باتت الحملات الترويجية الداعمة لرأس النظام السوري “بشار الأسد” في الانتخابات الرئاسية الجارية، الحدث الأبرز في مختلف أحياء العاصمة دمشق وريفها، من نشر للصور وإقامة المسيرات الداعمة له، فضلاً عن المهرجانات الغنائية والخيم الانتخابية.
رغم النتيجة الانتخابية المحسومة مسبقاً، والحملات الدعائية للانتخابات الوهمية التي أجمع السوريون على وصفها بـ “المسرحية الهزلية”، إلا أن اختيار مناطق إقامة الاحتفاليات والمهرجانات، وآلية تنسيق الحملات وتمويلها خلق حالة جدل واسعة بين السوريين داخل سوريا وخارجها.
فوق ركام المدن المُدمّرة:
فوق ركام المدن المدمّرة في ريف دمشق الغربي وغوطتها الشرقية، وعلى بعد أمتار من المقابر الجماعية التي ضمت جثامين مئات المدنيين الذين قُتلوا جراء العمليات التي شنّها النظام السوري على المنطقة، أُقيمت فعاليات داعمة للأسد في حملته الانتخابية.
في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، حيث وقعت العديد من المجازر بحق المدنيين على مدار السنوات العشر الماضية، لاسيما مجزرة الكيماوي التي راح ضحيتها 78 مدنياً، قبل اتفاق إبرام القاضي بتهجير أهالي المدينة وفصائل المعارضة العاملة فيها قسراً نحو الشمال السوري، أُقيم مهرجان غنائي داعم لـ “الأسد” بدعوة “عامة”.
قبل ساعات على بدء المهرجان، خرج المُغنّي “أيمن زبيب” في مقطع مصور من داخل مبنى مجلس المدينة، دعا فيه الأهالي لحضور حفله في ساحة البلدية وسط المدينة، مستخدماً فيه اقتباس من شعار الأسد في حملته الانتخابية، مردداً “من غوطة الأمل، حيّ على العمل”.
بعد ساعات قليلة على انتهاء المهرجان الغنائي المذكور في دوما، أُقيم حفل غنائي في مدينة داريا التي أطلق عليها سوريون اسم “أيقونة الثورة”، أبرز مناطق ريف دمشق الغربي التي شهدت معارك استمرت سنوات عدة، وانتهت بتهجير جميع قاطنيها قسراً نحو الشمال السوري، وبدمار طال أكثر من 85% من مساحة المدينة.
خرج المكتب التنفيذي لمدينة داريا، في بيان نشره عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أعلن فيه إقامة حفل غنائي للمُغنّي “ثائر العلي” في ساحة المدينة دعماً لـ “الأسد”، داعياً فيه قاطني المدينة للحضور، والذين لا تتجاوز نسبتهم 4% من السكان الأصليين.
توجيهات استخباراتية أم اجتهاد شخصي؟
بالقرب من مدخل كل بلدة ومدينة، ووسط ساحاتها العامة، أُقيمت خيم انتخابية رفعت صور بشار الأسد في محيطها وداخلها، وجمعت العشرات من قاطني تلك المناطق فيها للتعبير عن دعمهم، إلا أن أسباب إقامتها وآلية التنسيق مختلفة بين خيمة وأخرى.
كان لاستخبارات النظام الدور الأبرز في إقامة بعض تلك الخيم والفعاليات، ففي الغوطة الشرقية عقد أحد ضباط الأمن العسكري برتبة عقيد يُدعى “نعيم ديوب”، اجتماعاً مع أصحاب المعامل والشركات التجارية وصالات الأفراح في الغوطة الشرقية، لاجتماع فوري في مقر الفرع وسط بلدة سقبا، كلّف فيه بعض الحاضرين بطباعة الصور وتغطية تكاليف تعليقها في شوارع الغوطة الشرقية، وآخرين بإقامة الخيام الانتخابية ودعوة الأهالي إليها، فيما تكلف البعض الآخر بتغطية تكاليف الضيافة للحاضرين في تلك الخيام.
بطريقة مشابهة، وجّه أمين شعبة حزب البعث في التل “أحمد الميرو”، أرسل كتاباً إلى “لجنة التنمية” العاملة في مدينة التل بريف دمشق، تضمن تكليف بطباعة ونشر صور رأس النظام السوري “بشار الأسد” في شوارع المدينة، والتجهيز لإقامة خيمة انتخابية في ساحتها، كما ألزم اللجنة بإقامة وليمة إفطار لأعضاء قيادة فرع ريف دمشق لحزب البعث آخر أيام رمضان الفائت، بتكلفة تجاوزت الـ 20 مليون ليرة سورية.
وفرضت ميليشيا كتائب البعث على أصحاب المحلات التجارية في المدينة ذاتها، شراء صور رأس النظام “بشار الأسد” وتعليقها على الواجهات على نفقتهم الخاصة، خلال مدة أقصاها 48 ساعة، مهددين المتخلفين عن تنفيذ القرار بالاعتقال، كما كلّفت أصحاب المباني الكائنة في مربعهم الأمني، بطباعة صور للأسد، وتعليقها على واجهات الأبنية.
وأجرت دوريات تابعة لفرع الأمن العسكري جولات في مخيم جرمانا، وجّهت خلالها تعليمات لأصحاب المحال التجارية برفع صور الأسد على حسابهم الشخصي، مهددة بملاحقة الرافضين أمنياً.
في الجهة المقابلة، ظهر بعض رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والتجار في بعض مناطق ريف دمشق، وسارعوا إلى إقامة تلك الفعاليات على نفقتهم الشخصية، دون توجيه تعليمات من قبل أجهزة الاستخبارات، ونشروا مئات الصور على مداخل ومخارج البلدات غرب دمشق تحمل في كل منها اسم مقدم الصورة أو اللافتة، وجميعها تجتمع في نهاية الأمر داخل الخيمة الانتخابية.
الخيام الانتخابية وروتين التوجيه السياسي:
تشابهت الخيام الانتخابية في جميع المناطق من حيث المظهر الذي سادت فيه صور الأسد وأعلام النظام وحزب البعث، والحضور الذين كان على رأسهم الطلاب والموظفين وأعضاء المجالس البلدية والفرق الحزبية، وروتين الخطاب والشعارات المرددة خلال الندوات.
خلال الاجتماعات اليومية داخل الخيام يوجه أمين الفرقة الحزبية أو أمين الشعبة بالمنطقة كلمة للحضور يلفت فيها إلى أهمية المشاركة بالعملية الانتخابية، ودائماً ما يكون هناك حضور لرجال الدين بمختلف المناطق والطوائف، وهو ما يستغله النظام في توجيه فئة من الأهالي.
وفي مختلف المناطق، جاءت الدعوة لحضور الفعاليات عن طريق المجالس البلدية والفرق الحزبية، حيث يتم تبليغ مدير الدائرة أو الوحدة الحزبية ووحدات اتحاد الشبيبة، وهو بدوره يدعو الأفراد والموظفين.
واعتمد النظام السوري في دعوة الأهالي ببعض المناطق التي لا يوجد فيها مجالس بلدية، على المساجد التي نادت عبر مآذنها ودعت الأهالي لإقامة المسيرات الداعمة لبشار الأسد، والحضور في المجالس والخيام الانتخابية.
أما عن نوعية الخطابات السياسية في الخيام الانتخابية، فدائماً ما تبدأ بكلمة يوجهها أمين الفرقة الحزبية أو أمين الشعبة في المنطقة، يلفت فيها إلى أهمية المشاركة بالعملية الانتخابية، تليها كلمة رجل دين يلفت فيها إلى الأمر ذاته بصبغة دينية، تليها الهتافات المؤيدة للأسد.
عناصر التسويات أبرز الحاضرين:
تداولت صفحات محلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مئات الصور من مناطق متفرقة في ريف دمشق الغربي والغوطة الشرقية، وأخرى من بلدات جنوب دمشق، نقلت فيها الفعاليات التي أقيمت في مناطقهم من مسيرات مؤيدة وخيام انتخابية واحتفاليات.
أظهرت الصور المتداولة المئات من عناصر التسويات وقادة الفصائل المعارضة سابقاً، الذين خضعوا لعمليات التسوية الأمنية وانضموا إلى صفوف جيش النظام والميليشيات المحلية الرديفة له.
في صور نشرتها صفحات محلية في مدينة الكسوة بريف دمشق الغربي، تبيّن أن أكثر من 70% من حاضري الفعاليات من عناصر تسويات المنطقة، ونسبة أخرى من الموظفين وأعضاء حزب البعث، فيما كانت أعداد المدنيين تكاد لا تُذكر.
وكذلك الأمر في صور نُشرت من بلدة “يلدا” جنوبي العاصمة دمشق، أظهرت العشرات من عناصر تسويات المنطقة داخل خيمة انتخابية، خلال حضور جلسة ترويجية لدعم رأس النظام السوري بشار الأسد في حملته الانتخابية.
وكانت صورة أظهرت المدعو “أبو حفص الشامي” القيادي السابق في صفوف فصائل المعارضة، واحدة من أبرز الصور التي أثارت الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لما شغله من مناصب سابقة، قاد خلالها فصيلاً عسكرياً يتبع لجيش الإسلام في منطقة “حجيرة”، ثم انتقل لقيادة مجموعة في فصيل “شام الرسول”، قبل أن يشغل منصب عضو في المحكمة الشرعية جنوب دمشق، ثم مستشار سياسي في المفاوضات مع النظام خلال إبرام الاتفاق القاضي بتهجير فصائل المعارضة من المنطقة.
حملات برعاية تجار المخدرات!
على بعد بضعة كيلو مترات عن مركز العاصمة دمشق، وفي جبال القلمون التي تُعتبر المنطقة الأبرز في تمرير عمليات تهريب المواد المخدرة وتصريفها، أُقيمت العديد من الخيام الانتخابية بتمويل مباشر من تجار ومهربي المخدرات في المنطقة.
وسط مدينة يبرود في القلمون الغربي، أقام تاجر المخدرات الأبرز “محمد عبود حمود” والوكيل المباشر لميليشيا حزب الله اللبناني في المنطقة، خيمة انتخابية نظّم فيها العديد من الفعاليات على نفقته الشخصية.
وفي بلدة “عسال الورد” المجاورة، أُقيمت خيمة مشابهة ونظّمت فعاليات مماثلة أيضاً، على نفقة المدعو “أحمد خلوف”، قائد ميليشيا الدفاع الوطني في المنطقة، وواحد من أبرز تجار المخدرات فيها.
استغلال الحملات اقتصادياً:
بدأت المجالس البلدية في دمشق وريفها، الأسبوع الفائت، بتنظيم مخالفات “إشغال رصيف المشاة” بحق مقدمي صور رأس النظام السوري “بشار الأسد” المعلقة في أحياء المنطقة، كدعم للعملية الانتخابية.
وتضمنت المخالفات المسجّلة، فرض غرامات مالية لصالح المجالس البلدية، بلغت قيمتها 50 ألف ليرة سورية للمتر المربع الواحد بحسب مساحة الإشغال، إضافة لغرامة مالية قدرها 3 آلاف ليرة سورية يومياً، وفقاً لمدة إشغال الرصيف.
وبرّرت المجالس البلدية إجراءات تنظيم المخالفات بأن مقدمي الصور لم يتوجهوا إلى شركات الإعلان المرخصة، لرفع صور “بشار الأسد” ضمن اللوحات الطرقية المخصصة للإعلان.
المصدر: صوت العاصمة
الكاتب: فريق التحرير