بحث
بحث
لقطة جوية لأبنية مدمرة بمدينة حرستا بريف دمشق - صوت العاصمة

‏ عقارات مسلوبة… سوريون يطالبون بآلية لاستعادة ممتلكاتهم

يؤكد كثير من السوريين أن النظام السابق، أو متنفذين وتابعين له، سلبوهم منازلهم بأساليب من بينها التزوير والنصب والترهيب والابتزاز، ويطالبون الإدارة الجديدة بالعمل على استعادة ممتلكاتهم.

اضطر الطبيب السوري، عزيز عبد الرحمن، إلى مغادرة البلاد هرباً من الملاحقة الأمنية من قبل نظام الأسد، ويروي لـ”العربي الجديد”، أن قصته بدأت عقب مشاركته في تظاهرة كلية الطب ضد النظام في تشرين الثاني 2011، ما اضطره أولاً إلى ترك منزله في منطقة “المزة 86” إلى “المعضمية” الواقعة على الأطراف الغربية لمدينة دمشق، وقد بقي متخفياً هناك حتى تمكن من مغادرة البلاد.

كان الاستيلاء على العقارات نوعاً من معاقبة المعارضين ومكافأة المؤيدين

ويضيف: “تبلغت في عام 2014 بأن الفرع 205 التابع للمخابرات حجز على بيتي، وكنت قد أخذت عقد الملكية قبل مغادرة البيت، وآخر إيصال لتسديد فاتورة الكهرباء.

بقي البيت منسياً حتى عام 2021، حينها تواصل أحد الأشخاص مع والدي زاعماً أن لديه القدرة على فك الحجز، واستعادة ملكيته، وكان يريد في مقابل ذلك مبالغ مالية، وكان من ادعى لعب دور الوساطة يعلم أن والدي يعمل في دولة خليجية، بوصفه يحمل إجازتي هندسة في البترول والمياه الجوفية. قبل الوالد بالوساطة أملاً في أن يستعيد البيت.

ويتابع: “في أول الأمر طلب الوسيط أن أعود من ألمانيا إلى دمشق، وحين رفضت ذلك خشية الاعتقال، اقترح الوسيط أن أقوم بتسجيل مقطع فيديو أعتذر فيه عن معارضتي لنظام الأسد وأمدح فيه بشار، وأن أتوجه برسالة إلى الأفرع الأمنية لاستعادة بيتي، وحين رفضت هذا، اقترح فكرة (الوكالة العامة)، كي يقوم هو بفك الحجز بنفسه. قبلت بفكرة الوكالة ودفع رشاوى مالية بدعم من والدي الذي كان يريد استعادة المنزل بأي طريقة، وفعلاً وقعت الوكالة، ودفعنا نحو 13 ألف يورو، ثم تفاجأنا بعد ثمانية أشهر بأن الوسيط قام بإفراغ المنزل، وبيعه عبر الوكالة الموقعة مني، وبتنا غير قادرين على المطالبة به قانونياً”.

يضيف عبد العزيز: “بعد أن تحررت البلاد وسقط نظام الأسد، توجهت إلى سوريا كحال أي سوري يريد أن يكون بين أهله، وتواصلت مع ساكن البيت الذي أكد لي أن المنزل لم يكن باسمي حين اشتراه، إذ نقل الوسيط المنزل إلى ملكيته الخاصة قبل أن يعرضه للبيع، وعرفت بعدها أن الوسيط موجود في منطقة ركن الدين بدمشق، ولا أعرف تحديداً كيف أبدأ عملية استعادة منزلي الذي خسرته نتيجة هربي من البلاد، خشية على نفسي من بطش مخابرات الأسد، والتي أعتبرها شريكة في عملية الاستيلاء على بيتي”.

استعادة بعض الملكيات المسلوبة معقدة كونها غير مثبتة بالسجل العقاري

قصة أخرى من مدينة حرستا بريف دمشق الشرقي، بطلها أحمد نور الدين، وهو واحد من السوريين الذين فروا إلى خارج البلاد بسبب الملاحقة الأمنية، وبعد سنوات من اعتقاده بأن بيته تهدم نتيجة للقصف، أبلغه أحد أقاربه قبل عامين أن المنزل ما زال قائماً، وأرسل له مقطع فيديو للبناء، وحين حاول أن يستعين بقريبه للبدء بعملية ترميم المنزل، تفاجأ بأنه مباع لشخص من المدينة.

يقول نور الدين الذي يعمل مهندساً: “اكتشفت أن المنزل مسكون، وحين سألت رب الأسرة التي تعيش فيه، تبين أن جاري قد باع المنزلين معاً، بعد أن استخرج أوراقاً مزورة من مؤسسات النظام، تثبت أن الطابق الرابع من البناء مسجل باسمه، بما يسمى في سورية (طابو 2400 سهم)، أي إنه دمج منزلي في ملكيته، الأمر الذي مكّنه من بيعه، وبحسب معرفتي بالرجل الذي كان جاري لفترة طويلة، فقد كانت لديه علاقات مباشرة مع عناصر مخابرات ومتنفذين في مؤسسات الدولة، باعتبار أنه كان يعمل معقب معاملات، وهي مهنة يعرف عن أصحابها قدرتهم على دفع الرشاوى لموظفي الدولة”.

اشترت تغريد حمود منزلها في حي القدم بالعاصمة دمشق عام 1991، لكنها غادرته للنجاة بحياتها. وتقول لـ”العربي الجديد”: “تلقيت اتصالاً من الجيران الذين أبلغوني أن أشخاصاً سيطروا على منزلي.

في اليوم التالي، اتصلت على رقم الهاتف الثابت في منزلي، فاكتشفت أن من سيطر على البيت هو ابن المالك السابق، الذي باعني المنزل قبل 32 عاماً، وقد وجه إليّ شتائم لأنني قمت بإزعاجه. توجهت إلى القضاء، وحصلت على قرار لصالحي، فتوجهت إلى الأمن العام الذي رافقني إلى المنزل لاستعادته، لكن كانت هناك سيارات تقل أشخاصاً من ريف درعا، ليتبين أن من استولى على بيتي ينتمي إلى فصائل الجنوب، ما دفع دورية الأمن العام إلى عدم التصعيد، وحين راجعت قيادة الشرطة، طلبوا مني مراجعتهم بعد عدة أيام، لكن من دون جدوى”.

يشرف القاضي أنور مجني على البرامج في مؤسسة “اليوم التالي”، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني المهتمة بدعم التحول الديمقراطي، والتي عملت خلال السنوات الماضية على العديد من الأبحاث حول حقوق الملكية والسكن، كان آخرها تقرير بعنوان “ما بعد ثلاثية الحصار والتدمير والتهجير”، والذي شمل دراسة لسبع مناطق كانت تحت سيطرة النظام، وتبين فيها وجود أنماط متكررة من الانتهاكات.

يقول مجني لـ”العربي الجديد”: “كان هناك أشكال متعددة لعمليات السيطرة على الملكيات العقارية من قبل النظام وأعوانه كجزء من سياسة معاقبة المعارضين ومكافأة المؤيدين، ومن هذه الأشكال آليات قانونية، وفق مجموعة قوانين أصدرها النظام، فعلى سبيل المثال كانت محكمة الميدان العسكرية (قبل إلغائها) ومحكمة الإرهاب أداتين لمصادرة ملكيات المعارضين، على خلاف الدستور الذي يصون حق الملكية ويمنع المصادرة، ثم أصدر النظام قانوناً خاصاً لاستثمار الأموال المصادرة وفق هذه الآلية”.

يضيف القاضي السوري: “كان الأمر سياسة ممنهجة من خلال قيام متنفذين في النظام بالاستيلاء على أملاك المعارضين، سواء كانوا مهجرين أو معتقلين، وأحياناً كان يجري الاستيلاء على مناطق كاملة، مثل منطقة القصير التي جرى تهجير سكانها ومنع عودتهم، ليجري إحلال مجموعات مرتبطة بالنظام مكانهم. شكل آخر للاستيلاء تمثل في نشوء شبكات تتبع النظام، تقوم بتزوير الوثائق ونقل الملكيات العقارية مستفيدة من غياب أصحابها، أو عدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم العقارية، في ظل وجود قيد الموافقة الأمنية التي لا يمكن أن يحصل عليها المعارض”.

واستخدمت العقارات أيضاً وسيلة للابتزاز، إذ اضطر كثيرون إلى نقل ملكية عقاراتهم إلى أشخاص ضمن شبكات النظام في محاولة لمعرفة مصير ذويهم الذين كانوا مفقودين أو مغيبين في السجون والمعتقلات، ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد هذه العقارات، ولا يشمل ملف سلب العقارات الشخصية المناطق التي أصدر النظام مراسيم لاستملاكها بحجة التطوير العمراني، أو تنظيم مناطق المخالفات.

ويوضح مجني: “مسألة استعادة الملكيات تبدو معقدة بسبب وجود عدد كبير من الملكيات العقارية غير المثبتة في السجل العقاري بسبب وقوعها في مناطق عشوائية، إضافة إلى الحجم الهائل من الدمار، والتهجير، ومئات الآلاف من القتلى والمفقودين، وغيرها من التحديات، كما أن  آلية استرداد الممتلكات تختلف من حالة إلى أخرى، ففي حال كان الاستيلاء مادياً، يمكن لصاحب العقار طلب تسليمه العقار في حال وجود مغتصب العقار فيه، وفي حال كان الاستيلاء قانونياً، أي إنه جرى نقل الملكية في السجل العقاري، ففي هذه الحالة لا بد من السير في طريق التقاضي”.

ويختم: “على الإدارة الجديدة أن تولي هذا الملف اهتماماً، ليس فقط لكونه يتعلق بحق الملكية، وإنما لأثره في عودة المهجّرين، وبناء السلم الأهلي، وترميم النسيج المجتمعي، إضافة إلى أنه يشكّل إحدى آليات العدالة الانتقالية التي تضمن الاسترداد والتعويض، ويتطلب ذلك إنشاء هيئة خاصة لرد الممتلكات، والنظر في كل القوانين الخاصة”.

المصدر: العربي الجديد – بتصرف