بحث
بحث
عبارات على زجاج سيارة في إدلب - انترنت

سيارات السوريين… مساحات للتعبير

منذ سقوط بشار الأسد ليلة الثامن من كانون الأول 2024، تحوّلت سيارات السوريين إلى مساحات للتعبير السياسي، وهو ما يمكن ملاحظته في مختلف شوارع المدن السورية.

ألصق حسن أحمد على الزجاج الخلفي لسيارته تاريخ وتوقيت سقوط نظام الأسد، “شخصياً كنت ضد فكرة كتابة أي جملة على السيارة، إلا أن مناسبة تاريخية مثل سقوط النظام التي انتظرها السوريون ما يقارب 15 عاماً، تستحق أن تخلد بكل الطرق الممكنة”.

ويضيف “وجدت أن وضعها على الزجاج الخلفي للسيارة ليس من باب الزينة فقط، بل من باب المشاركة في حدث مهم في التاريخ السوري، وأعتقد إن كل من يقرأ الجملة سيسمعها بصوت المذيع الذي قالها للمرة الأولى ويتذكر تلك اللحظة بكل تفاصيلها ومشاعرها، ولن أزيل هذه العبارة عن سيارتي نهائياً”.

الكتابة على زجاج السيارات أو أي جزء منها ليست ظاهرة حديثة في المجتمع السوري، إذ إنها تعتبر واحدة من مساحات التعبير المنفلتة عن الرقابة بالنسبة للسوريين على الرغم من أن قانون السير يمنع وجود ملصقات على السيارات.

وكان الحال في زمن النظام السابق ينتهي غالباً بـ “طناش” شرطي المرور مقابل حصوله على رشوة مالية كبرت أو صغرت، كما أن شرطة المرور لم تكن تجرؤ في زمن الأسد على إزالة أي عبارة ذات طابع موالي للنظام.

يقول أبو علي، الذي كتب على سيارة النقل العام التي يملكها “من اليوم قهوتنا حرة مو مرة”: “لا أعتقد أن العهد الجديد سيمانع أي جملة تمجد الثورة أو إسقاط نظام الأسد، أردت التعبير عن فرحي بسقوط النظام ولم أجد أنسب من الكتابة على سيارتي هذه الجملة، التي أقول بها ما أشعر به فعلياً من فرح على الرغم من وجود بعض المنغصات التي تحدث هنا وهناك، إضافة إلى سوء الأحوال المعيشية الذي ما يزال مستمراً بشكل عام”.

يمكن اعتبار الكتابة على السيارات جزءاً من تفسير اللحظة الاجتماعية المتداخلة التي يعيشها السوريون بين الفرح ونشوة الانتصار والقلق المتزايد على مستقبل البلاد بفعل عدد كبير من العوامل.

حتى اليوم لا تزال بعض العبارات الموجودة على السيارات تأخذ طابعاً تقليدياً منذ ما قبل سقوط النظام، مثل “رميت في البحر همومي طلع السمك يلطم”، أو تلك التي تحمل مسميات مثل “أميرة حمودي”، إضافة إلى العبارات الدينية وخاصة “الشهادتين”، التي كان البعض يخشى من كتابتها على سيارته خشية من إلصاق تهمة “الإسلامي”، به من قبل “كتبة التقارير”، كما يقول يونس خليل الذي اشترى أخيراً سيارة تحمل لوحة “إدلب – تجربة”، في إشارة إلى أن السيارة واردة حديثاً من مناطق شمال غرب سوريا حيث السيارات أرخص بكثير من السوق الدمشقية.

ويقول لـ”العربي الجديد”: “حين اشتريت السيارة كانت العبارة موجودة، فأبقيتها ولن أزيلها، ولا أعتبر الأمر طائفياً أو ترسيخاً لمفهوم ما، وإنما آلية تعبير عما أريده فعلياً ولا أعتقد أن الأمر سيكون مزعجاً لأحد، ولا أقصد نهائياً من ترك العبارة التلميح لانتماء صاحبها لجهة أو قوة ما، وإنما في نوع من التعبير الذي لا أجده يتعارض مع حرية الآخرين الذين يكتبون على سياراتهم ما يحلو لهم”.

في المقابل، يقول محمد (اسم مستعار): “كنت أضع على سيارتي عبارة لا فتى إلا علي، مع ملصق لشكل سيف ذو الفقار، المعروف بأنه سيف علي بن أبي طالب، وقد أزلت الملصقين خشية من أن يُحملا على بعد طائفي على الرغم من أنها جزء من حديث نبوي شريف، لكن النظام بآلية تفكيره وأفعاله جعل من كل الأشياء قابلة لتحميلها البعد الطائفي”.

تبدو الكتابة على السيارات آلية تعبير واقعية لمشاعر كان السوريون ينتظرون الوقت المناسب للإفراج عنها وإطلاقها، والجمل المكتوبة على السيارات بتعدد أشكالها وأنماط التفكير التي تقف خلفها، وانقسامها بين التهكم والفكاهة والتعبير الرصين المباشر، تخرج من دائرة التعبير المستهلك، لتكون آلية عابرة لحدود الممنوع واستمرار لتحويل السيارات إلى مساحة بديلة للتعبير عن مجتمع كان يعيش حالة من الخنق المتعمد للرأي.

المصدر: العربي الجديد