انتشرت في الأيام الأخيرة صور توثق تحويل مدينة الحجر الأسود المدمرة جنوبي دمشق إلى استوديو تصوير مفتوح، حيث يُصوَّر الفيلم الإماراتي الصيني Home Operation الذي يشرف على إنتاجه النجم الصيني العالمي، جاكي شان، ويقوده المخرج الصيني سونغ ينكسي، بالتعاون مع شركة الإنتاج الإماراتية Art Maker Production.
هذا الحدث “الفني” يعكس ما وصل إليه العالم من انحدار أخلاقي بالتعاطي مع مأساة الشعب السوري، ليبدو واضحاً أن بعض الأطراف الدولية، تتعامل مع ما جرى في سورية ببراغماتية، ولا تمانع الاستفادة من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه الذين حولوا مناطق شاسعة في سورية إلى استوديوهات سينمائية وتلفزيونية مفتوحة رخيصة التكلفة، على أنقاض حطام المباني السكنية ودماء المدنيين.
المدن السورية التي دمرها نظام الأسد وهجّر أهلها سبق واستُثمرت في عمليات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، في عدة تجارب سورية ولبنانية وإيرانية وروسية، منذ عام 2018. كانت البداية في الدراما التلفزيونية السورية، مع مسلسلي “روزنة” للمخرج عارف الطويل الذي صوّر على أنقاض مدينة حلب، و”فوضى” لسمير حسين الذي صوّر على أنقاض مدينة داريا في ريف دمشق. وواظبت الدراما المحلية على استثمار هذه المواقع سنوياً، لنجد آثار الدمار موجودة في غالبية المسلسلات الاجتماعية المعاصرة التي عُرضت هذه السنة، مثل “كسر عضم” و”مع وقف التنفيذ” و”شرف”.
وعلى الرغم من شح الإنتاجات السينمائية السورية في الفترة السابقة، فإن غالبيتها قد عمد إلى استغلال المدن المدمرة كقطع ديكور، ابتداءً من فيلم “مطر حمص” لجود سعيد.
أما الفيلم غير السوري الأول الذي صوّر على أنقاض المدن السورية المدمرة، فقد كان “بتوقيت الشام”، للمخرج الإيراني إبراهيم حاتمي كيا الذي صورّت أجزاء منه في مناطق مدمرة في ريف دمشق عام 2018 أيضاً، ليروي حكاية الحرب السورية بما يتوافق مع البروباغندا الإعلامية الإيرانية. وقد تلته العديد من الأفلام، أنتجتها الدول الحليفة للنظام السوري واتبعت النهج نفسه، أبرزها الفيلم الروسي “بالميرا” لأندريه كرافتشوك، وفيلم “رحلة الشام 2701” لإبراهيم حاتمي كيا.
وعام 2020، صور المخرج اللبناني أحمد غصين فيلم “جدار الصوت” على أنقاض مدينة القصير، ليستثمر حطام المدينة بحكاية لا تنتمي إليها، عن حرب تموز 2006 بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، ويفتح الباب على استثمار الدمار السوري باعتباره ديكوراً فقط، يمكن استغلاله في تصوير أعمال درامية لا تتحدث عن سورية وما حدث فيها.
وبالطريقة نفسها، يستخدم جاكي شان أنقاض مدينة الحجر الأسود في فيلم Home Operation الذي تدور أحداثه في اليمن عام 2015، حول عملية إجلاء لمواطنين صينيين وأجانب ودبلوماسيين، إذ يصوّر كيفية إجلاء الصين لأكثر من 600 مواطن صيني كانوا موجودين في اليمن، بالإضافة إلى أكثر من 200 مواطن من دول أخرى خلال بداية الحرب، بهدف تسليط الضوء على “التعاون الإنساني” بين الإمارات العربية المتحدة والصين الشريكتين في إنتاج الفيلم.
وهذا الجدل السياسي ليس جديداً على جاكي شان المولود في هونغ كونغ، إذ يؤيد الحكومة الصينية ويعارض التظاهرات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ.
الجدير بالذكر أيضاً أن صنّاع فيلم Home Operation استعانوا في التصوير بكومبارس من عناصر الجيش السوري الذين شاركوا بعتادهم ولباسهم العسكري، بحسب ما ذكر ناشطون من منطقة الحجر الأسود. بذلك، تكون اليد العاملة الرخيصة عاملاً إضافياً يشجع على الاستثمار الفني في سورية، إذ يبدو أن نظام الأسد الحاكم فيها، لم يعد يبالي سوى بجمع الأموال والاستفادة من المدن التي دمرها، فمحتوى فيلم Home Operation يوحي بأن النظام لم يعد يهتم بالعمل وأبعاده الإيديولوجية، وما إذا كان يتوافق مع البروباغندا الإعلامية للنظام السوري أو يتعارض معها، فالأمر الوحيد الذي بات يهم النظام السوري يتمثل باستثمار الإمكانات المتاحة، ليؤدي ذلك إلى تصدير نظام الأسد الدمار واستوديوهات الخراب إلى السينما العالمية التي قد تتمكن من استثمار القبح والموت في إنتاج عروض فنية جميلة ومتقنة، لكنها غير أخلاقية بالضرورة.
وجدير بالذكر أيضاً، أن مشروع استثمار المدن السورية المدمرة في الأعمال الفنية قد خُطّط له بالتزامن مع انتصارات الأسد العسكرية التي استعاد فيها المدن الخارجة عن سيطرته في منطقة ريف دمشق، إذ نُشر في إبريل/نيسان من عام 2018 مقال في صحيفة الأيام الموالية للنظام السوري، وعنوانه “دوما لوكيشن”، كان عبارة عن دعوة إلى تحويل المدن السورية المدمرة إلى مسرح حي في الهواء الطلق، وإلى استوديوهات تروي قصة الحرب في سورية، من وجهة النظر الرسمية، خصوصاً أنها رخيصة ولا تكلف ملايين الليرات مثل الاستوديوهات.
وفي المقال نفسه، ذُكرت الواقعية الإيطالية كمثال، لكن الفارق الأساسي، أن الواقعية الإيطالية قد تذهب إلى هذه المواقع إذا كانت تريد الحديث عن الضحايا وأصحاب البيوت المدمرة، وليس لتقديم رواية تخدم القاتل الذي استحوذ على البيوت بعد ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أو لتقديم دراما محايدة لا تبالي إطلاقاً بدلالات هذه الأماكن وذاكرتها.
المصدر: العربي الجديد