بحث
بحث
أوتوستراد العدوي في دمشق ـ صوت العاصمة

الموافقة الأمنية.. تعقيد للإجراءات وسلب للحريات

“الموافقات الأمنية همّشت دور المحاكم والقضاء”

إجراء فرضته حكومة النظام على الأهالي مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 تحت مسمى “الموافقة الأمنية”، وبدأت بتطويره وتعقيده تباعاً على مدار السنوات العشر الماضية، بما يقتضي مع مصلحتها في “سلب الحريات”.

لم تكن الموافقات الأمنية هاجساً للسوريين في بلاد اللجوء فقط، بل أنها حرمت آلاف الشبان من أبناء العاصمة دمشق وريفها القاطنين في الداخل السوري من معظم حقوقهم المدنية، ووقفت حائلاً بين الشبان وتسيير أبسط الإجراءات القانونية والمعاملات الروتينية في مختلف المؤسسات الحكومية.

“لا حكم عليه” وملف أمني “أسود”
فُرضت الموافقة الأمنية على السوريين بموجب قرار أصدرته رئاسة مجلس الوزراء في الثامن من حزيران 2011، حمل رقم 1355، وحدّدت فيه الحالات أو المعاملات التي تستوجب استصدار موافقة أمنية لإتمامها، وأتبعته بالكتاب رقم 4554 في الرابع من آب 2015، وأضافت فيه معاملات “بيع العقارات ونقل ملكية المحال التجارية والمنازل في المنطقة المنظمة وغير المنظمة على قرارها السابق القاضي بفرض استصدار الموافقة الأمنية.

وأصدرت وزارة الإدارة المحلية في حكومة النظام، تعميماً سرياً في الثاني عشر من آب 2015، اشترطت فيه حصول المواطنين على موافقة أمنية لإتمام أي عملية عقارية، تبعه قرار وزارة العدل رقم 689 لعام 2017، الذي اشترطت فيه أيضاً، حصول الراغبين في إتمام عمليات التوكيل الداخلية والخارجية على الموافقة الأمنية، ثم أصدرت تعميماً في أيار 2018، فرضت فيه الموافقة الأمنية في حالات الاشتراك بالمزادات العلنية للبائع والمشتري، بما يشمل العقارات. 

عجز “مالك” وهو شاب ثلاثيني مهجر من الغوطة الشرقية ويقطن في منطقة الدويلعة، عن الحصول على أي ورقة أو وثيقة رسمية رغم المحاولات المتكررة منذ عام 2013، بسبب فشله بالحصول على الموافقة الأمنية المفروضة.

يقول مالك إنه حاول سابقاً استصدار شهاد سوق للعمل كسائق سيارة أجرة “تكسي” في دمشق، بعد تدمير منزله وورشته في مدينة عربين، إلا أنه فشل في ذلك، كون معظم الملفات الحكومية، تفرض وثيقة “لا حكم عليه” التي يصعب استصدارها لأصحاب الملفات الأمنية السابقة.

وأضاف مالك أنه حاول إزالة المعوقات التي تمنعه من الحصول على هذه الوثيقة، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل أيضاً، كونه اعتُقل عام 2012 بتهمة التظاهر، مشيراً إلى أن العاملين على استصدارها وصفوا ملفه الأمني بـ “الأسود”.

وتابع مالك: “فكرت بالسفر خارج البلاد بطريقة شرعية بعد فشلي بالحصول على عمل هنا، لكني فشلت أيضاً في الحصول على جواز سفر للسبب ذاته، رغم دفع مبالغ مالية طائلة”.

مالك ليس الوحيد الذي حُرم من الحصول على وثائق رسمية جراء فرض الموافقات الأمنية، فهناك الآلاف من الشبان حُرموا منها أيضاً، جراء اتهامهم بالتظاهر ضد النظام، أو المشاركة في كتابة العبارات المناهضة، أو كتابة منشورات معارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سابقاً.

الموافقة الأمنية ونقل الملكية:
واجه الشاب الأربعيني “يحيى” المنحدر من مدينة دمشق، عرقلة أثناء عملية نقل ملكية عقارية في محل تجاري ورثه عن والده عام 2015، بسبب فرض “موافقة أمنية” لإتمام العملية، وتوقفت عملية نقل الملكية له ولأخوته بعد فشلها بالحصول عليها.

يقول يحيى أن فرع التحقيق في الفيحاء أرسل برقية استدعاء له قبل إتمام العملية بعدة أشهر، دون معرفة سبب الاستدعاء أو التهمة الموجهة له.

شخص آخر اشترى سيارة عام 2013، وأثناء عملية نقل الملكية، اكتشف وجود حجز احتياطي لصالح أحد الأفرع الأمنية على أملاك البائع، ولم تكتمل عملية الفراغ بسبب هروب البائع خارج سوريا، فلم يجد وسيلة لنقل ملكيتها سوى الحكم القضائي “دون تنفيذ”.

إجراء مُخالف لمبادئ فصل السلطات!
قال أحد الحقوقيين في مدينة دمشق لـ “صوت العاصمة” إن فرض الموافقة الأمنية تتعارض مع مبادئ فصل السلطات في سوريا، وتختلف مع تطبيق القانون في عدة نقاط، لافتاً إلى أن الموافقات الأمنية شملت جميع التهم والقضايا المفتعلة قبل إصدار قرار فرضها.

وأضاف الحقوقي أن قرار الموافقات الأمنية لم يستثني أي مفصل حكومي بل كان شاملاً لأي تحرك يخص الحياة المدنية وهو ما يخالف تعليمات الدستور القديم والجديد، حيث تضمنت إحدى مواد حق التملك والتنقل واستصدار الوثائق الرسمية لأي سوري.

وبحسب الحقوقي فإن الإجراء المفروض همّش دور المحاكم والقضاء، معتبراً أن تطبيق القانون هو الأساس، خاصة بعد انتهاء العمليات العسكرية والتظاهر، واندثار التهم الموجهة لتلك الفئة من السوريين.

آلاف الشبان حُرموا من أبسط حقوقهم المدنية، ووقفوا عاجزين أمام الدوائر الحكومية في سوريا، منتظرين حلاً يتيح لهم إمكانية الحصول على وثيقة رسمية، بينهم أشخاص مطلوبين إثر تقديم تقارير “كيدية” بحقهم، وآخرين شاركوا في المظاهرات قبل عشر سنوات، ومنهم من تخلف عن الالتحاق في صفوف جيش النظام لأداء الخدمة العسكرية، إلى جانب المطلوبين للأفرع الأمنية.

المصدر: صوت العاصمة
الكاتب: فريق التحرير