قالت وسائل إعلام محلية إنّ هناك عشرات الجهات الرسمية التي تُعتبر جهات مسؤولية عن التسعير في سوريا لا يوجد أي تنسيق بينهم، حيث تُصدر كل منها أسعارها الخاصة لسلعها وخدماتها بمعزل عن بعضها البعض.
وبحسب تقرير لجريدة قاسيون، فإنّ دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك باعتبارها المسؤولة عن تسعير الكثير من السلع والبضائع إضافة إلى دورها على مستوى الرقابة تم إنهائه خلال السنوات الماضية بشكل شبه كلي، وكذلك أدوار بقية جهات التسعير الرسمية الأخرى.
وأوضح أنّ دور حماية المستهلك على مستوى التسعير المركزي لبعض السلع والخدمات في الأسواق بات محدوداً وشكلياً، حيث يتم الاكتفاء بإصدار النشرات السعرية المركزية من قبلها لبعض السلع والمواد استناداً إلى التكاليف المقدّمة لها من قبل الفعاليات الاقتصادية (منتجين ومستوردين) مع إضافة هوامش الربح المحددة لكل حلقة من حلقات البيع في السوق.
أما عن أسعار منتجات وبضائع معامل ومنشآت القطاع العام، أو تعرفة خدمات بعض الجهات العامة، فهي مرهقة بالتكاليف المضافة والمرتفعة، الناجم بعضها عن هوامش الهدر والنهب والفساد المعتادة، لذلك تكون مرتفعة عن شبيهاتها في السوق من إنتاج أو استيراد القطاع الخاص، وغير منافسة لها لا بالسعر ولا بالجودة والمواصفة، حسب التقرير.
بينما الأكثر سوءاً بهذا الصدّد – وفقاً للتقرير – فهو ارتباط التكاليف والأسعار بسعر الصرف “المتذبذب بمسيرته التصاعدية” انتقالاً من عتبة سعرية إلى عتبة أعلى، وصولاً إلى تبني سعر صرف تحوطي مرتفع من قبل الفعاليات الاقتصادية تُحسب على أساسه التكاليف والأسعار.
وأشار التقرير إلى أنّه من واجبات ومهام التسعير المركزي افتراضاً خلق حالة من الاستقرار السعري والمساهمة في تحسين جودة السلع والخدمات، وصولاً إلى تحقيق بعض التوازن والتناسب بين فروع الاقتصاد بحسب التوجهات العامة المخططة والمبوّبة بمشاريع معتمدة لكل قطاع حسب الضرورة والحاجة، بما في ذلك آليات التسعير الحمائية الضرورية في بعض الأحيان، سواء لمصلحة المنتج أو لمصلحة المستهلك، بالإضافة إلى التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وبما يخدم بالنتيجة الوصول إلى التنمية الاقتصادية ومعدلات النمو المنشودة.
لكن ما جرى ويجري في ظل فوضى التسعير وسياساته أنّه لم يتم تحقيق أي من مهام التسعير المركزي المفترضة أعلاه، بل الذي ساد هو سياسة سعرية احتكارية استفاد منها كبار أصحاب الأرباح (كبار المستوردين والمصدرين والناهبين والفاسدين والمهربين والمتحكمين بالسوق السوداء)، تبعاً للتقرير.
ونوّه التقرير إلى أنّ الحكومة تبنت سياسات التحرير السعري مع سياسات الانفتاح الاقتصادي منذ عقود، وهي ماضية فيها على قدم وساق، مقابل تبنيها سياسات تجميد الأجور بالتوازي مع سياسات تخفيض الإنفاق العام وسياسات تخفيض الدعم، وفي ظل تراجع الإنتاج والإنتاجية بنتيجة جملة السياسات الاقتصادية المتبعة، كان من الطبيعي أن تزداد معدلات التضخم، التي انعكست بدورها سلباً على الإنتاج وعلى الأسعار وعلى القدرة الشرائية للأجور.
ولفت التقرير إلى أنّ “تحرير الأسعار وفق النموذج الشكلي المتبع من قبل جهات التسعير الرسمية ووفق السعر التحوطي المرتفع المعتمد في التكاليف، لم يكرّس التشوّه في سوق السلع والخدمات فقط، بل كرّس المزيد من التشوّه على سعر الصرف والقيمة الشرائية لليرة، وبما يتجاوز الدولرة وتعويم سعر الصرف بأشواط”.
واختتمت الجريدة تقريرها بالقول إنّ “سياسات التسعير المتبعة منذ عقود، بآلياتها المتعددة بحسب تعدد جهاتها الرسمية المسؤولة عنها هي سياسات طبقية ومنحازة بكل جور وصلف لمصلحة كبار أصحاب الأرباح، على حساب الغالبية المفقرة والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية”.