صوت العاصمة – خاص
عندما نسمع باسم “معضمية الشام” لا يخطر في بالنا سوى الحصار والجوع والبراميل والمعارك الطاحنة التي جرت على أرض مدينة طيلة سنوات ماضية، ومن ثم تهجير طال أهلها نحو الشمال السوري، وغاب اسمها بشكل نهائي عن الإعلام فور خروج آخر الحافلات من أرض المعضمية ووصوله إلى مدينة ادلب، فكيف هو حال تلك المدينة اليوم ؟؟
بعد سيطرة النظام السوري على المدينة أواخر عام 2016، فتح معبر وحيد باتجاه العاصمة دمشق أمام حركة الأهالي، وسيّرت المواصلات العامة نحو دمشق وبالعكس، وسمح بإدخال المواد الغذائية والتجارية ومواد البناء وكافة مستلزمات الحياة، وبدأ بتجهيز المدارس من جديد وتهيئة البنى التحتية وصيانة شبكات الكهرباء والهاتف والانترنت بميزانيات كبيرة، ونسّق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للدخول الدوري وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، فضلاً عن إقامة مستوصفات وافتتاح البلدية وشعبة التجنيد من جديد.
وخلافاً لكافة المناطق التي أُجريت فيها تسويات ومصالحات، معضمية الشام كان لها وضع خاص بالنسبة للنظام، فلا اعتقالات ولا مداهمات، ولا تجنيد إجباري حتى اللحظة من داخل المدينة، ولا مضايقات على الحواجز العسكرية، يريدها النظام نموذجاً جيداّ عن مفهوم المصالحة الوطنية الذي يروج له. الأمر الذي جعلها مقصداً للمُهجرين من المناطق الساخنة، خاصة من أبناء المنطقة الشرقية الذين فروا من الحرب بين تنظيم داعش والنظام السوري وميليشيا قوات سوريا الديموقراطية.
آخر الاحصائيات التي وردت لـ “صوت العاصمة” من مصادر مطلعة في المدينة، تقول أن عدد سكانها ارتفع إلى 80 ألف نسمة بعد أن كان 40 ألف فقط فور خروج الفصائل انتهاء الحصار، آلاف الناس عادت إلى منازلها، وآخرين استطاعوا ترميم ما هُدم من محالهم التجارية وبيوتهم والاستقرار بها من جديد، في حين فضل الكثير من المُغتبرين والمهجرين عن المدينة تأجير منازلهم، بأسعار زهيدة مقارنة بالعاصمة دمشق وريفها القريب والتي قد تصل إيجارات المنازل فيها إلى اكثر من 100 ألف ليرة شهرياً. ويتوقع المصدر أن يصل عدد سكان المدينة حتى مطلع 2018 إلى 100 ألف نسمة.
ولا يحتاج السكن في معضمية الشام أكثر من زيارة البلدية وتقديم الأوراق اللازمة من عقد الإيجار واثبات الشخصية للحصول على ورقة تعريف يستطيع الغريب عن المدينة استخدامها على الحواجز العسكرية المُحيطة بالمدينة، وهي أوامر من مكتب أمن الفرقة الرابعة، المسؤول الفعلي عن ملف معضمية الشام لتجنب حدوث مشاكل مع الغُرباء عن المنطقة، وسهولة الإحصاء ومعرفة القاطنيين في المدينة.
يقول “ابو خالد” أحد المهجرين من محافظة دير الزور بعد شهرين ونصف من السكن في جرمانا بإيجار وصل إلى 60 ألف شهرياً، وتضييق كبير من قبل مخابرات النظام واللجان الشعبية الموجودة في المدينة، لأننا بنظرهم حاضنة شعبية لتنظيم “داعش” عَلمتُ من أحد الأصدقاء أن معضمية الشام تفتح أبوابها لأمثالنا، فذهبت قاصداً منزلاً للإيجار وبعد يومين استطعت الحصول على منزل بإيجار 15 ليرة فقط، وقُمت بإجراء ورقة التعريف الخاصة بعائلتنا لسهولة المرور عبر الحواجز، وسجّلنا اسماء أفراد العائلة لدى الأمم المتحدة والمنظمات للحصول على مساعدات شهرية، ونقلنا مدارس الإطفال إلى داخل معضمية الشام، ونحن اليوم في أفضل حال بعيداً عن التعقيدات الأمنية الموجودة في العاصمة.
أما “أم توفيق” المهجّرة من الرقة، فعانت الأمرّين للحصول على موافقة أمنية للسكن في دمشق، ولكن تم رفضها أكثر من خمسة مرات بسبب انتماء أحد أفراد عائلتها لتنظيم داعش والإشارة الأمنية الموجودة بحقه لدى النظام السوري، فخرجت وأطفالها الثلاثة نحو معضمية الشام تنتظر اكتمال “لم الشمل” من قِبل زوجها في دول اللجوء الأوربية، واستطاعت بسهولة الحصول على منزل بسعر مقبول، بحسب ما قالت لــ “صوت العاصمة”.
ولم يقتصر وجود الغُرباء عن معضمية الشام على أبناء المنطقة الشرقية، بل شهدت المدينة موجة نزوح كبيرة من أهالي منطقة “اللوان” في مدينة دمشق، والتي من المفترض أن يتم هدمها على غرار ما جرى في بساتين المزة لبناء أبراج بموجب المرسوم 66 الصادر عن النظام السوري. حيث أن النظام بدأ بإخلاء المنطقة لهدم المنازل فيها، مع إعطاء بعض العوائل بدل إيجار شهري لتدبير أمورهم.
ويُعتبر عرّاب مصالحة معضمية الشام هو العميد “غسان بلال” مدير مكتب أمن الفرقة الرابعة، والمسؤول الفعلي عن ملف معضمية الشام، وقد قام بإنشاء ميليشيات محلية من عناصر الفرقة وعدد من أبناء المدينة من أجل حمايتها وإنشاء حواجز على مداخلها. بحيث لا يُسمح لأي دورية أمنية أو عسكرية دخول المدينة واعتقال أي شخص تحت أي ظرف كان. وحتى إن تم اعقتال أحد أبناء المدينة على حواجز محيط معضمية الشام خارج حدودها، أو أثناء تواجده في دمشق، فيعمل “بلال” على إخراجه في أسرع وقت. كما أن المدينة لم تشهد حتى اليوم، خلافاً لجميع مناطق المصالحات، أي عمليات دهم وتعبئة للخدمتين الإلزامية والاحتياطية، كما أمر “بلال” بحماية الطلاب ريثما يتم تسوية أوضاعهم مع تسهيل حصولهم على تأجيل دراسي بوقت قياسي والمساهمة بإعادتهم إلى الجامعات ومقاعد الدراسة. وتقول المصادر أن عملية إعادة إعمار قريبة ستشهدها المدينة لتعود إلى ما كانت عليه قبل سنوات الثورة.
المؤكد أن النظام لم ينسى ما فعلته “معضمية الشام” خلال السنوات الماضية، حيث تصدرت المدينة الحراك الثوري لأشهر طويلة، وخاضت معارك ضارية أودت بحياة المئات من جيش النظام وميليشياته، وكانت عبئ صعب على أقوى الفرق العسكرية، حتى تم استهدافها بالسلاح الكيماوي وفرض حصار خانق عليها. والغريب أن قاتل شبان المدينة ومُشرّد أهلها “غسان بلال” يقوم اليوم بتقديمها على أنها أنجح نموذج في ريف دمشق لــ “المصالحة الوطنية” والتسوية الشاملة. يبدو أن الأوامر جاءت فعلاً لتقديم المدينة نموذجاً لهذا الأمر، خاصة مع تشريح أربع شخصيات من المعروفين فيها لحضور مؤتمر سوتشي الذي تقيمه روسيا لحوار (سوري – سوري)