بحث
بحث
انترنت

شركات وكيلة ساعدت إيران بتجنب العقوبات

نشرت صحيفةوول ستريت جورنال تقريراً أشارت فيه للجهود الإيرانية التي اعتمدت فيها على النظام المصرفي الدولي لكي تحافظ على اقتصادها طافيا رغم العقوبات، مستندة على وثائق شركات وبيانات مصرفية وتصريحات دبلوماسيين غربيين ومسؤولين في الاستخبارات. 

وكشفت البيانات عن تقديم مصارف صينية وشرق أوسطية وغربية خدمات مالية للشركات النفطية والصناعية في محاولة إيران تحويل دفة رأس المال باتجاه اقتصادها المحاصر، وتحدي الضغوط الأمريكية الهادفة لفرض قيود مشددة على برامجها النووية.

وتقوم إيران عبر الشركات الوكيلة وشركات الصرف المالي الأجنبية والوسطاء بإدارة حسابات تسمح لها مجموعة بالتعاقد المالي بعشرات المليارات من الدولارات سنويا وشراء مواد وبضائع تعتبر ممنوعة بحسب العقوبات الأمريكية.

وأوضحت الصحيفة أن بنك “أتش أس بي سي بي أل سي” و”ستاندرد تشارتد بي أل س” اللذان يعدان أكبر بنكين في العالم من ناحية الأرصدة كانا من بين عدة مؤسسات قدمت خدمات للشركات التي قامت بمعاملات بالإنابة عن المصدرين الإيرانيين.

العقوبات المفروضة على إيران في عهد إدارة “دونالد ترامب”، تهدف في جزء منها لقطع إيران من احتياطي العملات الدولي الضروري لاستقرار الاقتصاد، إلا أن العقود التي تمت عبر البنوك الدولية منحت إيران صمام أمان حرج للتخفف من الضغوط المالية الأمريكية.

وأعاد ترامب فرض العقوبات وإضافة عقوبات أخرى ضمن استراتيجية “أقصى ضغط” على إيران عام 2018، وأبقت إدارة جوي بايدن على العقوبات أثناء المفاوضات، وزادت من الضغوط عندما فرضت عقوبات ضد شركات في الإمارات العربية المتحدة والصين التي ترى وزارة الخزانة أنها واجهات تجارية لشركة الطاقة العملاقة التي تملكها الدولة الإيرانية.

بحسب الوثائق ومسؤولين غربيين، فقد قامت شركات تبادل مالي تسيطر عليها إيران في الخارج بإنشاء شركات وكيلة وفتح حسابات لها. واستطاعت الشركات الإيرانية التي فرضت عليها عقوبات بيع النفط وبضائع أخرى لمشترين أجانب، عبر هذه الشبكة والحصول بالمقابل على عملة صعبة باليورو والدولار، فيما يعتمد المستوردون الإيرانيون على العملة الصعبة هذه لشراء البضائع التي يحتاجها البلد حتى يظل اقتصاده عائما. ويتم تسوية تعاملات العملة بين المصدرين والمستوردين من خلال غرفة مقاصة إلكترونية داخل المصرف المركزي الإيراني. 

وبيّنت الصحيفة أن الاستخبارات الغربية ليس لديها أدلة عن تواطؤ البنوك والسماح للتعاملات الإيرانية الممنوعة، بينما يرى مسؤولون بارزون في مجال الالتزام بالبنوك أن الشركات التي سجلتها إيران سرا في الخارج يمكنها أن تهرب من الضوابط التي يقصد منها العثور على غسل الأموال. 

وأشارت الصحيفة إلى أن قدرة إيران للتحايل على الحصار الغربي لنظامها المالي يظهر محدودية العقوبات المالية الدولية في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي استخدام اقتصادياتها العملاقة لمعاقبة روسيا على غزو أوكرانيا.

وراجعت صحيفة “وول ستريت جورنال” عقودا مالية لعدد من الشركات الإيرانية الوكيلة لديها 61 حسابا في 28 بنكا أجنبيا بالصين وهونغ كونغ وسنغافورة وتركيا والإمارات يصل حجمها إلى مئات المليارات من الدولارات.

 وأكّد مسؤولو الاستخبارات الغربيين إلى أدلة لعشرات المليارات من الدولارات المشابهة التي يتم التعامل بها سرا في النظام المالي العالمي، كما حذّروا في الفترة الماضية الإمارات وتركيا والصين بضرورة ملاحقة التعاملات المالية الإيرانية السرية، وإلا واجهت غرامات.

مسؤول التزام بالضوابط المالية بمصرف كبير قال إن إيران متقدمة في بنى التحايل على العقوبات، ولديها التكنولوجيا، المهارات، الناس ورعاية الدولة التي تقف خلف هذا، موضحاً أن نظام التهرب من العقوبات الإيراني تكون من مجموعة سياسات أعلن عنها في عام 2014، بناء على توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي وبهدف حماية الاقتصاد الإيراني ضد حملات الضغط الأجنبية. 

وتم خلق نظام مالي يعمل على استمرار التبادل التجاري الأجنبي مع النظام المالي الدولي حتى لو تعرضت القطاعات هذه للعقوبات، كجزء من “اقتصاد المقاومة” كما أطلق عليه، فيما أوضحت الصحيفة أن آلية اقتصاد المقاومة يشرف عليها الحرس الثوري والبنك المركزي ومؤسسات حكومية أخرى، وذلك بحسب مسؤولين إيرانيين بارزين ومواقع الحكومة على الإنترنت والمسؤولين الغربيين.

ورفض ممثل إيراني بالمفوضية الدائمة في الأمم المتحدة اتهامات تورط بلاده في عملية غسل الأموال لكنه قال: “عليك أن تتذكر أن إيران لديها كل الحق وبناء على القانون الدولي كسر العقوبات غير القانونية والظالمة ضدها وشعبها”.

ولفتت الصحيفة إلى أن بنك “أتش أس بي سي” لديه حساب في هونغ كونغ تابع لشركة اسمها سكوفيلد أتش كي ليمتد والمسجلة في هونغ كونغ عام 2019، وبحسب سجلات الشركة والسجلات المصرفية، فقد وافقت سكوفيلد عام 2020 على بيع 198 طنا متريا من البتروكيماويات التي تستخدم في تصنيع البلاستيك إلى مشتر هندي وافق على دفع 170.000 دولار في حساب “سكوفيلد بأتش أس بي سي”.

وفي فاتورة افتراضية راجعتها الصحيفة، وصدرت في التاريخ ذاته وتحمل رقم الفاتورة ذاتها ومعلومات المشتري ورمز المنتج والكمية والسعر المعروض وغير ذلك، كشفت أن البائع هو بيرسيان غالف بيتروكيمكال إندستري كوميرشيال كومباني.

 ووصفت وزارة الخزانة الأمريكية شركة بيرسيان غالف بيتروكيمكال بأنها أكبر شركة بتروكيماويات إيرانية، وفرضت عليها عقوبات؛ لدعمها المزعوم لمجموعة هندسية تابعة للحرس الثوري، فيما لعبت سكوفيلد دور الشركة الوكيلة، بحسب المسؤولين الغربيين، واحتفظت بحسابات في مصارف أخرى بمن فيها البنك الصناعي التجاري الصيني، ولم يرد هذا البنك على أسئلة الصحيفة. 

وفي الوقت ذاته، وحتى كانون الثاني 2021، احتفظ فرع ستاندرد تشارترد في هونغ كونغ حسابات باليورو والدولار لشركتين في هونغ كانتا مسؤولتين عن مصالح شركة الناقلات الإيرانية “ناشونال إيرانيان تانكر كو”، وهي شركة تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية التي تقوم بنقل المنتجات البترولية.

وقال المتحدث باسم ستاندرد تشارترد إنه لا يستطيع التعليق على عميل بعينه، لكن البنك ملتزم “بأعلى المعايير من الامتثال”. وقالت متحدثة باسم “أتش أس بي سي” إن البنك “ملتزم بمحاربة الجريمة المالية، ويمتثل بقوانين العقوبات المطالب بتطبيقها”. 

ومن البنوك التي تعاملت مع الشركات الإيرانية البنك التجاري في دبي وبنك أبو ظبي الإسلامي، حسب الوثائق ومسؤولين في الاستخبارات الغربيين. وفي بيان من بنك أبو ظبي الإسلامي، قال فيه إنه لا يعلق على عملاء بعينهم، لكنه قال: “يتعامل بنك أبو ظبي الإسلامي مع مواضيع الامتثال بجدية، ويعمل دون توقف للالتزام بها، بما في ذلك القيام بعملية فحص دقيقة عند فتح أي حساب”.

وأغلق البنك حسابا في عام 2020 لشركة يشك بأنها تتعامل مع الشركة الوطنية الإيرانية للبتروكيماويات، حسب شخص على معرفة بالأمر. أما بنك دبي التجاري، فلم يرد على طلب التعليق. 

وقالت الصحيفة إن النظام السري للشركات الوكيلة التي تقوم بتعاملات تجارية ممنوعة خارج إيران، أعطى طهران القدرة للحفاظ على عمل الاقتصاد، موضحة أنه من المتوقع أن تصل قيمة التجارة الدولية لهذا العام إلى 220 مليار دولار، حسب صندوق النقد الدولي، مع أن معظم التبادل محظور ضمن إطار العقوبات، وهو ما دفع المسؤولين الغربيين الحاليين والسابقين للقول إن نظام الامتثال المصرفي يصب في منع الجزء الأكبر من النشاطات الإيرانية.

ورغم معالجة بعض البنوك حسابات لعملاء محتملين وتفحص أكثر من مليار تعاقد مالي في الشهر، إلا أن الشركات العمالة نيابة عن إيران تفتح حسابات متعددة بمؤسسات مالية، وتحتاج عملية الكشف عنها أو إبلاغ سلطات فرض العقوبات لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر إلى عام.