بحث
بحث
داريا - صوت العاصمة

أهالي داريا يبيعون منازلهم بـ”رخص التراب”

تشهد مدينة داريا بريف دمشق نشاطًا لإعادة ترميم أبنية متهدمة مع نشاط ملحوظ لحركة في بيع وشراء العقارات وسط عقبات قانونية وأمنية تعطّل هذه ضمن أحياء كبيرة في المدينة.

وتجري عمليات البيع والشراء بأسعار قليلة جداً عبر وسطاء أو وكلاء بأسعار منخفضة وتجري معظم عمليات البيع من بيوت وأراضٍ زراعية عبر عقود دون نقل ملكية، إذ يحتاج الشاري إلى إجراءات معقدة ودفع رشى لكتّاب العدل في المحاكم لاتخاذ هذا الإجراء، وفقاً جريدة عنب بلدي المحلية.

وتجعل هذه التعقيدات من نقل الملكية معاملة مؤجلة إلى أجل غير مسمى الأمر الذي أسهم في انخفاض الأسعار في حين بدت جليًا منذ سنوات رغبة حكومة النظام السوري بوضع يدها على بعض أحياء داريا من خلال مخططات تنظيمية وأبرزها حي الخليج.

وأوضح الوسيط العقاري أن عمليات البيع تجري عبر وسطاء ووكلاء في ظل غياب معظم الملاك الأصليين وتباع العقارات تحت صفات مختلفة كشقة معفشة، وعالعضم، ودار معفشة، وأرض بور، ومنزل بركامه، ومنزل منظّف.

وذكر أن عمليات البيع والشراء تجري ضمن المناطق التي سمحت قوات النظام لأصحابها بالعودة إليها، مشيراً إلى أن حي الخليج أبرز أحياء المدينة لم يشهد عمليات بيع مع وجود عارضين للبيع وبأسعار وصفها بالمغرية، باستثناء بعض الحالات التي تمت عبر وسطاء لهم علاقة مع جهات أمنية.

وأوضح أن المشترين كانوا ضباطًا أو مسؤولين لهم علاقة بالنظام ويعلمون مصير المنطقة إذ إن عملية البيع معقدة وفيها نسبة خطورة كما أنها تتم تحت ضغوط تعرض البائع للبيع بأقل سعر تحصيلًا لجزء من حقه.

وتباح المحال والعقارات بأسعار غير ثابتة في داريا، ولا تقدّر بالمساحة بل بحسب المنطقة ومدى إعادة تأهيله، إضافة إلى مبدأ العرض والطلب.

وتباع الشقق السكنية والمحال التجارية تحت أسماء عدة هي “معفشة أو نظيفة أو مدمرة” وغيرها، وتبدأ أسعارها من عشرة ملايين ليرة سورية إلى 300 مليون ليرة، ما يعادل بالدولار الأمريكي بين 730 و2200 دولار.

وارتفع عدد العقارات المعروضة للبيع مع تراجع الطلب خلال الأشهر الأخيرة بسبب رغبة الأهالي في بيع ممتلكاتهم للحصول على مكان آخر للعيش بسبب تردي الوضع المعيشي، والتراجع الكبير في الخدمات ضمن داريا.

وقال أحد سكان داريا ممن عرضوا منازلهم للبيع “الجنة بلا ناس ما بتنداس” مستدلاً بهذا القول على خلو المدينة من ساكنيها ومن الخدمات الأساسية، ما دفع به لعرض منزله للبيع والانتقال لمكان آخر.

وأضاف لعنب بلدي أن ثمن منزله المكون من أربع غرف ومساحته حوالي 120 مترًا مربعًا ربما سيمكنه من شراء منزل لا تتجاوز مساحته 70 مترًا.

وعرض مالك المنزل منزله للبيع على صفحات في فيسبوك مخصصة للبيع والشراء في داريا ويطلب سعرًا مبدئيًا 150 مليون ليرة سورية وينتظر حتى يكلمه زبون ليتفقا على السعر الذي يدفعه دون تفاوض يذكر.

وبحسب قانون أصدره النظام السوري فإن من تُنسب إليه تهمة دعم الإرهاب يمكن أن يُحجز على أمواله وهذا ما يخشى الأهالي حدوثه وبالتالي لن يتمكنوا من المطالبة بممتلكاتهم خشية التعرض للمساءلة والاعتقال.

وعرّف قانون مكافحة الإرهاب في المادة الأولى منه المصادرة على أنها الحرمان الدائم من الأموال المنقولة وغير المنقولة وانتقال ملكيتها إلى الدولة بموجب حكم قضائي.

وقال المحامي جلال أحد سكان مدينة دارية إن الأهالي تنبهوا خلال الفترة الماضية إلى زيادة الانتهاكات بحق ممتلكاتهم إذ بدأت السماسرة بالتعامل مع مزوّرين لتسيير عمليات بيع وشراء وهمية، خاصة العقارات التي هُجّر أصحابها من المدينة.

وأوضح المحامي أن المالك يحتاج في حالة تثبيت ملكية الأراضي والعقارات إلى إحدى الطرق مثل وجود “طابو أخضر” أو اللجوء لرفع دعوى في المحاكم بالنسبة للأهالي الذين ما زالوا في المنطقة.

أما بالنسبة للأهالي خارج داريا فهم بحاجة إلى توكيل محامٍ، لافتًا إلى أن هناك مساءلة أمنية للشخص الموكَّل، وهو ما يدفع المحامين لأن يرفضوا مثل هذه القضايا.

وإضافة إلى هذه المخاوف يصدر “جلس مدينة داريا بلاغات دورية لإنذار وهدم منازل من خلال تصوير البناء ونشره عبر فيس بوك ويرجع السبب إلى نصائح مهندسين محليين أو شكوى القاطنين في تلك المنطقة ولم تأتِ البلاغات وفق قرار رسمي واقتصر الأمر على نشر المجلس صورة للمبنى المراد إزالته مخطرًا أصحابه بالتعرف عليه والتواصل معه لإتمام عملية الإزالة.

وتغلب ملامح الدمار وبقايا القصف على حي الخليج الذي يمتد على طول المتحلق الشمالي للمدينة والمتاخم لسور مطار المزة العسكري.

وعمدت قوات النظام منذ بدء حملتها العسكرية على داريا في 2012 إلى تحويل هذه المنطقة حي الخليج إلى ساحة قتال ثم تفجير جميع منازلها وإقامة ساتر ترابي حولها لتصبح خط دفاع أول عن حرم مطار المزة وفق أهالٍ ومقاتلين محليين في داريا.

 بعد مرور سبع سنوات على تهجير قوات النظام لأهالي المدينة سمحت لمن تبقى من أهلها بالعودة إليها مجددًا على دفعات تحت مراقبة أمنية مشددة.

وقال أحد سكان حي الخليج إنه لم يتمكن من العودة إلى منزله الذي أصبح ركامًا، لكنه استطاع رؤية المنطقة التي كان يسكن فيها من مسافة بعيدة بسبب قرب منزله من حرم مطار المزة.

وأضاف أنّ المنازل في حي الخليج لا تزال على حالها مدمرة كما يحيط ساتر ترابي وأنفاق عدة بالمنطقة وصولاً إلى مطار المزة العسكري وهي واسعة بما يكفي لعبور دبابة من خلالها.

وأوضح بشير أنه لا وجود لأي حراس أو عناصر من قوات النظام يحيطون بالحي حيث يمكن للأهالي الدخول والتجول في حاراته إلا أنه لم يُسمح بإعادة تأهيل أي منزل هناك، لافتاً إلى أنّ التجول داخل الحي يكون سيرًا على الأقدام لأن الركام وآثار الدمار لا تزال حاضرة.

واضطر مالك أحد المنازل في حي الخليج بعد عودته إلى المدينة لاستئجار منزل في حيٍّ آخر، لكونه لم يستطع إعادة تأهيله ولا ترحيل الأنقاض لأن الحي لم يدخل ضمن إطار التنظيم الذي حدده مجلس داريا التنفيذي وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم عودة الأهالي، كما لم تجرِ أي عمليات لإزالة الركام أو تقديم أي خدمات لإعادة تأهيل المنطقة.

ووضعت حكومة النظام حي الخليج ضمن مخطط تنظيمي نشرته وزارة الأشغال العامة والإسكان السورية في 24 من نيسان 2018 إذ صُنفت المنطقة على أنها سكن عشوائي ونسبة الأضرار العمرانية فيها عالية وبالتالي تم التعبير عنها في هذا المخطط على أنها منطقة خالية من دون سكن.

هذا الأمر عزز المخاوف من امتداد القانون رقم 10 الى تلك المنطقة وإعلانها منطقة تنظيمية جديدة بذريعة معالجة مشكلة العشوائيات ومسح المنطقة بأكملها وتحويل الملكية العقارية المترية إلى ملكية عقارية سهمية فقط، دون أي حق بالتعويض لمن ضاعت ملكياتهم خاصة مع كون الأغلبية العظمى من سكان تلك المنطقة أساسًا من اللاجئين والنازحين خارج مناطق السيطرة الحكومية.

وبموجب القانون رقم 10 تم إقرار إقامة مدينتين سكنيتين واحدة منهما بشكل رئيس في داريا والثانية أيضًا جزء منها من داريا، الأولى يطلق عليها اسم باسيليا سيتي وهي المنطقة السكنية 102، وتقع على محور كفرسوسة – المزة – بساتين القنوات – داريا، أما الثانية وتحمل الرقم 101 فهي ماروتا ستي وتقع على محور جنوب المزة – كفرسوسة.

ونص القانون رقم 10 لعام 2018 الذي ينص على إنشاء مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية لا ينحصر تطبيقه في منطقة معينة بذاتها وإنما يشمل مختلف أنحاء سوريا سواء أكانت تحتاج إلى إعادة إعمار أو لا وسواء أكانت مناطق سكن عشوائي أم لا، حيث تحدد هذه المنطقة بمجرد صدور القرار الرسمي عن وزارة الإدارة المحلية بإخضاع تلك المناطق لذلك المرسوم، فيتم إعادة تقسيم المنطقة عمرانيًا، وتشييع الملكية العقارية فيها، ما يضع كل المناطق ضمن الجغرافيا السورية تحت سيف هذا القانون دون تحديد ودون ضوابط واضحة.