من عائلةٍ أخرى محتاجة للمال، أو التوجه إلى مقابر خارج دمشق في الريف القريب. وبات الكثير من سكان العاصمة يتوجهون إلى المقابر القريبة من دمشق، مثل التل ومعربا وجرمانا ومؤخراً عدرا، لكن المقبرة الأكثر شهرة خارج دمشق هي مقبرة نجها، نسبةً لبلدة نجها الواقعة جنوب دمشق بنحو 13 كيلومتراً في منطقةٍ قريبةٍ من منطقة السيدة زينب، وهي تتبع إدارياً لناحية ببيلا.
هذه المقبرة لها قصصٌ وحكاياتٌ كثيرة، حيث تم تأسيسها لتضم رفات الجنود السوريين الذين قتلوا في حرب 1973، وأصبحت جزءاً من احتفالات النظام السنوية بهذه الذكرى من زيارات ووضع الزهور على النصب التذكاري الضخم. قبل عام 2011 لم يعتد الدمشقيون دفن موتاهم فيها إلا ما ندر، ولكن منذ ذلك الوقت أصبحت وجهةً لهم بشكلٍ كبير، كخيارٍ بديلٍ رغم بعدها، نظراً لوجود المتسع ورخص تكاليف الدفن فيها. قبل أن تصبح الخيار الأول للنظام لدفن ضحايا فيروس كورونا منذ آذار (مارس) 2020، حيث تم تخصيص الجزء الأكبر منها لدفنهم. ويظهر أعداد القبور في مقبرة نجها، أو ما باتت تعرف باسم «المقبرة الجنوبية الجديدة»، أن العدد الحقيقي لضحايا كورونا أكبر بكثير مما أعلنه النظام.
وشهدت عمليات الدفن في مقبرة نجها تراجعاً منذ تشرين الثاني الماضي، بعد أن سمحت حكومة النظام بدفن وفيات فيروس كورونا في مقابر عائلاتهم ضمن مدينة دمشق، بعد أن كانت محصورةً في مقبرة نجها.
وعادت مقبرة نجها للواجهة من جديد بعد التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا في شهر آذار هذا العام. وتحدث التقرير عن وجود مقبرتين جماعيتين؛ واحدة في نجها والثانية في القطيفة بريف دمشق. كما ذكر التقرير أن النظام دفن في المقبرتين جثث آلاف السوريين خلال السنوات الماضية، ممن قتلوا تحت التعذيب في الأفرع الأمنية.
هناك ما بعد تأمين القبر
واهمٌ من يعتقد أن أعباء ذوي المتوفي قد انتهت بمجرد الحصول على قبر وإتمام مراسم الدفن، لأن هذه الإجراءات هي فقط النصف الأول من الحكاية، فيما يتمثل النصف الآخر بمراسم العزاء، وخاصةً صالات التعزية التي باتت أيضاً تشكل همّاً آخر بسبب ما وصلت إليه تكلفتها من أرقام خيالية.
نشرت جريدة الوطن الموالية تقريراً حول هذا الموضوع في شهر أيلول 2021، فندت فيه ارتفاع أجور صالات التعزية والخدمات المُقدّمة فيها. ووفق الصحيفة، فإن معظم صالات التعزية في دمشق تجاوز حجزها اليومي مليون ليرة سورية، بل إن بعضها وصل لمليون ونصف المليون في اليوم الواحد، متضمنةً كل مستلزمات الصالة. كما أن أقل تكلفة حجز صالة لفترتي تعزية صباحية ومسائية يبلغ نحو 600 ألف ليرة سورية يومياً، أي إنها تكلف ما يقارب مليوني ليرة لمدة ثلاثة أيام، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا السعر في بعض الأوقات لا يتضمن الضيافة من القهوة المرة وغيرها من الخدمات، بحسب الصحيفة التي «تساءلت عن الدور الرقابي الغائب لمؤسسات الدولة عن مثل هكذا أسعار».
وخلال حديثنا مع عادل، وهو من أهالي مدينة دمشق يعمل مدرساً، وتوفي والده في شهر رمضان الفائت وتم دفنه في مقبرة الدحداح في قبرٍ لعائلته، بينما أقيمت مراسم عزائه في صالة نقابة المحامين في منطقة السبع بحرات بدمشق، سألناه عن تكاليف حجز الصالة، فقال: «قمنا بحجز الصالة لمدة يومين فقط، ولساعتين في كل يوم، وذلك عن طريق أحد الأقرباء وهو محامي. ولأننا في شهر رمضان، لم يكن هناك تكاليف إضافية مثل القهوة المرة والليمون والزهورات، واقتصرت التكاليف على حجز الصالة مع تكاليف قارئ القرآن، فكانت نحو 400 ألف ليرة سورية».
ومن خلال مراجعةٍ سريعة قمنا بها، تبين أن معظم النقابات في مدينة دمشق تملك صالاتٍ خاصةً بها، وبعضها يملك أكثر من صالة (المحامين، الأطباء، المهندسين، الفنانين، المعلمين، العمال، وغير ذلك من النقابات). وأن أسعارها أقل بكثير من بقية الصالات الخاصة، إلا أن الحجز فيها ليس بتلك السهولة، فهو يحتاج إلى شخص نقابي، مع واسطة قوية لتجد حجزاً خلال الأيام التي ترغب بها، فيما يتم التحكم بعدد الأيام والتوقيت من قبل الصالة. عدا عن هذه الصالات النقابية، فإن هناك الكثير من الصالات الخاصة التي تتقاضى أجوراً عالية جداً، دون أي رقابة حكومية على الأسعار.
وتختلف أجور الصالات بحسب السعة من حيث عدد الكراسي، والمنطقة تبعاً لمكان وجود الصالة وقربها وبعدها عن الأحياء والمناطق الرئيسية في العاصمة. أما المستلزمات المطلوبة لاستقبال المعزين وتبعاتها، فتختلف من صالةٍ إلى أخرى، وتختلف من الصالة إلى المنزل حيث تؤجّر بعض المنازل الكبيرة للغرض نفسه.
ويشتكي أصحاب الصالات الخاصة بدورهم من ارتفاع تكاليف كل الخدمات، خاصةً مع الانقطاع الطويل للكهرباء، ما يعني الحاجة لمولدة كهرباء، وهذه أيضاً تكلف مبالغ طائلة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار مادتي البنزين والمازوت الذي تحتاجه المولدات الكهربائية في السوق السوداء. يضاف لذلك الحاجة لمادة الغاز من السوق السوداء لتحضير المشروبات الساخنة داخل الصالة. عدا عن أجرة القارئ، والتي باتت اليوم تصل لأكثر من 100 ألف ليرة سورية تقريباً. الارتفاع الأكبر أصاب المادة الأساسية في صالات العزاء، وهي القهوة، حيث ارتفعت أسعارها مؤخراً بشكلٍ كبير.
ويبدأ سعر الكيلو غرام الواحد من القهوة ذات الاستعمال اليومي، والتي تعرف بـ«القهوة الحلوة»، من 25 ألف ليرة سورية ليصل حتى 60 ألف في السوق المحلية، وهو ما انعكس أيضاً على سعر القهوة المرة المستخدمة في مراسم العزاء. ويعزو البعض سبب الارتفاع إلى غلاء القهوة عالمياً بنسبة 35 بالمئة، وليس فقط بسبب الظروف السورية المحلية، يضاف إليها ارتفاع تكاليف النقل ومصروفات الاستيراد والجمارك وغيرها، على اعتبار أن القهوة في سورية مستوردة كلياً من الخارج. كما ارتفع سعر مادة الهال الذي يضاف إلى القهوة، وخاصةً القهوة المرة، ليصل سعر الكيلوغرام إلى ما بين 50 و90 ألف ليرة سورية. يذكر أنه قبل نحو عامين فقط لم يكن سعر كيلو غرام القهوة يتجاوز 12 ألف ليرة سورية للنخب الأول، وباقي الأنواع كانت تباع بحدود 8 آلاف ليرة فقط.
ولا يزال الكثير من سكان المناطق الشعبية في دمشق ممن يعجزون عن دفع تكاليف الصالات بأسعارها المرتفعة ومستلزماتها، يقيمون مراسم العزاء في الطرقات والشوارع، فيستأجرون خيمة عزاء (شادر) مع بعض الكراسي، ويقدمون القهوة المرة للمعزين بأنفسهم، بينما يكتفي آخرون باستقبال المعزّين في بيوتهم أو على أسطح المنازل، لأنهم قلة أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف صالات التعزية بأسعارها الباهظة.
المصدر: الجمهورية نت