تسجل نسب إشغال الفنادق في دمشق، مستويات قياسية منذ نحو سبعة أشهر، لم تصل إليها منذ نحو 15 عاماً، بلغت وفقاً لتقديرات عدد من مُلّاك الفنادق ومشغّليها، إلى ما بين 85% و98% في الفنادق الرئيسية في العاصمة.
وتحولت إلى ملاذ للوفود الدبلوماسية، والمنظمات الدولية، والفرق الصحافية القادمة إلى سوريا الجديدة، بينما يُمكن ملاحظة آلاف السوريين العائدين إلى بلادهم من دول غربية وعربية مختلفة، قاصدين هذه الفنادق للبقاء فيها لحين ترتيب أوضاعهم، وآخرين قرروا الزيارة في الوقت الحالي لا العودة النهائية.
ووسط تباين واضح بين الأسعار المقدمة للمواطنين الذين تُقبل منهم عمليات الدفع بالعملة السورية، وبين غير السوريين الذين يُشترط أن يدفعوا بالعملة الأجنبية: الدولار، أو اليورو، فإن هناك تفاوتاً كبيراً بين أسعار الغرف المقدمة في 22 فندقاً رئيساً في دمشق.
وتراوح أسعار الغرفة بين 130 و300 دولار بالنسبة لغير السوريين، وبقيمة أقل بنسبة 30% للسوريين، وهذه كلها تُدفع نقداً حيث لا تعاملات مالية في الأراضي السورية إلا بالنقد، إذ لا تعمل جميع خدمات البطاقات البنكية بفعل العقوبات التي جرى فرضها على سورية لسنوات طويلة.
وعلى بعد كيلومترين من الجامع الأموي، تزدحم صالة الاستقبال في “فندق شام”، رغم إبلاغ أحد الموظفين عند باب الفندق الزوّار بعدم وجود غرف شاغرة، وأسعار الغرف تراوح بين 130 و200 دولار.
وفي هذا الفندق الذي يحوي مئات الغرف الصغيرة والضيقة نسبياً مع مصاعد ضيقة توحي بأنها تعود لفترة التسعينيات، وقد تتوقف براكبيها في أي وقت بفعل انطفاء التيار الكهربائي المتكرر أو حتى تهالك وضعها الخدمي.
ويقول أحد موظفي الاستقبال إنهم كانوا يأخذون 30 دولاراً قبل سقوط النظام مقابل الليلة الواحدة، وإشغال الفندق كان أقل من 25% من طاقته، أما اليوم فالفندق ممتلئ وتم تحديث الأدوار العليا التي كانت شبه مهملة لاستقبال المزيد من الضيوف.
وأغلب ضيوف الفنادق الرئيسة في دمشق هم الوفود من المنظمات والشخصيات الدبلوماسية والفرق الصحافية، وبتكاليف مرتفعة مقارنة مع وضع هذه الفنادق التي يعود أحدث فندق فيها للعام 2001.
وتتميز هذه الفنادق بحماية أمنية عند بواباتها، وكذلك وضع كهرباء أفضل، مع وجود خدمة طعام، التي يفضلها الضيوف رغم ارتفاع أسعارها، بسبب تكرار حالات التسمم والمشاكل الصحية في الخارج.
علي ذياب، الذي يعمل مديراً إدارياً لفندق “الضيافة”، وهو أحد الفنادق التي تشهد اكتظاظاً كبيراً في دمشق، يؤكد أن قطاع الفنادق بات العامل الأهم لجذب العملة الأجنبية وتشغيل اليد العاملة في العاصمة السورية حالياً، مبيناً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الفنادق حرّكت السوق المحلية، بدءاً من المطاعم ووصولاً إلى سائقي التاكسي، واضطررنا إلى توظيف ثلاثة أضعاف العمال والمنظفين الذين كانوا لدينا بسبب الزخم الكبير الذي تواجهه فنادق دمشق”.
ومنذ سقوط نظام الأسد وخلال الأشهر اللاحقة، لجأ عدد كبير من أصحاب المنازل الكبيرة إلى تحويل منازلهم لفنادق ضيافة، فيما آخرون أجّروها لمنظمات ومكاتب إعلامية مقابل مبالغ مالية ضخمة تصل إلى أربعة آلاف دولار بالشهر الواحد، وفق أحمد بدوري، من غرفة سياحة دمشق.
ويقول بدوري، لـ”العربي الجديد”: “يمكن القول إن قطاع الفنادق والضيافة هو المحرك الأول الآن في السوق السورية، والوافدون بمختلف أنواعهم، الذين يصلون أسبوعياً إلى سورية بالمئات، كلهم يريدون مكاناً مريحاً ثم آمناً”.
ويقر بدوري بأن الأسعار مرتفعة جداً مقارنة بعواصم أخرى مجاورة، مثل بيروت وعمّان وحتى إسطنبول، التي تتوفر فيها خدمات فندقية عالية، بما فيها مستوى النظافة وباقي تفاصيل الراحة الفندقية.
وبدوره، يقول سعد الرحمون، من وزارة السياحة في العاصمة دمشق، إن هناك عدة عروض استثمارية من رجال أعمال سوريين قرروا العودة والاستثمار في بلادهم، وأغلبها في قطاع الفنادق.
ويضيف أن القطاع الفندقي سيبقى الأهم بالوقت الحالي في الوجهات الاستثمارية، وهذا يشمل حمص أيضاً في الفترة القريبة.
ويقدم النزلاء شكاويهم بشكل مستمر من رداءة الكهرباء والإنترنت، وتعطل بعض الأجهزة والخدمات أو عدم عملها، مثل المصاعد وشاشات التلفاز، وصعوبة وصول المياه إلى الغرف، فضلاً عن ضيق الغرف الموجودة.
ويقول كمال العباسي، وهو موظف من جنسية عربية ويعمل في منظمة أممية معنية بملف نزع الألغام ومعالجة المقذوفات غير المتفجرة ووصل الى دمشق مع زملاء آخرين له، إنه يدفع نحو 200 دولار يومياً على فندق يحمل علامة تجارية عالمية، لكنه فوجئ بعد قدومه بأن الفندق مُتعب للغاية.
ويؤكد العباسي أن اللجوء لاستئجار منازل كاملة بعقود شهرية أو أسبوعية أفضل بالنسبة للسوريين، لكن لغيرهم فإن البقاء بالفندق أفضل من نواح أمنية واجتماعية وخدمية مختلفة.
وتبرز بضعة فنادق تعد على أصابع اليد الواحدة تحمل تصنيف الخمس نجوم، مثل الـ”فور سيزونز”، استثناءات تقدم مستوى عالياً من الخدمة، لكنها لا تستقبل جميع الزبائن، بل تخصص طاقتها لاستضافة وفود دولية ومنظمات إغاثية بموجب ترتيبات مسبقة.
ووفقاًُ لأحد موظفي الفندق، فإنهم يواجهون منذ مطلع العام الحالي 2025 ضغطاً كبيراً في تلبية جميع الطلبات. أحد الصحافيين الأجانب وصف تجربته في أحد فنادق دمشق بأنها كانت سيئة.
حيث دفع الصحافي الذي يحمل جنسية برتغالية وجاء مع فريق لتصوير سلسلة تقارير عن سورية الجديدة، مبلغ 180 دولاراً لليلة الواحدة، مؤكداً أنه لم يجد إفطاراً، كما أن الغرفة بلا زجاجات مياه واضطر لشراء عدد منها من الخارج بسبب غلائها إذا ما تم شراؤها من الفندق ذاته، وتحدث عن عدم توفر أي إجراء أو قانون لحماية النزلاء، لكنه ذكر أن هذا متوقع في بلد خرج للتو من “محرقة ضخمة”، وفق وصفه.
ويؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي السوري فراس حداد، حاجة دمشق وحلب لأكثر من 100 فندق غير موجودة حالياً، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من القادمين.
ويضيف حداد أن الكثير من السوريين وجدوا في الذهاب إلى ساحة المطار والعمل سائقي أجرة أمراً مضموناً، بسبب كثرة القادمين الذين تكون وجهتهم عادة أحد فنادق العاصمة.
ويشير إلى أن العملة الصعبة التي تدخل البلاد من قطاع الفنادق والضيافة الفندقية بشكل عام تقدر يومياً بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، وهو رقم لم يكن يتحقق بشهر كامل قبل سقوط النظام، غير المهن التي تم استحداثها أو التي تضاعف عدد العاملين فيها.
ويحذر من أن استمرار هذه الفوضى في الأسعار والتباين بالخدمات، في غياب سلطة تنظيمية فاعلة، قد يطرد الزبائن الوافدين لاحقاً، ويؤثر على صورة البلاد في بداية مرحلة إعادة الإعمار، وأكثر من ذلك أنه قد يخلق سوقاً منافساً من خلال لجوء الناس لاستئجار منازل وشقق مفروشة بدلاً من الفنادق، كونها أرخص ويمكن للمقيم أن يجد مستوى خيارات كثيرة في هذا المجال، وأهمها الخصوصية، لمن يريد البقاء لأسابيع أو حتى لأشهر.
المصدر: العربي الجديد – بتصرف