صوت العاصمة – خاص
تشهد مدينة التل في ريف دمشق صراعاً مستمراً بين ميليشيات النظام الموالية لبسط السيطرة على المدينة منذ خروج فصائل المعارضة منها أواخر عام 2016.
ميليشيا درع القلمون، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، الأمن السياسي، وميليشيات أخرى آخرها “لواء القدس” الذي بدأ بتطويع شبان من المدينة مؤخراً، يتناحرون لفرض السيطرة على المدينة بكل مفاصلها عبر عمليات التطويع والتغرير بالشبان تارة، وافتتاح مكاتب ونقاط عسكرية في عمق المدينة تارة أخرى.
وتخضع مدينة التل منذ خروج فصائل المُعارضة منها نحو شمال سوريا لسيطرة ميليشيا “درع القلمون” التابعة عسكرياً للفرقة الثالثة بالقطيفة في القلمون الشرقي، فيما تبسط قوى الأمن السياسي سيطرتها الأمنية على المدينة، بمؤازرات من الأمن الجنائي في بعض الأحيان، فيما تُشكل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والمخابرات الجوية، مجموعات مُسلحة قوامها أبناء التل ومحيطها، من المدنيين المتطوعين، والمقاتلين سابقاً في صفوف فصائل المُعارضة قبيل انسحابها نحو مدينة ادلب.
ويترأس ميليشيا “درع القلمون” المدعو “أبو زيدون شمّو” أحد أبناء المدينة الذين عملوا على تشكيل ميليشيا تابعة لدرع القلمون في التل وتطويع المئات من ابنائها وحمايتهم وتقديم الأموال لهم.
وخلال فترة سيطرة “درع القلمون” التابعة للفرقة الثالثة في بلدة القطيفة، كانت الميليشيات الأخرى من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وأخرى تابعة للمخابرات الجوية تحاول أن تتمدد في المدينة عبر إنشاء نقاط عسكرية وإغراء العناصر من أجل ترك درع القلمون والتطوع معهم، لكن قائد درع القلمون “شمّو” ذهب لاعتقال وتعذيب وإخفاء كل من يحاول الانشقاق عنه والذهاب إلى الميليشيات الأخرى، مع ترهيب بقية الميليشيات وتهديد قادتها بالتصفية في حال التغرير بعناصر درع القلمون مُجدداً.
في مطلع 2018، خرجت مجموعات من ميليشيا “درع القلمون” من أبناء التل والقلمون الشرقي على رأسها “ابو زيدون شمّو” باتجاه مدينة حرستا بريف دمشق، وذلك بعد تقدم لفصائل المعارضة وفرض السيطرة على مساحات كبيرة من إدارة المركبات العسكرية، وتضييق الخناق على قرابة 300 عنصر كانوا مُحاصرين داخل أحد مباني الإدارة، حيث أُوكل لدرع القلمون مهمة فك الحصار عنهم بمؤازرة ميليشيات أخرى أبرزها الحرس الجمهوري.
وشهدت أرض المعركة حينها عمليات هروب لعناصر درع القلمون، ووقوع آخرين بكمين لفصائل المُعارضة أدى لسقوط قطاعات كاملة في محيط إدارة المركبات، وانسحاب ميليشيات النظام منها، وبدأت حملات التخوين من قبل الحرس الجمهوري، الذي ينافس درع القلمون على حكم التل في محاولات لإبعاد تلك الميليشيا عن طريقهم، وهو ما حصل فعلاً، فقد تم اعتقال قائد الميليشيا العام، والمسؤول عن كافة قطاعات درع القلمون، وإخراج كافة عناصر الدرع باتجاه التل ومناطق القلمون الشرقي.
اعتقال “فراس جزعة” وتحويله للتحقيق بتهمة التعامل مع المُسلحين والانسحاب من نقاط الاشتباك، كان بداية انهيار مستعمرة درع القلمون في كافة مناطق القلمون الشرقي والغربي، وانحسار تواجدهم في المدن والقرى وإبعادهم عن كافة الجبهات القتالية، وبالتالي غياب المكافئات والسلطة والقوة عن عناصر الميليشيا.
في مطلع نيسان 2018، أبلغ الجانب الروسي الذي بات يُسيطر على الفرقة الثالثة، الداعم العسكري واللوجستي لدرع القلمون، قيادة الميليشيا بضرورة حلّها خلال ثلاثة أشهر والتحاق كافة العناصر المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية ضمن الميليشيا في صفوف الفرقة الثالثة مُباشرة، وتطوع المدنيين منهم رسمياً في صفوف جيش النظام أو عودته إلى حياته المدنية وإنهاء عقده مع تلك الميليشيات.
قطاع برزة التابع لدرع القلمون، والذي يقوده القيادي السابق في اللواء الأول “معاوية البقاعي” الملقّب بأبو بحر، من المفترض أن يلتحق في صفوف الأمن العسكري مُباشرة تنفيذاً لقرار حل الميليشيا، وليس لقيادة الفرقة الثالثة، نظراً لكون قطاعه أقرب للعاصمة دمشق من القلمون الشرقية، وبسبب العلاقات القوية التي باتت تربط أبو بحر بقيادات النظام وضباط الأمن العسكري.
ومع صدور قرار حل درع القلمون بشكل غير رسمي، ذهب قادة القطاعات والمجموعات لمؤازرة جيش النظام بشكل فردي وبدون طلب رسمي في محاولة لكسب ود الميليشيات الأخرى تجنباً للنقل إلى الفرقة الثالثة حيث الوجود الروسي، والذي يعني وقف كامل للتسلط والعمل المافيوي والسرقة وفرض الأتاوات، فتم إرسال مجموعات مقاتلة من التل وبرزة وبلدات القلمون الشرقي باتجاه حي القدم بعد هجوم تنظيم داعش وفرض سيطرته على الحي في آذار من العام الجاري، وبعد مشاركة دامت لأيام تم إبعاد درع القلمون من جديد عن المعركة بشكل كامل وانحسار تواجده ضمن القرى والبلدات العامل فيها.
غياب القوة العسكرية لدرع القلمون عن مدينة التل، وسع من سيطرة جهاز الأمن السياسي في مخابرات النظام، ونشطت دورياته في المدينة ليلاً نهاراً بحثاً عن مطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية، خاصة بعد انسحاب عناصر من درع القلمون إثر انقطاع الرواتب والدعم المادي لعدة أشهر، وسط محاولات من الأمن السياسي لتوسيع رقعة السيطرة في التل عبر تكثيف الدوريات والحواجز العسكرية والاعتقالات العشوائية بحق الشبان ومداهمة الأحياء السكنية والتجارية، وسط توارد أنباء عن تسليم التل رسمياً للأمن السياسي بدون أي سلطة أخرى في المدينة.
ويسعى الحرس الجمهوري حالياً لافتتاح مكتب رسمي في التل، ونقل انتشاره من منطقة وادي موسى وحي حرنة الشرقية إلى داخل المدينة، وسط عرقلة من الأمن السياسي تطورت إلى شكوى رسمية تقدمت إلى قيادة الحرس الجمهوري قبل أيام لوقف التمدد الحاصل لعناصرهم في مدينة التل.
ووسط الصراع الحاصل على السلطة في التل، تستمر عمليات الخطف المتبادل والسرقة بين الميليشيات والهجمات الانتقامية التي غالباً ما يتخللها إطلاق نار واشتباك بالأسلحة الخفيفة، وسط غياب تام لأي سلطة واضحة توقف هذه الميليشيات عن الانتهاكات التي ترتكب في المدينة والتعرض للمدنيين وإقحام المناطق السكنية في اشتباكاتهم المُسلحة.
ويتخوف الأهالي، بحسب مصادر صوت العاصمة، من تمدد جديد للواء القدس الفلسطيني، والذي بدأ بتطويع عشرات الشبان من أبناء التل وأبناء الغوطة الشرقية المُقيمين في التل، فضلاً عن أولئك الذين فضلوا البقاء في الغوطة على الخروج إلى الشمال السوري، حيث أن عدد المتطوعين ضمن لواء القدس في الغوطة قارب 400 عنصر حتى الآن تم تزويدهم بسلاح خفيف وسيارات تحمل راياتهم، يتجولون في التل يومياً في محاولة لكسب الحاضنة الشعبية والتمدد إلى المدينة.