يعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقطعه الدعائي الجديد، نهاية الحرب في سوريا، أو هذا ما يروج له. فمشيه سيراً على الأقدام وسط دمشق، ليس مجرد رغبة في ادعاء التواضع أو تقليد لطف السياسيين في الدول الاسكندنافية أو كندا مثلاً، حيث يظهر المسؤولون هناك متنقلين على الدراجات الهوائية وفي عربات الميترو، بل يعكس رغبة واضحة في ترويج الأمن “الجديد” إثر انتصارات النظام الأخيرة، والذي يسمح للأسد بالظهور علناً بهذا القدر من الارتياح، أمام الكاميرا على الأقل.
الحديث هنا عن مقطع الفيديو والصور التي عرضتها صفحة “رئاسة الجمهورية السورية” في “فايسبوك”، الخميس، وتناقلتها الصفحات والمواقع الإلكترونية الموالية للنظام والحليفة له، بما في ذلك قناة “روسيا اليوم”، خلال زيارته لمهرجان التسوق المحلي “صنع في سوريا” في حي المزة الدمشقي، وهو يقبّل الأطفال ويعانق السيدات ويبتسم ويضحك ويتناول الطعام ببراءة لا تمت بصلة لأدائه الدموي المعروف طوال السنوات الست الماضية.
ورغم ظهور الأسد في عدد من المناسبات السابقة، بصورة “مدنية”، كزيارته إلى مدينة صيدنايا العام الماضي، إلا أن تلك الزيارات بقيت ذات طابع رسمي إلى حد ما، بعكس المقطع الجديد الذي يدعي العفوية، بداية من سير الأسد على قدميه في شارع شبه خال من المارة، وثيابه الكاجوال وابتسامته، وصولاً إلى التقاطه صور “سيلفي” مع الناس الذين أحاطوا به فجأة من العدم في نهاية الفيديو، وكل ذلك يذكر إلى حد كبير بالمقاطع الدعائية التي لعب الأسد بطولتها إثر وصوله للسلطة العام 2000، والتي كانت بتنسيق مع شركات علاقات عامة غربية مثل شركة “براون لويد جيمس” الأميركية، كحضوره بعض المسرحيات في دار الأوبرا أو تجوله بسيارته في دمشق القديمة.
بهذه النوستالجيا يحاول الأسد العودة بالزمن إلى حقبة ما قبل الحرب، لتصبح سنوات الحرب الماضية فترة يجب تناسيها، وعدم البناء عليها أو حتى الالتفات إلى عواقبها. فالمقطع بكل وضوح يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى فترة ما قبل المطالبة بالديموقراطية والحرية عندما كان الشعار الوحيد في البلاد هو “الأسد للأبد”، وهو ما يحاول النظام في خطابه الرسمي خلال السنوات الأخيرة، ترويجه كهدف نهائي يتمثل في “استعادة السيطرة على كامل التراب السوري”، مهما بدا ذلك الطرح بعيداً من الواقعية في ظل واقع التقسيم الحتمي للبلاد المشتتة حتى ضمن مناطق سيطرة النظام الحالية، علماً أن النظام هنا يتجاهل، واقع انتشار الميليشيات التي تقاسم الأسد على السلطة التي لن تكون لها صفة مطلقة لأي أحد في سوريا المستقبلية حتماً.
والحال أن الأسد يحرص في كل عام على تقديم تمثيليات درامية من هذا النوع، ليس لأن رمضان هو شهر التخمة الدرامية فقط، بل للاستفادة من جوه الديني المحافظ والروحاني لتوجيه خطابه إلى السوريين السنّة تحديداً من الموالين له، غير أن مقاطعه الرمضانية السابقة كانت بعيدة من المدنية بإظهارها الأسد في زياراته للجنود على الجبهات في محيط دمشق، ومنها مقطعه البارز العام الماضي في منطقة مرج السلطان حيث تناول “الإفطار” مع الجنود “ببساطة” قبل العودة إلى قصره.
ما أسهم في هذه النقلة في طبيعة البروباغندا الرسمية، هو الحرية التي بات يمتلكها الأسد في التنقل داخل دمشق من دون قلق، بعد تأمين محيط العاصمة وتفريغها من القوات المعارضة والمدنيين المعارضين على حد سواء، وتحديداً في جوبر والزبداني وداريا والقابون وبرزة خلال العام الماضي، وبالتالي باتت دمشق مدينة خالية من مظاهر الحرب، علماً أنها عاشت في ظل الحرب تقنياً بالمقارنة مع مدن أخرى في البلاد كحلب أو إدلب أو درعا أو الرقة.
ولكي يكتمل المشهد السابق، تم الاعتماد على تصوير المقطع بكاميرا هاتف محمول من مسافة بعيدة، وكأن المقطع يتلصص عليه ولا يجري بالتنسيق معه، ويبدو الأسد هنا كأحد مشاهير هوليوود الذين يتربص بهم مصورو الباباراتزي في الأماكن العامة، لكن هذا اللعب على صناعة العفوية لا يكتمل تماماً مع نشر “رئاسة الجمهورية” مجموعة من الصور فائقة الجودة لتوزيعها على الصفحات الرسمية والإعلام الموالي، في تكريس فج للرسمية، كأي فيديو آخر يحتفل به الأسد بانتصاراته الأخيرة.
Posted by رئاسة الجمهورية العربية السورية on Tuesday, April 16, 2013
ولم يتم اعتماد صورة “سيلفي” التقطها الأسد ووزعت بشكل غير رسمي في الصفحات الموالية من دون تبنيها مباشرة من طرف “رئاسة الجمهورية”، بل فضلت تلك الأخيرة نشر صور للأسد خلال التقاط المدنيين للصور معه، مكرسة مفهوم العين الثالثة الخفية “المخابراتية” التي كانت تراقبه وتحرص على سلامته وعلى إظهار “شعبيته”، عبر تصويره برزانة كي لا تتأثر بقايا “هيبته الرئاسية” إن زادت نسبة “العفوية” عن الحد المسموح به.
ولا بد من القول أن الحديث عن مصطلحات جوفاء مثل الهيبة الرئاسية والفرح بالنصر يبدو مثيراً للسخرية ومؤلماً، أمام واقع البلاد الممزق، وعدم انتهاء الحرب تقنياً مع تعدد الجهات الفاعلة دولياً في المعارك الحالية من جهة، وأمام كم الموت والخراب الذي نشرته سياسات الأسد المتشبث بالسلطة منذ العام 2011 من جهة ثانية.