صوت العاصمة – خاص
أفرزت الحرب واقعاً جديداً باتت بموجبه زيارة أي مطعم في العاصمة ترفاً ومسألة كمالية لا يقدر السواد الأعظم على مجاراتها، فتحولت هذه الأماكن إلى محطة اجتماعية واقتصادية أبطالها رجال الأعمال والتجار.
كالصاعقة وقعت فاتورة الغداء في أحد مطاعم دمشق على “فادي” فالطبيب الذي قرر تناول وجبة من الدجاج لم يكن يتخيل أن يقترب الرقم الذي سيدفعه من خمسة الأف ليرة لقاء صنف وحيد تم طلبه، يتدارك الطبيب الجراح الأمر سريعاً فيما كان النادل يتوجه إلى طاولة أخرى ستزيد فاتورة الغداء فيها عن الرقم السابق بصفر إضافي دون أن يرف للزبون أو عامل المطعم أي جفن، يقول الأخير: أن خمسين الف ليرة سورية ( مئة دولار) رقم يتكرر يومياً ويزيد ليقترب من مئة الف في بعض سهرات العشاء ودعوات أعياد الميلاد ونادراً ما يمكن إيجاد طاولة فارغة في الليالي خاصة نهاية الأسبوع .
بدورها انتظرت “ديانا” طويلاً قبل أن تُفاجأ بفاتورة وجبتين من “البيتزا” اقتربت من سبعة الأف ليرة دون أجور التوصيل، لم تترد الجامعية في الاتصال بالمطعم الذي رد ببرود وفق قولها إن السعر عال بسبب استيراد الجبن من إيطاليا واستقدام مكونات مميزة للنكهة التي لا تشبه الوجبة الطلياني الشهيرة بل تبدو أقرب لمكون آخر لا علاقة له بالبيتزا.
بجولة سريعة على المطاعم في مختلف مناطق العاصمة، يبدو ارتفاع الأسعار مسألة محسومة تبدأ من الوجبات السريعة وأماكن في حارات شعبية وتصل إلى مطاعم مصنفة بخمس نجوم لاسيما في أحياء “المزة – كفروسة- المالكي – أبو رمانة” وبالطبع لن تشذ دمشق القديمة عن القاعدة فيما بدا لافتاً توجه جزء كبير من أصحاب المنشآت فيها لتحويلها لمقاهي تقترب من نموذج شارع الحمرا البيروتي بحيث تقدم المشروبات مع وجبات خفيفة لا اكثر. بعض الوجبات تبدو ذات سعر موحد في اغلب الأماكن وبعضها الأخر يتفاوت تبعاً للمطعم وموقعه وشعبيته ولكن القاسم المشترك هو صعوبة الحجز ما يعني أقبالا شديداً على الرغم من التكاليف العالية وهو امر يبدأ من المدينة القديمة ويمتد إلى الربوة. فيما على الضفة المقابلة تبدو مسألة طلب وجبات منها حلماً قاسياً على كثير من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود كما يعلق “مصطفى” فالممرض الذي يلتزم بعمل ليلي بات يفضل تحضير وجباته بنفسه في المنزل بدلاً من طلب (سندويشة) يقترب سعرها من الف ليرة هذا إن لم يكن أكثر بحسب تعبيره
على أن قضية السعر العالي تعتبر ثانوية أمام ظاهرة أخرى باتت تشهدها تلك المنشآت تتعلق بهوية زوارها وما يجري على طاولاتها المخصصة أصلا للطعام، يشير “كمال” العامل في مطعم في حي “المزة” إلى وجود أشخاص يرتادون مكان عمله بشكل يومي البعض منهم لمجرد اللقاء والدردشة بحكم المكانة الاجتماعية والبعض الأخر هم رجال أعمال وتجار ومسؤولون في السياسة والأمن والعسكرة. يحسب طالب قسم الرياضيات العدد ويعطي نسبة مئوية لهؤلاء تقترب من أربعين بالمئة يحضرون يومياً حتى أن طاولات أو زوايا معينة باتت محجوزة لهم ولضيوفهم ويتم الدفع بشكل مسبق حتى أن لم يحضر صاحب الحجز وفق قوله. ويفسر الشاب الظاهرة لكون اغلب الشركات التجارية ومنازل رجال الأعمال قد انتقلت إلى الحي المرفه ما يعني أن لقاءتهم هي أقرب لغداء عمل وبالطبع يدرك أصحاب المطاعم هذا الأمر فتصبح الوجبات ذات قيمة ومحتوى اعلى وسعر أكبر بكثير من المتوقع لن يلتفت له الزبون مادام همه الأساسي عقد صفقة بالملايين وأحيانا بالمليارات كما يعلق.