بحث
بحث
حاجز أمن عسكري في مساكن برزة ـ حاميش ـ صوت العاصمة

الوضع الأمني في دمشق.. مخالفة مرورية كفيلة بإدخالك السجن

توقيف المواطن حتى يدفع المخالفة

“والله نسيت إدفعهم”، عبارة رددها فارس مرات ومرات أثناء نقله من سيارته “مكلّبش” اليدين، إلى سيارة الأمن الجنائي في حاجز “طيار” أُقيم بأحد أحياء العاصمة دمشق، بعد أن “اكتشف” عناصر الدورية أنّ عليه مخالفات مرورية “قديمة”، لم تُدفع.

“الخوف من الاعتقال لم يغادرني طوال أعوام، خاصة عند مروري بحواجز الأمن، الطيارة منها على وجه الخصوص” يقول فارس، ويضيف: “خلال السنوات الماضية رسمت العديد من السيناريوهات لاعتقالي، والتهم التي قد توجّه لي، ورغم كل ذلك، لم أتخيّل يوماً أن أُوقَف لأنني تأخرت في سداد مخالفة، لم أُنذر عليها حتى”.

إيقاف “المتأخرين” عن دفع “الفواتير الخدمية” أو “المخالفات المرورية”، لإجبارهم على التسديد، هي “صيحة” جديدة سُجّلت بعض حالاتها مؤخراً في العاصمة دمشق، متجاوزة جميع القوانين والإجراءات “الروتينية”، تزامناً مع موجة جديدة من ملاحقة المتخلفين عن الخدمتين “الإلزامية والاحتياطية” في صفوف قوات الأسد.

هل يوجد مسوغ “قانوني” لإيقاف “فارس” وأمثاله؟. ما دلالات هذا الإجراء؟. أيضاً، أين تركّزت حملات الاعتقال الأخيرة بحق “المتخلفين” عن أداء “الخدمة العسكرية”؟. اسئلة سنحاول الإجابة عنها في سياق هذا التقرير.

مخالفة مرور!
فارس، هو اسم مستعار لشاب في العقد الثالث، اكتفى بوصف نفسه بالـ “تاجر”، خوفاً من أن يتسبب أي تفصيل إضافي بكشف هويته، واعتقاله بتهمة “أكبر”، فلم يمضِ على خروجه من “النظارة” سوى بضعة أيام.

يصف فارس، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، اللحظات الأولى لتوقيفه بـ “الصادمة”، يقول: “أوقفني حاجز في أحد شوارع دمشق – فضّل عدم تحديده – وكالعادة، أخذ هويتي وذهب لسيارة مجاورة لإجراء الفيش الأمني، إلا أن الفترة التي استغرقها لم تكن كالمعتاد”.

وتابع: “عاد العنصر بعد عشر دقائق، وطلب مني الترجّل من السيارة، إلّا أنني، وفي لحظةِ هربٍ من الخوف الذي ينتابني أمام عناصر الأمن سألته، لماذا؟، ماذا فعلت؟، ليرد عليي بعبارة، شغلتك بسيطة، عليك مخالفة مرور بتدفعها وبتطلع”.

“مخالفة مرور!”، قالها فارس خلال مكالمتنا معه محاولاً تقليد ردة فعله حين فاجأه العنصر بـ “التهمة”، فإجابة الأخير، وكشفه عن “التهمة”، هي سابقة لم يعتد السوريون عليها، يضيف: “العام الماضي سُجّل بحقي عدد من المخالفات المرورية، وبسبب انشغالي، لم أدفعهم، كما أنّي تأخرت هذا العام عن موعد المعاينة السنوي، لكن على حد علمي، لم يسبق أن اعتُقل أحد بتهمة تراكم المخالفات أو التأخّر في معاينة سيارته، وهذا ما صدمني”.

بعد أخذ ورد، سيق فارس إلى إحدى السيارات “مكلبش” اليدين، وهو يردد عبارة “والله نسيت إدفعهم”، يقول: “طلبت من عنصر الأمن إعطائي حتى صباح اليوم التالي لدفع مايترتب عليّ، لكنه رفض، معتبراً أن ذلك ليس من صلاحياته”.

بات فارس ليلته الأولى في إحدى زنزانات فرع الأمن الجنائي في باب مصلى، ولم يُسمح له بإعلام ذويه، وتوجيههم إلى وجوب دفع المخالفات المتراكمة عليه، فقضيته، حسب وصفه، تُحلّ بسداد المستحقات، ولا شيء غير ذلك.

في اليوم التالي سُمح له بمكالمة واحدة، بغرض إعلام أحد أفراد عائلته بدفع “المستحقات”، واستخراج “براءة ذمّة”، والاحتفاظ بها إلى حين مخابرتهم مرة أخرى لمراجعة المحكمة، دون الإشارة إلى مكانه الحالي، وفق قوله: “وهو ما حدث، دفع أخي مبلغ 150 ألفاً، ما بين المخالفات والضرائب المترتبة عليها، وبعض الرشاوى هنا وهناك للحصول على براءة الذمة”.

انتظر فارس بعدها 4 أيام، ليُحوّل في اليوم الخامس إلى المحكمة، ويُعرض على القاضي الذي اطّلع على براءة الذمة، وأفرج عنه مباشرة، وكأن الأمر روتيني، “وهو ليس كذلك”، يضيف: “حتى الآن لم أفهم ما قانونية توقيفي، وما علاقة الأمن الجنائي بهذه القضية التي لا تُصنّف تحت أي من بنود الجرائم أو الجنايات”.

يتابع: “بالرغم مما وقع لي، إلّا أن حالتي لا تُعمم، فأنا أعرف الكثيرين ممن تتراكم المخالفات في ذممهم، ويمرون يومياً على الحواجز، ويجرى لهم الفيش الأمني، ومع ذلك لم يتعرض لهم أحد”.

قانونياً .. “لا مبرر”
بالنظر إلى حالة فارس من جانب قانوني، يرى رئيس لجنة الحريات بـ “نقابة محامي سوريا”، فهد الموسى، ألا مبرر، ولا مسوغ قانونياً يسمح بتوقيف أي مواطن، لمجرد تأخره عن دفع ما يترتب عليه لأي جهة، خدمية كانت أم لا.

يقول “الموسى”: “لا يمكن لأي جهة كانت إيقاف مواطن، حتى ولو أُنذر وأُبلغ بوجوب التسديد، إذ يمكن تحصيل المستحقات بالعديد من الطرق، كتعطيل المعاملات الحكومية إلى حين الدفع”.

وأشار إلى أنه من حيث المبدأ، فإن الضابطة العدلية هي الجهة المسؤولة عن استيفاء هذه المخالفات، بناء على قرار قضائي، ومع ذلك فهو قرار قابل للاستئناف، لكن، وبموجب الظروف الحالية وانتشار فيروس كورونا، يمتنع على القضاء توقيف الأفراد، إلّا بـ “الجرائم الشائنة والخطيرة”، حسب تعبيره.

وتابع: “هذه الحقوق لا تعني شيئاً لنظام الأسد، وسلطته القضائية التي لا تتمتع بأي استقلالية”، مبيناً أن هناك خطوات محددة، تبدأ بإرسال إنذارين، ومن ثم “القطع” في حال كانت المستحقات فواتير خدمية، وبالوقت نفسه “تعطيل المعاملات الحكومية”.

ويرى “الموسى” أن تحركات النظام هذه ماهي إلّا محاولة لإشغال المواطن، وللحفاظ على “عنصر الخوف” الذي زرعه في نفوس السوريين.

دوريات مشتركة لملاحقة “المتخلفين” وأخرى “للدولار”
وسجّلت العاصمة دمشق وبعض مدن ريفها منذ مطلع الشهر الجاري، العديد من حالات الاعتقال، لمتخلفين عن أداء “الخدمتين الاحتياطية والإلزامية”.

وقال مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا، إن بعض أحياء دمشق، ومدن التل ويبرود والنبك في الريف، شهدت انتشاراً غير مسبوق لدوريات مشتركة، تضم عناصر من مختلف الأفرع الأمنية – أمن الدولة والأمن العسكري والسياسي والجنائي – مشيراً إلى أن هذه الدوريات اعتقلت العشرات، في حملة ما تزال مستمرة حتى اليوم.

وأضاف أن الدوريات المذكورة “لا تتخذ موضعاً محدداً، بل تتنقل في جميع الأحياء”، وأن أحداً لا يمكنه تجنبهم، مشيراً إلى أن الدوريات تجري “تفييشاً أمنياً لجميع المارة، وكذلك للسيارات”.

كذلك، تنتشر حواجز، تعرف محلياً باسم “حواجز الدولار”، على طول الاتوستراد الدولي، حسب ما ذكر المصدر، الذي بيّن أن مواقعهم تُبدّل، لكنها عادة ما تُنصب مقابل مدينة قارة، وتحت جسر يبرود – النبك، وعند “مفرق” بلدة قلدون، وعند جسري القطيفة وبغداد، مهمتهم الأساسية هي تفتيش السيارات والركاب بحثاً عن “حمَلَةِ الدولار”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا