مع ساعات الصباح الأولى، وحتى فترة الظهيرة، وعلى طول الطريق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة دمشق، يتجمّع قاطنو مدينة التل في ريف دمشق بشكل يومياً، بما فيهم من طلاب وموظفين وآخرين من العاملين في منشآت دمشق التجارية، ينتظرون وسيلة نقل تقلهم إلى وجهتهم، في ظل أزمة مواصلات خلقها إضراب سائقي وسائط النقل العامة “السرافيس” عن العمل منذ قرابة الأسبوعين.
باتت حركة المواصلات في مدينة التل أشبه بحالة “الشلل التام”، جراء الإضراب الذي لا يزال مستمراً منذ أكثر من خمسة وعشرين يوماً، رفض خلالها سائقو السرافيس التراجع عن قرارهم ما لم تتم الاستجابة لمطالبهم المتمثلة برفع تعرفة الركوب، مستندين في مطالبهم إلى ارتفاع أسعار المحروقات في السوق “السوداء”، وغيابها عن محطات الوقود التي توزع المحروقات ضمن مخصصات “البطاقة الذكية”.
عريضة مطالب، وتهديد حكومي:
“لم نُطالب بشيء فوق طاقة أحد، كل ما نطالب به أن نعمل بأقل خسائر ممكنة”، كلمات برّر بها “أبو فيصل” سائق أحد السرافيس في مدينة التل إضرابه عن العمل منذ عشرة أيام.
يقول أبو فيصل (مستعار): “مخصصاتنا اليومية تُقدر بـ 30 ليتر من المازوت، وهي كمية لا تكفي للعمل أكثر من أربع ساعات يومياً، فضلاً عن ساعات الانتظار التي قد تتجاوز الخمس ساعات في طابور محطات الوقود للحصول على تلك الكمية”.
ويُتابع أبو فيصل في حديثه لـ “صوت العاصمة”: “لا يمكننا شراء مادة المازوت من السوق السوداء لمتابعة عملنا، فسعر الليتر الواحد وصل إلى 1200 ليرة سورية، والمازوت “غير المدعوم” في محطات الوقود بلغ سعره 800 ليرة سورية لليتر الواحد، لكنها غير متوفر بشكل مستمر، وتعرفة الركوب منخفضة جداً، لا تمكننا من شراء المازوت بهذه الأسعار”، مضيفاً: “صار الشغل خسارة بخسارة”.
ويُضيف أبو فيصل: “بعد صدور تعرفة الركوب الجديدة قبل أيام، اعترض جميع سائقو السرافيس في مدينة التل على التعرفة المخصصة لهم، وقررنا الإضراب عن العمل، بعد تقديم عريضة تتضمن الموافقة على رفع تعرفة الركوب من 100 ليرة إلى 300 ليرة سورية للراكب”، واصفاً تعرفة الركوب الحالية بـ “الظالمة”.
وبحسب أبو فيصل فإن رئيس المجلس البلدي أبلغ السائقين برفض مطالبهم المدرجة في العريضة المقدمة، مهدداً بسحب التراخيص التي تُتيح للسائقين المضربين العمل على خط “التل- دمشق”، ما لم يتم إنهاء الإضراب على الفور.
تقلّص عدد السرافيس العاملة.. ما علاقة المدارس؟
أحد أبناء مدينة التل يُدعى حسام (34 عاماً- مستعار) أرجع سبب أزمة المواصلات في المدينة إلى تقلص عدد وسائط النقل العاملة على خط التل- دمشق، نتيجة تعاقد عدد كبير من أصحاب السرافيس مع المدارس الخاصة للعمل فيها بعقود سنوية، لاسيما أن أوقات نقل الطلاب تتقاطع مع أوقات دوام الموظفين والعمال، مشيراً إلى أن عائداتها المالية الشهرية أكبر من عائدات العمل على الخط المُقرر.
وتابع حسام: “توزعت سرافيس مدينة التل على العديد من المدارس الخاصة في دمشق وريفها، فمرآب مدرسة منارات الشام الخاصة يضم 20 سرفيس من العاملين على خط التل- دمشق”، مضيفاً: “السائقون يمتنعون عن العمل بعد الانتهاء من نقل الطلاب إلى منازلهم بعد الظهيرة”.
وأشار حسام إلى أن بعض أصحاب السرافيس المتعاقدين مع المدارس، يعملون على بيع مخصصاتهم اليومية لتجار المحروقات بالسوق السوداء بمبالغ مرتفعة، كون إدارات المدارس متكفلة بتأمين مادة المازوت للسرافيس المتعاقدة معهم.
الأزمة تطال الطلاب، والـ “سوزوكي” حلاً بديلاً!
رغم توجّه العشرات من أصحاب السرافيس للتعاقد مع المدارس والطلاب، لم يسلم الطلاب من أزمة المواصلات التي طرأت على المدينة، فارتفاع الاشتراكات الشهرية خلقت مشكلة جديدة للطلاب، وأجبرت معظمهم على إلغاء ذلك الاشتراك.
محمد العمر، أحد طلاب جامعة دمشق من قاطني مدينة التل قال لـ “صوت العاصمة” إن أزمة المحروقات السائدة رفعت الاشتراك الشهري مع السرافيس بنسبة 100% تقريباً، ما دفعه وأصدقاؤه لإلغاء الاشتراك، واعتماد السرافيس العامة كوسيلة للوصول إلى جامعتهم.
يقول محمد: “تعاقدت وأصدقائي من قاطني المدينة مع أحد أصحاب السرافيس لنقلنا من وإلى الجامعة يومياً باشتراك شهري قُدّر بـ 7 آلاف ليرة سورية، إلا أن ارتفاع أسعار المحروقات، وتوجّه السائقين لشراء المازوت “الحر” رفع قيمة الاشتراك إلى 15 ألف ليرة سورية شهرياً”.
ويتابع العمر: “قبل الإضراب كنت انتقل من التل إلى المزة بسرفيس واحد، وبتعرفة ركوب 100 ليرة سورية، إلا أن الحال لم يعد كما هو بعد الإضراب، فاليوم يتوجب علي التنقل بين أكثر من سرفيس للوصول إلى الجامعة، وأصبح المبلغ المتوجب عليّ دفعه يزيد عن 600 ليرة سورية ذهاباً وإياباً”، مضيفاً: “غالباً ما نعتمد طريقة “التعلّق” خلف سيارات “السوزوكي” التي تسير نحو وجهتنا لتوفير الأجور المترتبة”.
وعن آلية العودة مساءً، يوضح محمد: “بعد انتهاء الدوام الجامعي، يتوجب علينا التوجه نحو كراج العباسيين للعثور على أحد سرافيس “التل”، والانتظار لمدة تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات يومياً للعثور على مقعد فارغ”.
“في معظم الأحيان يفشل الطلاب بالعثور على مقعد في السرافيس المتوجهة نحو المدينة، فيتوجب عليهم طلب سيارة أجرة “تكسي” بأجر يتجاوز الـ 8 آلاف ليرة سورية لمن لديه القدرة على الدفع، أو البحث عن قريب للمبيت عنده في دمشق لليوم التالي للأخرين”، يختم محمد.
لم تكن مدينة التل الأولى في ريف دمشق التي تشهد إضراباً لسائقي وسائط النقل العامة “السرافيس” عن العمل، فالغوطة الشرقية بمختلف مدنها وبلداتها شهدت إضراباً مماثلاً نهاية تشرين الثاني الفائت، احتجاجاً على قرار وزارة التجارية الداخلية وحماية المستهلك التي رفعت بموجبهأسعار المحروقات في زيادة هي الثانية من نوعها خلال تشرين الأول 2020.
المصدر: صوت العاصمة
الكاتب: فريق التحرير