بحث
بحث

نيويورك تايمز: اللاجئون ليسوا ذئاباً

“لقد عاد الذئب” هو العنوان الذي اختارته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة لخبر نشرته في 23 نيسان/ أبريل، جاء في تفاصيله أن نحو 100 ذئب تسلَّلوا من بولندا عبر الحدود نحو ألمانيا، واجتاحت هذه القطعان أراضي بلدة فورستغين الهادئة في شرق البلاد، لتصطاد فريسَتها من الخراف. هذا الخبر البسيط الذي في العادة قد لا يهمّ إلّا بعض المختصّين في علم الحيوان أو أصحاب مزارع الماشية، تحوّل قضيّة رأي عام، ونوقش في البرلمان الألماني، وسط انقسام حادّ حول أفضل طريقة للتعامل مع هذه الوحوش، وتأزّم الوضع أكثر بعد تشبيه “اجتياح” الذئاب بتدفّق اللّاجئين والمهاجرين.

سياسيو اليمين المتطرّف استخدموا مثال الذئب الذي يهدّد هُدوء المناطق الريفيّة واستقرارها، للإشارة إلى المهاجرين واللّاجئين الذين أتوا لِتَهديد السكينة وامتصاص دماء الاقتصاد والهُجوم على الأبرياء.

هذا ما بلغه الانقسام حول قضيّة اللاجئين في يومنا هذا، إذ يُصوّر اللاجئون على أنّهم كائنات طفيليّة تستنزف المُجتمعات. وللأسف، تحوّل منح اللجوء ومساعدة اللاجئين من عمل نبيل ومشرِّف، إلى تصرّف ساذج ينمّ عن قلّة مسؤوليّة ويُصوَّر كعمل غير وطني. ويُستخدم هذا الخطاب السام لإحداث انقسام في المجتمع بين وطنيين يعنيهم أمر بلدهم في وجه خطر اللاجئين ومواطنين كارهين أنفسهم مؤيّدين للاجئين والمهاجرين.

الرواية نفسها تتكرّر غرباً وشرقاً، حيث يُستخدم الخطاب نفسه المعادي للّاجئين والمهاجرين، وهو في معظم الأحيان قائم على مغالطات وأكاذيب، إمّا بهدف المبالغة في حجم تأثير استضافة اللاجئين على المجتمعات والاقتصادات المحليّة أو لتعميم هذه الأفكار. فمِن ازدياد معدّلات الجريمة إلى الركود الاقتصادي، يُحمَّل اللّاجئون والمُهاجرون زوراً مسؤوليّة الآفات الاجتماعيّة وفشل الحكومات. إلّا أنّ الأرقام والدراسات تعكس واقعاً مختلفاً تماماً.

فالفكرة الشائِعة أنّ اللاجئين يُساهمون في ارتفاع معدَّلات الجريمة هي فكرة خاطئة، على رغم استخدامها الواسع من قبل سياسيين شعبويين كثيرين. في ألمانيا على سبيل المثال، انخفضت معدّلات الجريمة 10 في المئة عام 2017، على رغم تدفّق اللّاجئين. وفي إيطاليا، أظهرت الأرقام التي تمّ جمعها بين عاميّ 2007 و2016 تراجعاً في معدّلات الجريمة في المناطق الإيطاليّة، ما يخالف المغالطات التي روّج لها سياسيّون محلّيون بأنّ المهاجرين يتسبّبون في زيادة الجريمة. أمّا على الصعيد الاقتصادي، فتدحض الأبحاث القول إنّ اللّاجئين يشكّلون عبئاً على اقتصاد الدول المضيفة، إذ تبيّن أنّ اللّاجئين يجلبون معهم الكثير من المَوارد، ولديهم القدرة على المساهمة في النمو الاقتصادي في الدول التي تستضيفهم. وبيّنت دراسة نشرت في دوريّة Science Advances في حزيران/ يونيو عام 2018، وتضمّنت تحليلاً لثلاثين سنة من البيانات في 15 دولة أوروبيّة، أنّ اقتصادات الدول التي تستضيف لاجئين ومهاجرين ازدادت قوّة، فيما تراجعت معدَّلات البطالة.

مع ذلك، لا تزال المشاعر المناهضة للّاجئين راسخة، وقد تُرجمت في الكثير من الحالات إلى تحرّكات في الشارع، مثل التظاهرات المُناهضة للمؤسّسات التي يديرها لاجئون، أو فرض قيود على تحرّكاتهم أو التضييق على المنظّمات غير الحكوميّة التي تدعمهم. هذا إضافة إلى الضغط على أفراد المجتمع المدني الذين يعبّرون عن آراء مؤيّدة للّاجئين، إلى حدّ أنّ محاولة إنقاذ اللّاجئين من الغرق في مياه البحر المتوسّط باتت اليوم جريمة يعاقب عليها القانون.

أيُّ دور يمكن أن يلعبه الأكاديميّون في ظل هذا الانقسام؟

من موقعنا كأكاديميّين، واجبنا الاستمرار في القيام بما نجيده، أي أن نقدّم أدلّة مثبتة وواقعيّة حول تأثير اللّاجئين في مجتمعاتهم المضيفة، إضافة إلى إجراء المزيد من البحوث للإضاءة على مساهماتهم. ولا بد من تثقيف الطلّاب وإشراك الجمهور الأوسع في مواجهة الخرافات والمغالطات المتعلّقة باللّاجئين.

علينا أن نلتقي معاً ونبني شبكات واسعة ومترابطة على المستويات المحلّية والإقليميّة والدوليّة، إضافة إلى التعاون عن كثب مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني (الجمعيّات أو القواعد الشعبيّة التي ليس لديها تمثيل رسمي) والجمعيّات الدينيّة ووسائل الإعلام (لا سيما التقدميّة) والقطاع الخاصّ والمنظّمات الدوليّة. وفي هذا السياق، نذكر تحالف الجامعات الرائدة حول موضوع الهجرة (ALUM)، وهي شبكة من المؤسّسات الأكاديميّة التي يرتكز عملها على أبحاث السياسات في مختلف المجالات، وتضمّ حالياً 20 جامعة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا، وتسعى إلى نشر المعرفة الأكاديميّة في هذه المناطق.

التقى نحو 165 عضواً من التحالف في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وتناولوا حول دور البحث الأكاديمي في أزمة اللاجئين. وانطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة انخراط الأكاديميين وممارستهم دوراً مؤثراً، تعاوَنوا معاً لإطلاق “إعلان بيروت حول الهجرة” الذي يذكر بوضوح دور الأكاديميين في أزمة اللّاجئين الحاليّة والتزامهم:

  1. توفير الأدلّة بشكلٍ أسهل وأسرع لوسائل الإعلام والجمهور عموماً.
  2. تعميم الأدلّة والمُمارسات الفضلى حول حماية المهاجرين ودمجهم وعودتهم في إطار مسارات قانونيّة مطوّرة.
  3. دعم حصول المهاجرين واللاجئين على التعليم العالي.
  4. تعزيز اتّباع الممارسات السليمة في ما خصّ حصول المهاجرين واللّاجئين على خدمات الصحّة الجسديّة والنفسيّة، إضافة إلى تقيمها باستمرار.
  5. العمل مع العاملين في مجال الاستجابة للأزمة من أجل تقييم جودة المساعدات الإنسانيّة وقدرة الأشخاص الذين ينتقلون من مكانٍ إلى آخر على الحصول عليها اليوم.
  6. مراقبة التزام الحكومات وغيرها من الجهات الفاعلة في المشاركة في تحمّل العبء العالمي من أجل ضمان المحاسبة.

في زمن يدّعي البعض فيه أنّه مع “ما بعد الحقائق”، يبدو ضرورياً عرض الوقائع والأدلّة والنضال من أجل الحفاظ على قيمنا العالميّة المُشتركة. ففي حال تهدّدت قيمنا المُشتركة في ما خصَّ حماية اللّاجئين، فإنّ الانتهاكات التي ستَلي ذلك لا تعدّ ولا تحصى. وتَهويل الناس من “ذئب خيالي” سيجعلهم يصدّقون وجوده، وسيعمّ التحريض، كل واحد ضد الآخر سعياً إلى إنقاذ نفسه.

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: موقع درج

اترك تعليقاً