محمود صوان – صوت العاصمة
في قلب الجدل العقاري والسياسي غرب دمشق، يبرز حي السومرية كواحد من أكثر الأمثلة تعقيداً على تحول الاستملاك من مشروع خدمي إلى مركز نفوذ أمني وعسكري.
التقرير يكشف عبر شهادات حصرية، كيف تحولت أراضي أهالي معضمية الشام إلى ثكنات ومساكن لضباط النظام المخلوع، وسط غياب العدالة القانونية واستمرار الصراع على الملكية.
البداية: مرسوم رياضي يخفي نوايا أخرى
تعود جذور القضية إلى المرسوم رقم “436” لعام 1960، الذي نص على استملاك العقار رقم “3603” بمساحة 1000 دونم لصالح وزارة الشؤون البلدية والقروية، بهدف إنشاء أندية رياضية وحدائق عامة، لكن بعد ربع قرن، صدر مرسوم جديد (2431 لعام 1985) يغيّر الغاية إلى “تنظيم المنطقة”، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستيلاء والتوسع الأمني.
وبحسب وثائق، فإنّ ملكية العقار تعود لأهالي معضمية الشام، كما يؤكّد مستند رسمي صادر عام 1966 يوضح توزيع الأسهم.
ومع مرور الوقت، توسعت عمليات الاستملاك لتشمل أكثر من 90% من أراضي المدينة، حيث لم يتبقَ سوى 8.3% ضمن المخطط التنظيمي.
من أندية وحدائق إلى أبراج وثكنات
رئيس لجنة الاستملاك في معضمية الشام، حسن أبو زيد، يوضح لصوت العاصمة أن الاستملاك فقد شرعيته القانونية، إذ لم يُمنح الأهالي تعويض عادل، ولم تُستخدم الأرض للغايات المعلنة.
وكشف أبو زيد أن رفعت الأسد استولى على الأرض دون أي إطار قانوني، وأقام عليها أبراجاً سكنية للضباط وعناصر سرايا الدفاع، تحت غطاء “عقود إيجار مؤقتة” انتهت صلاحيتها بعد حل الجيش.
لاحقاً، تحولت المنطقة إلى ثكنة شبه مغلقة، تضم عائلات من عناصر الاستخبارات والفرقة الرابعة، إضافة إلى محال تجارية تبيع مواد مهرّبة وممنوعات، وكل ذلك تحت حماية أمنية مباشرة.
القضاء المعطّل: ملكية معلقة وتعويض مرفوض
رغم امتلاك الأهالي لسندات ملكية، يؤكد المحامي سمير زين الدين في تصريح لصوت العاصمة أن هذه الوثائق لا ترقى إلى قرارات قضائية بنقل الملكية، بل هي مجرد “إقرار حالة راهنة”.
وأضاف أن المحكمة لا تستطيع البت في الملكية بسبب غياب تمثيل المالك الأصلي في الدعوى، ولأن الأرض مسجلة باسم أهالي المعضمية في السجل العقاري.
ورغم مرور عقود، لم يتلقَ الأهالي أي تعويض، واستمرت محاولاتهم القانونية دون جدوى، بفعل سطوة الأجهزة الأمنية والعسكرية.
قرارات الإخلاء: بين التنفيذ والنفي
مصدر أمني أكد لصوت العاصمة صدور قرارات إخلاء بحق سكان الحي، مع تأجيل التنفيذ عدة مرات، ومع انتهاء المهلة، بدأت بعض العائلات بالمغادرة، بينما يرفض آخرون الامتثال.
الناشط منذر نتوف نفى وجود تهجير ممنهج، مشيراً إلى أن القضية تتعلق بعدم قانونية المساكن، وليس بخلفيات طائفية.
وبيّن أن العديد من العائلات انتقلت إلى معضمية الشام، حيث يعيش أبناء الطائفة العلوية في أحياء لم يتعرضوا فيها لأي مضايقات.
صراع الأجيال: هل يُعاد الحق أم تُكرّر المأساة؟
يبقى السؤال مفتوحاً: هل الإخلاء خطوة نحو إعادة الحقوق لأصحابها، أم تمهيد لمشاريع جديدة؟ أهالي المعضمية، الذين خسروا مساكن الشرطة بعد التحرير لصالح وزارة الدفاع، يخشون تكرار السيناريو ذاته.
ورغم المطالبات المستمرة بفتح ملف الاستملاكات، لم تتخذ الحكومة أي خطوات جدية.
حي السومرية ليس سوى نموذج من عشرات المواقع المصادرة، منها مطار المزة العسكري، مساكن يوسف العظمة، ومواقع الفرقة الرابعة، التي تحولت إلى أدوات نفوذ لا تعود بأي نفع على أصحابها.