لجأت شركات الحوالات السورية خلال السنوات الأخيرة لاعتماد فروعها ومكاتبها في لبنان كمنفذ للحوالات المالية بين سوريا وبقية دول العالم لتفادي مراسيم النظام السوري التي تجرم أعمال الحوالات ونقل والتعامل بالعملات الأجنبية.
وجاء لبنان دون غيره من دول الجوار نظرًا إلى المعابر المفتوحة بين البلدين، وخطوط النقل الخاصة المتنقلة عبرها بشكل شبه يومي، وفقاً لما ذكره صاحب أحد مكاتب الحوالات في تركيا لجريدة عنب بلدي.
يأتي العامل الأمني في مقدمة أسباب اعتماد أصحاب مكاتب الحوالات والصرافة التي تحمل طابع السوق السوداء على تحويل الأموال لوكلائها في لبنان كمرحلة أولية، تفاديًا للمساءلة القانونية، والتهديدات التي من المحتمل أن تواجه المرسل أو المرسل إليه في سوريا، في حال تبين حيازته عملة أجنبية أو مبالغ كبيرة تسلمها عبر منافذ غير رسمية.
ولا يمنع لبنان تداول وتسلم الحوالات بالعملات الأجنبية بخلاف العقوبات المفروضة على المواطن السوري في حال ثبت تداوله لعملات أجنبية وفقًا للمرسوم رقم 5 الذي صدر مؤخراً عن رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويتم التعامل مع الحوالات المالية الموجودة في لبنان إما بنقلها فيزيائيًا إلى سوريا عن طريق وسطاء وأشخاص على ارتباط بأجهزة الأمن السورية يغضون الطرف عن نقل الحوالات إلى سوريا، أو تُحفظ كسيولة في البلد الوسيط لبنان لحين الطلب أو التبادل التجاري بين المكاتب.
يأتي نقص سيولة المكاتب في بعض القرى أو المدن السورية غير المزدحمة سكانيًا وفي العاصمة دمشق أحيانًا بالدرجة الثانية كسبب يدعو بعض مكاتب الحوالات للاعتماد على دولة لبنان كمحطة لحوالاتها.
ويستدهي نقص السيولة تأجيل تسليم الحوالة إلى أن يتم تأمين المبلغ المطلوب ضمن المكتب، ويعد تحويل الأموال إلى سوريا عن طريق سائقي سيارات الأجرة العاملين على خط سوريا- لبنان إحدى طرق تأمين المبالغ المطلوبة، وفقًا لما ذكره صاحب مكتب الحوالات.
وفي حال كانت المبالغ المحولة كبيرة، يجري التنسيق مع الضباط السوريين واللبنانيين على الحدود بين البلدين ومع الحواجز العسكرية إن وجدت لتوفير حماية وتيسير طريق حاملي المبلغ، مع دفع نسبة غير ثابتة للضباط والميسرين مقابل السماح لهم بالعبور.
تختلف أجور الحوالات المالية المرسَلة من مختلف دول العالم إلى سوريا سواء عن طريق لبنان أو بشكل مباشر إلى المدن السورية، ويعتمد الاختلاف على عوامل عديدة منها ما يتعلق بمقدار المبلغ والمدينة المطلوبة كما تتفاوت الأجور من مكتب حوالات لآخر.
وتُستخدم عبارة مكتب حوالات في أغلب الأحيان مجازًا لعدم اعتماد غالبية العاملين بهذا المجال على مكاتب حقيقية وإنما على رؤوس أموال في نقاط ومدن وبنوك محددة وشبكة ضخمة من المعارف.
وتستوفى أجور الحوالات عادة من المرسل وتتراوح ما بين 0.3 و10% بحسب المبلغ، وعدد الوسطاء ما بين المرسل والمستقبل والعملة المطلوبة عند التسلم، وغالبًا ما تتناسب أجور الحوالات عكسًا مع قيمتها فترتفع نسبة الأجر كلما قل المبل وتقل مع زيادته.
ويعتبر التغير المستمر وشبه اللحظي لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي عاملًا مهما في أجور الحوالات وصرفها، وتحدد قيمتها أو أجورها تبعًا لسعر صرف الليرة في لحظة طلب العميل، ما يعني تغير سعر صرف الحوالات خلال اليوم الواحد مرات عديدة.
ويفضّل كثير من السوريين التحويل بالأسود على اعتبار أن أسعار الصرف المحددة من قبل النظام بعيدة عن القيمة الحقيقية للعملات، في حين وضع النظام السوري أسعار صرف متعددة للعملات الأجنبية أمام الليرة السورية في سبيل السيطرة على قيمة الليرة، والاستفادة من فروقات أسعار الصرف.
أثرت العقوبات المفروضة على النظام السوري على كافة المستوى المعيشي للسوريين في ظل سوء إدارة الحكومات المتعاقبة، ما أدى لزيادة حركة الحوالات المالية من المغتربين السوريين إلى ذويهم في الداخل بمحاولة منهم لدعمهم ماديًا، وبطبيعة الحال يتم إرسال الحوالات بالدولار أو اليورو.
نقص السيولة والتدهور الاقتصادي دفعا النظام السوري إلى إصدار مراسيم لضبط التعامل بالعملات الأجنبية، تهدف للتأكيد على منع التعامل بالقطع الأجنبي ضمن العمليات المالية التي لا تعود بنفع اقتصادي حقيقي عليه، مثل معاملات الصرافة اليومية، ونشاط مكاتب الحوالات المالية .
ويسعى النظام السوري إلى حصر خيارات المغتربين لتحويل أموالهم بطرق نظامية من خلال شركات الصرافة المرتبطة بالمصرف المركزي، رغم عرضه سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بأقل من سعر الصرف في السوق السوداء.
ويلجأ بعض الأشخاص لإرسال الحوالات إلى مكاتب الصرافة المرخصة في سوريا ومنها مكتب الهرم والفؤاد وشركة ويسترن يونيون لتفادي المساءلة القانونية والعقوبات المفروضة عليهم في حال كُشف أمر تعاملهم مع المكاتب غير الرسمية، التي غالبًا ما يتم التعامل معها بشكل سري وفي لقاءات خاطفة لتسلم الحوالات.
وتعتمد عائلات وأفراد في سوريا على الحوالات المالية المرسَلة إليهم من الأقارب والمُعيلين من مختلف دول العالم، نظرًا إلى شح الرواتب أمام غلاء الأسعار، ويدفعهم الفارق ما بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء لاختيار الحوالات بـ”الأسود”.