بحث
بحث

التهجير.. سلاح النظام السوري لتغيير الخريطة السكانية

صوت العاصمة – وكالة الأناضول 

مع تهجير المعارضين للنظام السوري من سكان حي برزة شرقي دمشق قبل أيام، يرتفع عدد المناطق التي شهدت عمليات تهجير لسكانها إلى 14 مدينة وبلدة، فيما يتهدد التهجير مناطق أخرى محاصرة.

وتعود أول عملية تهجير إلى عام 2014، حيث تم تهجير نحو 3 آلاف من المدنيين والمقاتلين من مدينة حمص (وسط) بواسطة حافلات إلى مناطق سيطرة المعارضة (شمال).

فيما كانت العملية الأكبر في مدينة حلب، نهاية العام الماضي (2016)، وخرج فيها نحو 45 ألف مدني ومقاتل بعد حصار دام نحو عام، وقصف يومي مكثف أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف.

وكانت العاصمة السورية دمشق وريفها، المكان الأبرز لسلسلة طويلة من الاتفاقات، التي يسميها النظام السوري “مصالحات”، فيما تطلق المعارضة عليها اسم “تهجير”.

وشهدت دمشق حتى مايو / أيار الماضي 8 عمليات تهجير بدأت بمدينة داريا (غرب دمشق) في أغسطس / آب 2016، مع إفراغ المدينة كاملة من المعارضين والسكان الذين تجاوز عددهم 8 آلاف نسمة باتجاه الشمال السوري، لتكون المدينة الأولى التي تم إخلاؤها بشكل تام من سكانها في العاصمة.

ولم يبق للمعارضة في محيط دمشق بعد عمليات التهجير الأخيرة سوى أحياء صغيرة جنوبي المدينة، وحي جوبر شرقها، فيما أصبحت الغوطة الشرقية المعقل الوحيد للمعارضة في ريف العاصمة.

وقد مارس النظام السوري الاستراتيجية ذاتها في كل المناطق التي تم تهجير سكانها، إذ يبدأ بشن عمليات عسكرية وقصف يتسبب بهروب معظم سكانها، ومن ثم فرض حصار خانق على من تبقى من السكان ومقاتلي المعارضة.

ويتسبب ذلك في حالات مجاعة مثل ما حدث في بلدة “مضايا” بريف دمشق الغربي، والتي فقد على إثرها أكثر 60 مدنيا حياتهم نتيجة الجوع بحسب مصادر المعارضة.

ويتزامن ذلك مع مواصلة القصف وفي النهاية إنهاك مقاتلي المعارضة وإجبارهم على الإذعان لـ “المصالحة” أو “التسوية”، كما يسميها النظام.


وتسببت عمليات الحصار والتهجير في تغيير التركيبة السكانية للبلاد حيث بات أكثر من نصف سكان سوريا بين لاجئ في الدول الأخرى أو نازح في مناطق سيطرة المعارضة، أو مهجر بمناطق سيطرة المعارضة.

وتتخذ الاتفاقات التي يبرمها النظام السوري مع المناطق الخاضعة للمعارضة السورية، شكلا موحدا تقريبا، حيث يتم من خلالها إخراج من لا يرغب بـ “المصالحة” خارج المنطقة المستهدفة باتجاه الشمال السوري.

فيما يبقى الموافقون داخل بيوتهم مقابل “تسوية أوضاعهم” مع السلطات الأمنية، وإعطاء مهلة ستة أشهر للمطلوبين للخدمة العسكرية في قوات النظام أو الفارين منها لترتيب أمورهم.

وتتنوع معاناة السوريين الذين فضلوا البقاء في بيوتهم وقراهم، من شتى صنوف الضغط والترهيب، التي تشهد تصاعدا متواترا مع تراجع المساحة التي تسيطر عليها المعارضة.

وأكثر ما يقض مضجع المتبقين في مناطق الاتفاقات المذكورة هو هاجس الخدمة الإلزامية في قوات نظام الأسد.

ويقول “رائد صالحاني” رئيس تحرير موقع “صوت العاصمة”، إن شعبة التجنيد في مدينة “معضمية الشام” التي خضعت للاتفاق في أكتوبر / تشرين الأول 2016، أبلغت المتخلفين بالالتحاق بالخدمة الإلزامية، وتضمنت القائمة ألفي اسم، بعد انتهاء مهلة الأشهر الستة.

وأضاف أن الأمر ذاته تكرر في مدينة الهامة، التي وصلتها قوائم لـ 2400 مطلوب، إضافة إلى التحاق أكثر من 4 آلاف آخرين بما يعرف بـ “الدفاع الوطني”، وهي مليشيات محلية مساندة للنظام.

و بيّن “الصالحاني” في حديث للأناضول أن أغلب الشبان الذين يسلمون أنفسهم للنظام، يتم تحويلهم لمراكز تدريب مؤقتة، ومن ثم يتم إلحاقهم بمليشيات عديدة أهمها ما يطلق عليها “درع العاصمة”، و”درع القلمون” التي تقوم بمهام مراقبة المناطق التي خضعت مؤخرا لسيطرة النظام.

ويشير إلى أنه يتم استخدامهم في المعارك بالخطوط الأمامية في عدة مناطق، وأهمها المناطق القريبة من دمشق التي يعمل النظام السوري على فرض “المصالحة” عليها، كما حدث في أحياء دمشق الشرقية (القابون – تشرين)، وفق الصالحاني.

وأكد رئيس تحرير موقع “صوت العاصمة”، وهو موقع متخصص بتوثيق ما يحدث من تجاوزات في دمشق وريفها، أنه ليست قضية “الخدمة الالزامية” وحدها ما تواجهه المناطق التي خضعت بطريقة “المصالحة”، لكن غياب الأمن يعد الهاجس الأشد على النساء والأطفال.

ويشير “الصالحاني” إلى أن المناطق التي خضعت للنظام السوري حديثا، تحولت إلى مرتع لعناصر المليشيات الموالية للنظام، والفرقة الرابعة الخاضعة لماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد.

ويلفت إلى أن تلك المناطق وبينها مدينة التل (شمال شرق العاصمة)، شهدت عمليات واسعة من السرقة والتشبيح واعتداء بالضرب.

أما فيما يتعلق بالشق الإنساني والإغاثي، فما زالت عدة مناطق تخضع لحصار من قبل النظام رغم إخلائها من المعارضين.

وضرب “الصالحاني” مثلا مدينة التل، التي يقطن فيها وفق إحصاءات الهلال الأحمر الدولي أكثر من نصف مليون مدني، وتعاني منعا لدخول المواد الإغاثية والأغذية، وفرض “إتاوت” (رسوم مرور غير شرعية)، ما يرفع أسعار المواد على السكان.

وبعد تهجير المعارضين من تلك المناطق يتم التعامل مع المنطقة بعدة سيناريوهات، منها إدخال النظام لمؤسساته داخل المناطق (المصالحة).

فيما كان مصير بعضها انحداراً أمنياً كبيراً، كما حدث في مدينة حلب (ِشمال)، حيث تسلمت المهام الشرطة العسكرية الروسية، التي فشلت في ضبط الأمن.

وتسبب ذلك في انتشار العصابات (يطلق عليها عرفاً “الشبيحة”)، ما جعل المتبقين في المدينة يعيشون في خوف دائم في ظل انقطاع الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء.

ويخشى معارضون تكرار سيناريو حلب، في حي “الوعر” بحمص (وسط سوريا)، والذي دخلته الشرطة العسكرية الروسية قبل أيام بحسب مصادر بالمعارضة للأناضول.


أبرز عمليات التهجير في سوريا
– اتفاق تهجير حمص القديمة
في مايو / أيار 2014، أبرمت أول اتفاقية عرفت بـ “هدنة حمص”، بإشراف إيران والأمم المتحدة لخروج الثوار وأسرهم من مدينة حمص القديمة، التي تسكنها أغلبية سنية، إلى ريف حمص الشمالي.
كما نص الاتفاق على انسحاب المقاتلين مع أسلحتهم الفردية، مقابل إفراج الثوار عن 70 أسيرا بينهم إيرانيون، والسماح بإدخال الإمدادات الغذائية إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب (شمال سوريا)، وغادر المدينة وفق الاتفاق نحو 3000 شخص أغلبهم من المدنيين.

– حلب

في أواخر عام 2016 شنت قوات النظام والمجموعات المسلحة المدعومة من إيران بمساندة جوية، حملة شرسة على مناطق المعارضة في أحياء حلب الشرقية، وحاصروا نحو 45 ألف مقاتل ومدني في عدد قليل من الأحياء، ليتم بعدها التوصل إلى اتفاق يخرج بموجبه المحاصرون إلى ريف إدلب.

– اتفاق تهجير الوعر
في 13 مارس / آذار 2017، وبرعاية روسية، وقع الثوار ونظام الأسد اتفاقاً حول حي الوعر بمدينة حمص، يقضي بخروج المقاتلين والمدنيين منه، لتصبح حمص المدينة خالية تماماً من الثوار.
وجرى في 21 مايو / أيار الماضي الانتهاء من عملية تهجير الحي مع خروج آخر الدفعات الأسبوعية، حيث بلغ عدد المهجرين ما يناهز 25 ألفاً من أصل 50 ألفاً كان يقطنون في الحي.

– اتفاق تهجير المدن الأربع أبريل / نيسان 2017
في 11 أبريل / نيسان 2017، توصل مندوبون عن “هيئة تحرير الشام” و”أحرار الشام” من جهة، وممثلون عن إيران من جهة أخرى، إلى اتفاق يقضي بتفريغ بلدة مضايا ومدينة الزبداني في ريف دمشق من مقاتليها ومن يرغب بالخروج من سكانها، مقابل تفريغ بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب الشمالي، فيما عرف بـ “اتفاق المدن الأربع”، بعد انضمام مخيم اليرموك في جنوب دمشق إلى الاتفاق.
وخرج في 15 أبريل 2300 شخص من مضايا باتجاه إدلب، و5200 شخص من كفريا والفوعة باتجاه حلب، على أن تستكمل العملية في وقت لاحق.
وتنص الاتفاقية أيضا على إخلاء سبيل 1500 معتقلة لدى نظام الأسد، وخروج مقاتلي “هيئة تحرير الشام” من مخيم اليرموك جنوبي دمشق.


تسويات ريف دمشق أواخر 2016
– داريا
في 27 أغسطس 2016، بدأ التهجير القسري في مدينة داريا بعد توصل ممثلي المعارضة إلى اتفاق مع النظام السوري يقضي بإفراغ المدينة كلياً من عسكريين ومدنيين.
تم خروج نحو 8 آلاف شخص بينهم 700 مقاتل، حيث سمح النظام بإجلاء مقاتلي داريا وعائلاتهم إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، فيما نُقل المدنيون إلى مراكز إيواء في ريف دمشق لتسوية أوضاعهم.

– قدسيا والهامة
في 13 أكتوبر 2016 انضمت بلدتا قدسيا والهامة إلى قائمة المناطق المهجرة، وجاء ذلك بعد تصعيد عسكري عنيف من قبل قوات النظام وحلفائه، مع محاصرة البلدتين وقطع الخدمات عنهما.
واضطر الأهالي إلى الخروج للشوارع ومطالبة الثوار بإنجاز اتفاق التسوية، حيث تم إجلاء أكثر من ألفي شخص في 22 حافلة إلى مدينة إدلب (شمال)، بينهم أكثر من 300 مقاتل.

– معضمية الشام
وفي 19 أكتوبر 2016، كانت عملية التهجير من معضمية الشام، حيث تضمن الاتفاق عودة “مؤسسات الدولة” إلى المدينة، عدا فروع الأجهزة الأمنية، وتأسيس مخفر مشترك بين النظام وأهالي المعضمية، أجلي آنذاك ما يقدر بـ 3000 شخص ما بين مدنيين ومقاتلين.

– خان الشيح
وفي 29 أكتوبر كانت خان الشيح (غرب دمشق) على موعد مع التهجير، حيث تم نقل 5500 شخص على دفعتين باتجاه إدلب.

– التل
في 2 ديسمبر / كانون الأول 2016، كان موعد تهجير مدينة التل، حيث تم نقل ألفي شخص بينهم 500 مقاتل.

– وادي بردى
في 29 كانون الثاني / يناير 2017، بدأت عملية تهجير وادي بردى، جاء ذلك بعد حصار طويل وقصف عنيف دام 40 يوماً، حيث تم تهجير 2100 شخص من مقاتلي ومدنيي بردى إلى إدلب بينهم 700 مقاتل.

– أحياء دمشق الشرقية
بدأت عملية التهجير في 8 مايو / أيار، في حي برزة بعد اتفاق النظام وممثلين عن الحي، بخروج المعارضين باتجاه إدلب، عبر دفعات متتالية، وتلاها اتفاق مماثل في القابون وحي تشرين، وبلغ مجموع من خرج من مدنيين وعسكريين 7 آلاف شخص.

المصدر: اضغط هنا

اترك تعليقاً