بحث
بحث
انترنت

المدارس.. غياب المستلزمات بوابة تربح وإفساد وتضحية بالقيم التربوية!

مدارس في دمشق وريفها تحصل على هامش ربحي بقيمة 10 ملايين ليرة سنويا من طباعة أوراق العمل والامتحانات للتلاميذ

واصل قطاع التعليم العام في سورية تراجعه خلال الأعوام الماضية بشكل استثنائي ومستمر نتيجة أسباب وعوامل عديدة ما دفع بطلاب المراحل التعليمية لتأمين مستلزماتهم بشكل شخصي أو دفع رسوم للمدارس لتغطية تلك النفقات.

وبحسب موقع قاسيون المحلي فإن الحديث هنا عن أوراق الامتحانات وأوراق المذاكرات وأوراق العمل خلال الفصل الدراسي لبعض المواد وغيرها من المستلزمات.

ومع استمرار سياسة تخفيض الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم كما غيره من القطاعات وتحديداً الاعتمادات المخصصة لمستلزمات العملية التعليمية ومخصصات المدارس الموزعة من مديريات التربية عن طريق المجمعات التعليمية، مثل أورق المذاكرات والأوراق الامتحانية والأقلام والقرطاسية وغيرها لم تعد العديد من المدارس تحصل على كفايتها منها إن لم تكن إنها غائبة تماماً، ما أوجد مشكلة كبيرة تمثلت بشح هذه المستلزمات وعدم كفايتها ودفع بالإدارات والمعلمين للبحث عن حلول بديلة لكن على حساب الطلاب وذويهم.

ولا تقتصر التداعيات السلبية لذلك على تكريس تراجع العملية التعليمية فقط، بل تتعداها لتعزيز الفرز الطبقي بين الطلاب في المدارس وصولاً إلى التضحية بالقيم التربوية نفسها.

ثمن أوراق المذاكرات من جيوب الطلبة
وبدأ العديد من المعلمين مؤخراً بتوجيه وتغطية من الإدارة في بعض المدارس بطلب ثمن طباعة أوراق المذاكرات من الطلاب بذريعة عدم توفر الأوراق وتعطل الطابعة وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من الذرائع، وبمبالغ تتراوح بين 5000 و10000 ليرة من كل طالب.

وتكلف طباعة أوراق المذاكرات خارج المدرسة أكثر من طباعتها داخليا إذ كانت المدارس تتحمل أعباء تغطية هذه التكلفة وهو واجبها المفترض لكون التعليم في القطاع العام مجانياً بالكامل.

ومع ارتفاع هذه التكلفة كان من الطبيعي أن توزع هذه التكاليف على الطلاب إذ إن الطالب حين يدفع ثمن أوراق امتحاناته ومذاكراته يكون أخف على المعلم من أن يدفع ثمن أوراق الامتحانات لأكثر من 50 طالباً في الشعبة الصفية الواحدة ولعدد من الشعب الصفية بكل مذاكرة.

وتبدو التبريرات أعلاه منطقية بالنسبة للإدارات والمعلمين لكن ذلك يعني تناسياً تاماً أن الانفاق على هذه المستلزمات تندرج تغطيتها بمسؤولية وعهدة وزارة التربية ومديرياتها افتراضاً، وليس ذوي الطلاب.

وبلغة تكلفة ثماني مذاكرات فصلية للطالب الواحد 8 آلاف ليرة سورية، وباحتساب مذاكرات وامتحانات الفصلين الدراسيين معاً فإنّ كلفة الورق للطالب الواحد لا تقل عن 32 ألف ليرة سورية.

ثمن أوراق العمل أعباء إضافية تثقل كاهل ذوي الطلاب
يضطر العديد من الطلاب وذويهم لدفع عشرات الآلاف من الليرات ثمناً لأوراق العمل في الكثير من المدارس أيضاً، إذ قال بعض الطلاب، خاصة طلاب الشهادتين الأساسية والثانوية، قيام بعض المدرسين بطباعة أوراق عمل في مواد اللغات والرياضيات بشكل خاص وتوزيعها عليهم بمعدل 5 إلى 7 أوراق أسبوعياً، وبتكلفة تتراوح ما بين 500 إلى 2000 ليرة سورية للورقة الواحدة، وتختلف تبعاً للمدرس والمادة ومنطقة المدرسة.

وتعني المبالغ أعلاه عشرات الآلاف المضافة شهرياً ومئات الآلاف على مدار العام الدراسي وذلك لقاء أوراق عمل تتطلبها العملية التعليمية في بعض المواد للشهادتين الأساسية والثانوية، وذلك على حساب ذوي الطلاب.

تشويه مفهوم التعاون والنشاط وبوابة إفساد أخرى
ومن المعروف أن جزءاً من إيرادات المدارس يتمثل بنسبة محددة من التعاون والنشاط المحصل من الطلاب كمبالغ سنوية رمزية وبحسب ما حددته وزارة التربية على الشكل التالي للمرحلة الابتدائية 81 ليرة سورية يقسم كالتالي 50 ليرة نشاط و10 لبرات تعاون و25 ليرة أوراق امتحانية، أما للمرحلة الإعدادية فحددت مبلغ 90 ليرة، والمرحلة الثانوية 105 ليرات.

المبالغ أعلاه هي فعلاً رمزية لا تتعدى كونها شكلاً من أشكال التقارب بين الأهل وإدارات المدارس بمهامها وهي تكرس بآن حالة تربوية تتمثل بمفهوم التكافل الاجتماعي عند الطالب باعتباره مساهماً مع ذويه وأقرانه لتغطية جزء بسيط من النفقات غير المبوبة وغير المغطاة باعتمادات خاصة، مثل الهدايا الموزعة على الطلاب أو الاحتفالات وبعض النشاطات خلال العام الدراسي.

وبدأت العديد من المدارس في العام الدراسي الحالي بتقاضي مبالغ إضافية تحت مسمى التعاون والنشاط لتغطية الإنفاق على مستلزمات العملية التعليمية فيها.

فحسب حديث بعض أولياء الأمور قامت العديد من المدارس في دمشق وريفها بطلب مبالغ إضافية من الطالب على الشكل التالي 1000 ليرة تعاون ونشاط وإلى حد الـ 5000 ليرة، أو أكثر من ذلك حسب رغبة ذوي كل طالب وقدرتهم كتعاون ونشاط للمدرسة لتغطية المستلزمات وترميم المقاعد حسب ما نقل من ادعاءات بعض الموجهين والإدارة لذوي الطلاب.

وتعتبر المبالغ التي يتم فرضها تحت مسمى تعاون ونشاط وفق الشكل المستجد والمعمم المطبق في الكثير من المدارس فقد غايته وأهدافه وخاصة التربوية والاجتماعية ليس كونه لم يعد كافياً لتغطية الإنفاق على بعض المستلزمات بل كونه أصبح شكلاً من أشكال الاستجداء لتغطية الإنفاق على الضرورات التي من المفترض أنها مؤمنة ومغطاة باعتمادات مخصصة لها كل عام دراسي.

أسلوب للربح وفساد كبير
الخشية المشروعة من كل ما سبق هي أن هذا النمط المعمم من تقاضي مبالغ مالية لقاء الأوراق الامتحانية والمذاكرات وغيرها كظاهرة شاذة مستجدة معممة وتتوسع عاماً بعد آخر أنّ تصبح بوابة جديدة للتكسب والفساد ضحيته الطالب وأسرته.

وتبين أن ما تتقاضاه المكتبات مقابل طباعة الورقة الواحدة هو مبلغ 250 ليرة بما فيها أوراق العمل وأوراق الامتحانات، لذا فإن كل زيادة يتم تقاضيها من الطلاب أكثر من المبلغ أعلاه لقاء كل ورقة هو هامش استغلالي وربحي.

فبالمجموع التكثيفي على مستوى كل مدرسة بتعداد شعبها الصفية وطلابها، وتعدد المواد بمذاكراتها وأوراقها الامتحانية تصبح الهوامش الاستغلالية التي يتم الحديث عنها كبيرة جداً.

فإذا تم تقاضي 1000 ليرة لقاء كل ورقة من الطالب فإن الهامش الربحي المقتطع منها هو 750 ليرة ولشعبة صفية فيها 50 طالباً يصبح إجمالي هذا الهامش 37,500 ليرة.

 وبحال الحديث عن مذاكرات لـ 8 مواد في الفصل الدراسي فإن المبلغ يصبح 300 ألف ليرة ولفصلين 600 ألف ليرة، يضاف إليها الامتحانات للفصل الأول والثاني فيصبح الحديث عن أكثر من مليون ليرة وبحال كانت المدرسة فيها 10 شعب صفية فإن إجمالي المبلغ المقتطع من جيوب الطلاب كهوامش ربح استغلالية يتجاوز 10 ملايين ليرة سنوياً بالحد الأدنى وهذا المبلغ يتضاعف بالنسبة لطلاب الشهادات تحت مسمى أوراق العمل.

الفرز الطبقي والتضحية بالقيم التربوية
ورغم تفهم ذوو الطلاب وتعاونهم الشديد لتأمين المتطلبات التعليمية ومستلزماتها لأبنائهم إلا أن هناك نسبة ليست بقليلة من ذوي الدخل المحدود وأسر مفقرة بالكاد تستطيع تأمين مستلزماتها الحياتية اليومية وأسر عاجزة فعلاً عن تحمل أي عبء مادي إضافي، ما سبب حالة إحراج كبيرة سواء للأب أو الأم أمام أبنائهم، وللطالب نفسه أمام زملائه المقتدرين ومعلميه.

وعززت هذه الظاهرة المستجدة والظالمة الفرز الطبقي بين طلاب الصف الواحد وعمقت الشعور بالنقص لدى الطلاب المفقرين مما خلق حالة نفسية سيئة للطالب الذي بات محرجاً أمام معلميه وزملائه وفقد احترامه للمدرسة العاجزة عن تأمين أوراق مذاكرات له وللمعلم الذي يطلب منه المال، ولأسرته العاجزة عن الدفع.

والأمر على هذا النحو تجاوز حدود ذرائع تخفيض الإنفاق وذرائع تغطيته وصولاً إلى تجاوزات شاذة وسلبية بنتائجها على العملية التعليمية وغاياتها العلمية والتربوية، ومخرجاتها المستهدفة بالمحصلة.

السياسات الكارثية بنتائجها
وكل ما سبق يجري ويتم بعلم ودراية تامة من قبل مديريات التربية ووزارة التربية والحكومة بل وبتغطية شبه رسمية تكرسها السياسات الليبرالية المتبعة وخاصة سياسات تخفيض الإنفاق العام الظالمة والسياسات الأجرية المجحفة التي تعتبر من الأسباب الرئيسية لتكريس وتعميم كل الظواهر السلبية في قطاع التعليم أو غيره من القطاعات وفي المجتمع ككل.

وأدت سياسات تخفيض الإنفاق على قطاع التعليم بالتوازي مع السياسات الأجرية فيه لإفقاده مجّانيته المفترضة فقط، ولم تعزز تكريس الفرز الطبقي فيما بين الطلاب بكل مدرسة أيضاً بل وتدفع به نحو مستنقع من الفساد والإفساد المتعمد.

فكل التجاوزات غير المقبولة والظواهر السلبية المستجدة بهذا القطاع الهام وفي ظل غض الطرف عنها وتجاهلها رسمياً، مع شرعنتها بشكل مباشر أو غير مباشر، ستؤدي إلى مزيد من التردي والترهل والتراجع فيه وصولاً إلى التضحية باحترامه وخصوصيته وبغاياته التعليمية والتربوية ربما ليتسع المجال نحو المزيد من التفريط به تحت عناوين الخصخصة والتربح والتكسب على حساب الطلاب وذويهم وخاصة الغالبية المفقرة وعلى حساب المصلحة الوطنية بالمحصلة.