شنّت فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، ليل الأحد/الإثنين، هجوماً معاكساً باتجاه النقاط التي سيطرت عليها مليشيات النظام مؤخراً، وتمكن “جيش الإسلام” بمشاركة من “فيلق الرحمن”، وعناصر من “هيئة تحرير الشام”، من استعادة ما يقارب 600 متر، انطلاقاً من بساتين الأشعري وصولاً إلى بساتين منطقة العب، بحسب ما قال مصدر عسكري لـ”المدن”، صباح الإثنين.
ويأتي هجوم الفصائل بعد تقدم كبير لقوات النظام والمليشيات الرديفة وسيطرتها على بلدات أوتايا وحوش الضواهرة والنشابية، وأجزاء ومن بلدة بيت نايم، والتقدم على محاور بلدتي الريحان والشيفونية، في نيّة لفصل الغوطة الشرقية إلى قسمين؛ شمالي يضم حرستا ودوما ومسرابا، وجنوبي يضم مدن وبلدات القطاع الأوسط، بحيث يُفتح طريق من مزارع العب والأشعري باتجاه “إدارة المركبات” العسكرية في حرستا.
التنسيق بين الفصائل، وبحسب ما قاله مصدر عسكري لـ”المدن”، جاء بعد الشعور بخطورة الوضع الحالي في الغوطة الشرقية واقتراب النظام من إنجاز عملية الفصل، بعدما تبقى له ما يُقارب 5 كيلومترات فقط، على إنجاز تلك المهمة.
مصادر “المدن”، أكدت إخلاء “جيش الإسلام” لسجونه في محيط مدينة دوما، مساء الأحد، وإجراء عملية تبادل أسرى مع “هيئة تحرير الشام” بشكل سري، وبوساطة من “أحرار الشام” و”فيلق الرحمن”، ليكون بعدها الطرفان في خندق واحد لصد الهجمة العسكرية التي يشنها النظام بمشاركة الروس والإيرانيين.
ومن المتوقع أن تدخل اليوم قافلة مساعدات مقدمة من الأمم المتحدة، وتمديد “الهدنة” المفترضة التي أعلنتها روسيا يومياً بين التاسعة صباحاً والثانية ظهراً، والتي لم تُطبّق بشكل فعلي حتى الآن. مصادر “المدن” في دمشق أكدت موافقة رئيس “الأمن القومي” علي مملوك، مساء الأحد، على إدخال القوافل إلى الغوطة الشرقية، والتي من المفترض أنها تحمل مساعدات لـ180 ألف شخص، بحسب تصريحات سابقة للأمم المتحدة. مصادر “المدن” أشارت إلى قيام مليشيات النظام في معبر مخيم الوافدين بتفريغ الشحنات الإغاثية من جميع المواد الطبية والإسعافية.
وشهدت مسرابا وبيت سوى، عمليات نزوح لآلاف المدنيين بعد وصول المعارك إلى بساتين المنطقتين، وتمشيطها من قبل المليشيات المتقدمة بالرشاشات الثقيلة والرصاص المتفجر الذي طال منازل المدنيين. وتحدثت مصادر إعلامية عن مفاوضات يرعاها التاجر المقرب من النظام والفصائل معاً محي الدين المنفوش، تاجر الحرب وعرّاب الطريق التجاري إلى الغوطة، حول آلية لتحييد بلدة مسرابا عن المعارك، وتجنيبها القصف من قبل قوات النظام، رغم التصعيد المستمر منذ أكثر من اسبوعين على البلدة. مصادر “المدن” أكدت وجود خلافات ضمن أهالي مسرابا، نتيجة تلك المفاوضات، بين رافض ومؤيد لها، فضلاً عن رغبة المنفوش بتحييد أملاكه ومصانعه ومستودعاته ومزارعه عن معركة قريبة.
وقالت مصادر مقربة من النظام، لـ”المدن”، إن النظام يجهز لعمل بري انطلاقاً من “إدارة المركبات” العسكرية في مدينة حرستا بقصد السيطرة على بلدة مديرا، التي شهدت قصفاً كثيفاً خلال الفترة الماضية، ما تسبب بتدمير أجزاء كبيرة منها، بهدف الالتقاء مع القوات المتقدمة من جهة بساتين الأشعري والعب، لتكون العملية العسكرية ضد فصائل المعارضة من الطرفين. وهو أمر أكدته الصفحة غير الرسمية لـ”مركز المصالحة في قاعدة حميميم” الروسية، صباح الأثنين. ومن المفترض أن يبدأ النظام العمل العسكري انطلاقاً من “إدارة المركبات” بعد إدخال القوافل الإنسانية، والانتهاء من الضغط المُمارس عليه من قبل الأمم المتحدة.
وتشهد المناطق الشرقية من الغوطة، تزامناً مع المعارك الجارية، تحشيدات عسكرية روسية ضخمة، تضم مئات العناصر من الجيش الروسي والشرطة العسكرية، دخلت السبت عن طريق مطار دمشق الدولي باتجاه قرى المرج وتمركزت فيها. وبحسب مصادر “المدن” فإن تلك القوات لم تدخل لمهام قتالية، وإنما الانتشار بعد انتهاء النظام من فصل الغوطة الشرقية إلى جزئين، إن تمكن من ذلك.
وجاء دخول القوافل التي تضم قوات روسية تزامناً مع تمركز أكثر من 10 سيارات مصفحة روسية، وبحضور ضباط روس برتب عالية وضباط سوريين في محيط مطار مرج السلطان، من دون وجود قوات مشاة أو عناصر من المليشيات. ومهمة تلك المجموعة مراقبة المعركة، وهي مزودة بأجهزة استطلاع ورصد وتجسس، وعلى تواصل مباشر مع إدارة الأركان في دمشق الخاضعة لسيطرة الروس، بالإضافة إلى قاعدة حميميم العسكرية الروسية.
معركة الغوطة الشرقية الجارية تحمل سيناريوهات متعددة، في حال نجح النظام وحلفاؤه من تنفيذ الخُطط المقررة على الأرض. مصدر عسكري رفيع المستوى ومقرب من الجانب الروسي، قال إن انتقال المعارك إلى الأحياء السكنية التي تضم مئات آلاف المدنيين ليس بالأمر السهل تنفيذه، وسيحمل خسائر كبيرة للنظام والمعارضة معاً، فضلاً عن الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، وهو الذي سيضع الروس والنظام في موقف صعب أمام بقية الدول.
ورجح المصدر أنه في حال تمت السيطرة وفصل الغوطة، أن تجري عملية إخلاء لأعداد محدودة من السكان إلى الشمال السوري، بحيث تضم الراغبين بالخروج والمرضى والجرحى، وتوقيع “هدنة” برعاية دولية لإبقاء المنطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة، كلٌ منها في منطقة سيطرتها. وهكذا تبقى دوما تحت سيطرة “جيش الإسلام”، وحرستا تحت سيطرة “أحرار الشام”، والقطاع الأوسط لـ”فيلق الرحمن”، مقابل إخراج “هيئة تحرير الشام” بشكل كامل من الغوطة الشرقية، مع نشر قوات روسية لمراقبة “الهدنة” في نقاط الفصل بين قسمي الغوطة ومحيطها، وفتح معبرين تجاريين، سيكون أحدهما حتماً من مخيم الوافدين.
ويستمر النظام بزج عشرات العناصر على جبهتي جوبر وعين ترما، من مليشيات محلية وأخرى عراقية، بالإضافة إلى تجهيز قوات في محيط المليحة تحضيراً لمعركة ستكون الثانية وتهدف إلى اجتياح حي جوبر ووادي عين ترما والبساتين المحاذية لبلدتي جسرين وكفربطنا.
وتسببت الحملة العسكرية الأخيرة على الغوطة الشرقية بمقتل أكثر من 600 شخص خلال أقل من اسبوعين نتيجة القصف الجوي بأسراب من الطائرات الحربية والمروحية، فضلاً عن القصف المستمر براجمات الصواريخ وسلاح المدفعية الثقيل.
المصدر: جريدة المدن الالكترونية.