بحث
بحث
انترنت

المتة تدخل قائمة “المُحرمات” لدى السوريين

توفر المتة وفقدانها وتفاوت أسعارها بين مدينة وأخرى، يعود إلى فشل الحكومة في ضبط الأسواق

ارتفعت أسعار “المتة” خلال العام الحالي بشكل غير مسبوق نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية، وفقدان الأصناف الشعبية منها لعدم قدرة التجار على استيرادها، واستبدالها بأصناف أقل جودة وغير معلبة يتم بيعها بأسعار السوق السوداء، ليواجه السوريين أزمة جديدة في تأمين مشروبهم المفضل.

ورصدت جريدة النهار العربي فارق سعر بيع المتة في الأسواق السورية، ومشاكل توفيرها في عدة مناطق، وتأثيرها على جلسات السوريين.

لا غنى عنها
ولا تعتبر المتة المشروب الأول في الساحل السوري وحسب، بل هي كذلك في القلمون، وإدلب والسويداء وبعض حمص وأرياف حماه، حتى أنها تتفوق في تلك المناطق شعبية على القهوة والشاي بمراحل، وخلال الأعوام السابقة شقت طريقها إلى دمشق وحلب وبقية المحافظات.

وقال الخبير في علم الاجتماع “مراد عليشة إنّ البطالة تلعب دوراً في انتشار مواد التسلية، وضمناً الغذائية، لتتصدر مشهد أي بلد يشهد تخلخلاً اجتماعياً ووفرة في الوقت لدى أبنائه في ظل حالة من البطالة عزّ نظيرها.

وأضاف” “بالمنطق، كيف سيسلي الناس أنفسهم؟ فرص العمل باتت شبه معدومة، البطالة طاغية، وحتى أصحاب المصالح هم شبه عاطلين من العمل نتيجة الجمود الكبير في حركة البيع والشراء ودخول الزبائن إلى محالهم، فمن اليسير للغاية أن تجد الناس تشرب المتة مثلاً على أبواب محالهم، أبواب منازلهم، أو داخلها، أو على أسطحها، وفي البرد يستمر الطقس عينه ولكنّه ينحصر في داخل المحل والمنزل”.

وأوضح أنّ المدارس تأخذ من وقت الأطفال، الشبان قد يتجهون إلى صالات الألعاب، الأكبر عمراً بقليل من الشباب، النساء، المتقاعدون، ستجدهم جميعاً يشربون المتة كنوع من التسلية الاجتماعية والوقتية، ولكن ما لم يكن بالحسبان هو أنّه هل سيظل هؤلاء الناس قادرين على شراء المادة في ظل الارتفاع المهول لأسعارها؟

ويؤكد المدرّس المتقاعد من إحدى مدارس دمشق “ماجد وصفي” ما قاله عليشة، “قبل سنوات لم أكن أشرب المتة، بل لم أكن أحبها حتى، تقاعدت من مهنتي، ولوفرة الوقت لديّ الذي لا أستطيع أن أفعل به شيئاً تعلمت شرب المتة، وصرت أشربها مع أولادي”.

 قياساً ببقية المناطق، ولكن إلى متى هذه الحال من السعي الحثيث في اللهث وراء الأسعار التي ترتفع كل يوم؟ ثم تنقطع المادة فجأة، فكنا نوصي عليها من محافظات أخرى، وكل مرة سعر مختلف، قبل أن تصبح تباع فرطاً”.

وأضاف “اشتريت علبة متة 250 غراماً بـ9 آلاف ليرة في دمشق، واشتراها صديقي بنصف هذا الثمن في حمص، ثمة تخبط كبير للغاية في سعر المادة، وفي توافرها أساساً، فهي فجأة تنقطع، والآن أصبحت تباع فرطاً”.

وقال المهندس “علي عمار” وهو من اللاذقية حين سؤاله عن المتة: “هذه المادة وحّدت السوريين بعدما لحقت سوق الدولار والانقطاع، وأُلغي التنافس المحموم بين من يشرب متة أكثر، نحن أو القلمون أو السويداء، صرنا في المشكلة سواسية، جميعنا نبحث عنها وندفع ثمنها الذي يسلبنا رواتبنا”.

ويضيف “لم أتوقع أن يأتي يوم ونناقش فيه قضية انقطاع المتة وارتفاع أسعارها الجنوني، والبحث عنها في السوق السوداء أحياناً، ضحكت لأنني تخيلت المشهد ونحن نبحث عن مياه الشرب في السوق السوداء ذات يوم، وقد يحصل ذلك فعلاً في هذا البلد”.

بورصة جديدة
دخلت المتة بحزم إلى قائمة البورصة الخاصة بها بعد انقطاعها من الأسواق، ثم توافرها بأسعار تُعجز الأهالي، ثم انقطاعها وتوافرها مراراً وهكذا دواليك، وبهذه الصيغة والاستمرارية بات يعجز الناس عن شرائها.

القضية ليست في المتة عينها، بل بما صار السوري محروماً منه، ويكفي أن نذكر أن متوسط راتب السوري هو مئة ألف ليرة سورية (20 دولاراً أميركياً)، وثمة أسر قد تحتاج عبوة متة كل يومين، أي ستحتاج راتب موظف كاملاً ثمناً للمتة فقط، هذا فضلاً عن السكر المرافق للمادة خلال شربها، والذي قد تحتاج راتباً آخر لتأمينه، فماذا يفعل الغلابة بعدما اشتاقت أسر لا حصر لها لطعم الشاي والقهوة؟

على بساطة الأمر، إلا أن المادة تشكل ركيزة في حياة شريحة كبيرة من المواطنين، إذ يبدأ صباحهم بها ويشربونها على فترات متقطعة من النهار. تعتبر المادة شيئاً باقياً للتسلية من الأيام القديمة، ولكنها يوماً بعد يوم لا تعود كذلك، فقائمة الحرمان السوري تتسع وتتسع.

تفاوت الأسعار
وكشف التقرير عن تفاوت في أسعار مبيع المتة بين المحافظات السورية، وبين محال المدينة نفسها، مرجعة الأسباب إلى فشل الحكومة السورية في ضبط الأسواق.

ووضعت التجارة الداخلية وحماية المستهلك أسعاراً للمادة، لكن تبين أن الفرق بين التسعيرة الرسمية وسعر مبيعها على أرض الواقع يعتبر كبيراً، حيث ارتفع سعر مادة المتة نوع “خريطة” سعة 500 غرام معبأ خلال الأيام الماضية في الأسواق من 10 آلاف ليرة سورية إلى 16 ألفاً، ونوع “بيبوري” من 11 ألفاً إلى 17 ألفاً، كما ارتفع سعر المادة نوع “خريطة” سعة 250 غراماً من 5 آلاف إلى 7500 ليرة ونوع “بيبوري” من 5500 إلى 8 آلاف ليرة.

وزير من “فايسبوك”
الوزير “عمرو سالم” الذي قدم نفسه على “فايسبوك” لسنوات قبل توليه الحقيبة على أنّه يملك الحلول ومفاتيحها، عرّته الوزارة، وأثبتت عجزه عن إيجاد الحلول، ومن المجحف تحميله المسؤولية وحده، فهذا أمر مترابط تتحمله منظومة حكومية كاملة، منظومة حكومية يقول الشارع السوري إنّها أسوأ حكومات الحرب حتى الآن، وسط معلومات تتردد بين حين وآخر عن احتمالية تغييرات حكومية قريبة، ولكن هل ستحمل تلك التغييرات حلولاً؟ أم أنّ العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، والدهر هنا هو عدو السوريين الذين ينهش لحم فقرهم وحاجتهم وعوزهم وحربهم مع الحياة التي يقودونها منفردين.

تصريحات رسميّة
في تصريح سابق لوسائل إعلام محلية قال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق “ياسر كريم”، إن ارتفاع الأسعار طال كل المواد ومنها مادة المتة، لكن الذي أدى إلى ارتفاع سعر المتة كثيراً أن طريق وصول المادة من البلد المنتج صار أصعب من ذي قبل عقب المشكلات العالمية، وأصبحت تكاليف النقل من المصدر الرئيسي للمادة مختلفة وكبيرة، إذ يتبعها تكاليف البنزين والمازوت وغيرها من التكاليف الأخرى، وهذه التكاليف تؤثر في النقل من المصدر وفي النقل الداخلي والتوزيع وغيرها من التكاليف الأخرى.

ولكن لم يفسر هذا المسؤول، وسواه، كيف أنّ الكمية التي وصلت ضمن الشحنة نفسها يتفاوت سعرها، وتختفي، لتظهر في السوق السوداء، هذان الاختفاء والظهور، قد لا يكونان مثيرين لفضول السوريين كثيراً، فالناس هنا اعتادت هذا الأسلوب، بدءاً من المتة، وصولاً إلى كل ما يخطر ولا يخطر على البال.