كشفت وثائق بعد سقوط نظام الأسد في مقرّ المخابرات الجوية في حي المزة بدمشق، أنّ المخابرات الجوية أوعزت بضرورة إنتاج أفلام وثائقية، لتضليل الرأي العام السوري بعد اندلاع الثورة، وتدعيم سردية الأسد ضد المعارضة، و”ارتباطها بجماعات إرهابية عابرة للحدود”.
وبحسب الوثائق التي حصل عليها موقع درج، فإنّ المخابرات الجوية عملت على اقتراح إشراك مجموعة من الأساتذة الجامعيين في عملية صناعة الأفلام، على الرغم من أنّ هؤلاء الأساتذة كانوا يقومون في الوقت نفسه بدورهم الأكاديمي في تدريس المناهج وتخريج طلاب في اختصاصات مختلفة في الكليات والجامعات السورية، وكان على رأسهم الأستاذة في الكلية نهلة عيسى التي رُشحت لإخراج أحد الأفلام من “الناحية المنهجية”.
وتعد عيسى التي تدرس عدداً من المواد في الكلية من أبرز الوجوه في كلية الإعلام، وشغلت منصباً إدارياً فيها، وقد تمّ إيقافها عن العمل من قِبل وزارة التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال، إثر وقفة احتجاجية نظّمها طلاب أمام مدخل الكلية، رفعت شعارات من قبيل “لا لشبيحة الجامعة”.
وأشار التحقيق إلى أنّه مع اندلاع الثورة السورية، انطلقت مظاهرات عدّة في جامعة دمشق، وتعرّضت للقمع مباشرةً على يد “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، واعتُقل طلاب من كلية الإعلام، بعضهم قضى تحت التعذيب، كما يبرز اسم عيسى أثناء الحديث عن كلية الإعلام بصورة دائمة، لا سيما بسبب التهم الموجّهة إليها بترهيب الطلاب.
واستذكر الصحفي عماد خورشيد كيف استدعته نهلة عيسى في صيف العام 2011، عندما كان طالباً في الكلية، قائلاً: “قامت بتوبيخي بسبب مواقفي المعلَنة الداعمة للثورة السورية، ووجّهت تهديدات مبطّنة، ولكن لم أفهم تلك التهديدات على منحى شخصي”.
في حزيران 2011، ومع وصول الطالب عماد خورشيد إلى كلية الإعلام في جامعة دمشق لتقديم امتحانات التخرج، وجد على لوحة الإعلانات استدعاء له وزميله محمود علي، لمراجعة سكرتيرة نائب عميد الكلية للشؤون الإدارية نهلة عيسى.
في ذلك الحين، كانت قد مضت أشهر قليلة على اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، فيما لم يتبقَّ لتخرج خورشيد سوى تقديم امتحانين فقط، لكن مع وصوله وزميله محمود علي إلى مكتب السكرتيرة، وتُدعى سوسن، واستفسارهما عن سبب طلب المراجعة، طلبت منهما الأخيرة الانتظار وذهبت إلى غرفة مجاورة حيث أجرت اتصالاً، كما يروي خورشيد.
وأضاف: “بعد خمس دقائق فقط، دخل ثلاثة أشخاص إلى مكتب السكرتيرة، تبيّن سريعاً أنّهم من المخابرات السورية، مع طلبهم من خورشيد وعلي التوقيع على ورقة تبليغ لمراجعة الفرع 227 التابع للأمن العسكري (شعبة المخابرات العسكرية) بزعم وجود مشاكل في أوراق التجنيد يجب حلّها”.
وتابع خورشيد: “قبل أسبوعين فقط من تلك المحادثة، استدعتني نائبة عميد كلية الإعلام للشؤون الإدارية نهلة عيسى، وقامت بتوبيخي بسبب مواقفي المعلَنة الداعمة للثورة السورية، ووجّهت تهديدات مبطّنة، ولكن لم أفهم تلك التهديدات على منحى شخصي”.
واستطرد بالقول: “عندما طلبت منا السكرتيرة سوسن الانتظار، قرّرت اللحاق بها ورأيتها تتحدّث عبر الهاتف، وأخبرت زميلي محمود علي أننا قد نكون على وشك الاعتقال، لكن لأننا لم نكن متأكدين قرّرنا البقاء وعدم تثبيت التهمة علينا”.
ووفقاً للتحقيق، فإنّه ضمن إحدى الوثائق يرد اسم عيسى كعضو لجنة حكم، تم ترشيحها للمشاركة في إنتاج فيلم وثائقي، وتم ترشيحها لـ “إخراج الفيلم من الناحية المنهجية”، وتبرير ذلك يرتبط بتحصيلها العلمي، والأهم علاقتها مع الفيلم الوثائقي بشكل خاص، كونها ألّفت كتاباً عن الموضوع في عام 2020 صدر عن مطبوعات الجامعة الافتراضية السورية.
ونوّه التحقيق إلى أنّه من أهداف الفيلم الوثائقي: “إعادة ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية ورفع معنوياته وإضعاف معنويات المسلّحين وإحباطهم، وإظهار حقيقة قادة العمل المسلّح على أنهم مجموعة من الفاشلين الحاقدين وعديمي الضمير وبلا مبادئ، وتعزيز ثقة المواطن بالنصر وبخروج سوريا بقيادة بشار الأسد أصلب وأقوى”.
من جانبها، نفت نهلة عيسى الإشراف على أي فيلم وثائقي بناءاً على طلب من المخابرات الجوية في عهد الأسد، فيما لم تقوم بإنتاج أو كتابة سيناريو أي فيلم، على حد قولها.