جميع التقارير الصادرة عن وسائل إعلام موالية للنظام، تتحدث عن عامر خيتي، الذي طالته العقوبات الأمريكية الأخيرة، بأنه رجل أعمال محدث، أو ينطبق عليه وصف تاجر الحرب، الذي لم يكن قبل العام 2010 يملك شيئاً، ثم فجأة انكشف عن ثروة طائلة في السنوات الثلاث الأخيرة، وشركات في كافة الاختصاصات، تقدر قيمتها بعشرات مليارات الليرات السورية، والتي أوصلته إلى مجلس الشعب في الدور التشريعي الأخير، خلال انتخابات العام الحالي.
وتشير تلك التقارير، إلى أن عامر خيتي، الذي ينحدر من مدينة دوما، مواليد 1980، كان قد غادر سوريا إلى مصر في بداية الأحداث، ومكث فيها أربع سنوات قبل أن يعود في العام 2018، على إثر تصفية نشاط المعارضة في ريف دمشق الشرقي وترحيلها إلى إدلب، والتي كان من بينها أغلب أفراد عائلة خيتي، حيث يقول موالون للنظام إن أخاه عبد الرحمن، كان أمين سر لدى جيش الإسلام، كما أن لديه أخ آخر يعمل في تجارة المخدرات.
وما لفتنا في هذه السيرة التي تملأ صفحات الموالين للنظام، أنه كان هناك حملة إعلامية كبيرة تم شنها على عامر خيتي لدى ترشحه لانتخابات مجلس الشعب، منتصف العام الحالي، بالإضافة إلى ترشحه لانتخابات غرفة تجارة ريف دمشق، لكنها لم تستطع أن تمنع فوزه في هذه الانتخابات، كما أن النظام لم يلق بالاً لهذه الحملة، واستمر بدعم خيتي، ومساعدته على تطوير مشاريعه وشركاته.
وعلى جانب المعارضة، لم تكن تختلف المعلومات التي تتحدث عن عامر خيتي وقصة نشأته المالية، بل إن البعض أكد بأن أخيه عبد الرحمن كان مقرباً جداً من زهران علوش، قائد جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، وبأن أغلب أفراد عائلة خيتي، هم من المعارضين الأشداء للنظام، وقد اختاروا الهجرة إلى إدلب والعيش في المخيمات، على البقاء تحت سلطته.
إذاً، نحن أمام تساؤلات ملحة: من يكون عامر خيتي هذا..؟ وما حقيقة المعلومات السابقة عنه..؟
وما هي مصادر الأموال التي بحوزته .؟ والأهم من كل ذلك، كيف استطاعت العقوبات الأمريكية أن تراه بكل هذا الوضوح، وتؤكد تعامله ودعمه لنظام الأسد، رغم أنه عائد إلى سوريا منذ نحو سنتين فقط..؟!
حاولنا تتبع حركة عامر خيتي خلال تواجده في مصر في الفترة من عام 2014 وحتى العام 2018، إلا أننا لم نقع على أي نشاطات تجارية أو صناعية قام بها هناك، كما أن الكثيرين ممن يعرفونه قبل هذا التاريخ، أكدوا لنا بأنه كان شخصاً معدماً، أو لم يكن معروفاً عنه وعن أسرته، أنهم من ذوي الثروات.
وأكد لنا البعض، بأنه يحمل الجنسية السودانية، وقد اشتراها من “حر ماله”، في إطار الإجراءات التي قام بها الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، والتي سمحت لمن يدفع مبلغاً من المال، أن يحصل على جنسية بلاده.. ولم يكن المبلغ المطلوب لهذه الجنسية كبيراً، إذ كان بإمكان أي شخص ميسور أن يدفعه ويحصل عليها.
وفي العموم لا يوجد أي معلومات عن عامر خيتي، إلا انطلاقاً من 2019، أي بعد عودته إلى سوريا، والبدء بتأسيس الشركات، الواحدة تلو الأخرى، والتي وصل عددها إلى نحو عشر شركات، أغلبها تختص في مشاريع الإعمار.
هذه الفجوة في قصة صعود عامر خيتي السريع، التي أوصلته إلى حد تعيينه عضواً في مجلس الشعب عن ريف دمشق، رغم كل الاعتراضات، دفعت الكثيرين لملئها بالعديد من القصص والحكايا، التي تتحدث عن علاقة خيتي بماهر الأسد ومدير مكتبه غسان بلال، وبأنه ليس أكثر من واجهة مالية لهما، وأنه على أرض الواقع، لا يزال لا يملك شيئاً.
والبعض الآخر تحدث عن أن عامر خيتي، إنما يتاجر بأموال جيش الإسلام الطائلة، التي تلاشت في معظمها بين ليلة وضحاها، وقد تركها له أخوته وعائلته، الذين غادروا إلى إدلب، ريثما تصبح شفيعاً لهم، عندما يقررون العودة إلى مدينتهم دوما.
وهناك من تحدث عن تجارة محرمة يقوم بها خيتي، وهي شراء أملاك المهجرين من أهالي دوما بأثمان بخسة، مستغلاً عوزهم وحاجتهم، لصالح الإيرانيين، وهو ما ساهم بقصة صعوده السريع لكي يكون من أبرز المقربين من نظام الأسد، وأحد أدواته الفاعلة في الغوطة الشرقية اليوم.
في الحقيقة، كل هذه الأفكار، لم نجد لها سنداً ومصدراً، يؤكدها أو ينفيها، حتى لدى تواصلنا مع أفراد من أبناء دوما المهجرين في إدلب وتركيا، والذين كانوا مقربين من قيادة جيش الإسلام.. وكل ما استطعنا الحصول عليه، هو تأكيد من قبل طبيب كان يعمل في أحد المشافي الميدانية في الغوطة الشرقية، بأن عامر كان مغضوباً عليه من قبل عائلته، وأنهم كانوا يصفونه بالخائن لأهله والعميل للنظام، كونه منذ البداية اتخذ موقفاً معارضاً للثورة، وعلى إثره قرر مغادرة البلد.
بكل الأحوال، ننتظر من أصحاب المعرفة بهذا الشخص، أن يزودونا بمعلومات تفصيلية عنه وعن أسرته، وبالذات فيما يتعلق بالجانب المادي، ونأمل أن يتم ذلك عبر التعليقات المصاحبة لنشر هذا المقال، إذ أنه من الضروري أن يكون هناك توثيق دقيق لهؤلاء الذي أثروا فجأة على حساب الشعب السوري، سواء من الموالين للنظام أو من المعارضة، وذلك من أجل محاسبتهم داخلياً، عندما يزول هذا النظام ويتلاشى.
وأخيراً، سوف ننتقل إلى الجانب الآخر، وهو العقوبات الأمريكية، التي طالت عامر خيتي بالاسم وجميع شركاته، وجاء في تبرير تلك العقوبات، بأنه سعى خلال الفترة الماضية لدعم نظام الأسد، ومساعدته لممارسة البطش بشعبه.
وأبرز الشركات التي يملكها خيتي، أو يملك حصة فيها أكثر من النصف، والتي تم معاقبتها، هي:
“مجموعة خيتي” البالغ رأسمالها مليار ليرة سورية، و”شركة العامر للتطوير والاستثمار العقاري”، و”شركة أرض الخير”، و”شركة الليث الذهبي لخدمات النقل والشحن”، و”شركة العامر لصناعة المجبول البيتوني والبلوك والبلاط” و”شركة العامر لصناعة البلاستيك”، و”شركة الصقر للحوالات المالية”.. وجميع هذه الشركات يرأس مجلس إدارتها، الأمر الذي دفع صحيفة “صاحبة الجلالة” الموالية، للتساؤل: كيف لشخص لوحده أن يدير كل هذه الشركات، ومن ثم عليه حضور الجلسات في مجلس الشعب وغرفة تجارة ريف دمشق، دون أن يؤثر ذلك على واجباته في العمل العام..؟
كما شككت الصحيفة بمصدر أمواله، وطالبت الجهات المعنية، أن تسأله من أين لك هذا يا عامر..؟
إلا أن الصحيفة عادت واعترفت، بعد فوزه في انتخابات مجلس الشعب، بأن التساؤل عن مصدر أموال عامر خيتي، على ما يبدو أنها من المحرمات، وذلك على خلفية استدعاء صحفية موالية، تهجمت عليه، والتحقيق معها في الأمن الجنائي بتهمة القدح والذم.
وهذا ما يشير بوضوح، إلى أن عامر خيتي، ليس تاجر حرب موالٍ للنظام فحسب، وإنما من عظام رقبة النظام..!
المصدر: اقتصاد