كشف تقرير أعدته صحيفة ذا تلغراف البريطانية عما أسمته “الظل المخيف لنظام الأسد على لبنان” وعقلية بشار الأسد في التعامل مع القضايا داخل سوريا وخارجها.
وأثبتت الصحيفة في تقريرها أن بشار الأسد كان في قلب العنف الإجرامي الذي مارسه نظامه ضد شعبه إما من خلال الإشراف على المجازر في مناطق المعارضة أو استخدام الأسلحة الكيماوية.
وقال معد التقرير الصحفي كون كوغلين والمختص بقضايا الشرق الأوسط إن قدرة الأسد على النجاة من أشد النزاعات وحشية رغم ما لديه من عيوب شخصية صارخة هو ما دفعه لكتابة كتاب عن الزعيم السوري وتحليل الطبيعة المعقدة والمتناقضة والعوامل المهمة التي أبقته في السلطة.
وأضاف بأنّ بشار الأسد لم يولد ديكتاتورا لكنه أنجز مهمة جيدة في ترويع شعبه وقتل ما يقدر بنصف مليون سوري وأجبر الملايين على مغادرة بيوتهم.
وكان بشار في سن 28 عاما يعيش حياة هادئة بعيدة عن الأضواء كطالب طب في لندن وكان خجولا ويتحدث بلثغة طفيفة ويعيش في شقة سكنية بمنطقة بيلغريفيا مع حارسيه السوريين ولم تكن لديه حياة اجتماعية ولكي يرتاح كان يستمع لأغاني فيل كولينز وويتنسي هيوستن.
وعندما عبر عن رغبة بإكمال دراساته الطبية في لندن بعدما حصل على شهادة من جامعة دمشق لم تكن الحكومة البريطانية مرتاحة لمنظور استقبال عضو بارز من عائلة الأسد في لندن ولم تكن العلاقات البريطانية – السورية جيدة وقد توترت بعد محاولات رجل أمن سوري تفجير طائرة إسرائيلية بمطار هيثرو عام 1986 إلا أن رجلا يعرف العائلة عرض التدخل لدى 10 داونينغ ستريت وعرض على بشار دراسة طب العيون في مستشفى ويسترن آي.
وأشار التقرير إلى اهتمامات الأسد بالتكنولوجيا وبخاصة الكمبيوتر وحالة خروجه من منزله كان يستخدم اسما مستعارا وبخاصة عند التواصل مع المجتمع العربي الحي في لندن.
ورغم جهوده الدراسية إلا أن المشرفين عليه لا يعتقدون أنه كان طالبا مبهراً وقال مشرف سابق له “كان مجتهدا ولطيفا بما فيه الكفاية للعمل معه ولكنه كان عاديا” ويتذكر المشرف الذي أشرف على الأسد خلال عام ونصف قضاه في لندن “في يوم جاءت سيارة ليموزين سوداء وأخذته ولم ير بعد ذلك” ووصلت طائرة خاصة إلى لندن لكي تأخذ الابن الثاني إلى بلده ولكي يخلف باسل الذي قتل في العام 1994 كوريث لوالده وبناء على أمر من حافظ الأسد قُدمت لبشار دورة أساسية في السياسة والمهارات الدبلوماسية والضرورية للسيطرة على سوريا المتشرذمة
وعندما وصل إلى الرئاسة عام 2000 تم الترحيب به كوجه للتغيير بعد 30 عاما من الحكم القمعي لوالده وكانت الصورة التي قدمها بشار للعالم في المرحلة الأولى من حكمه هي أنه متعلم وحركي وهدفه هو تحديث البلد وتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية راديكالية.
وأوضح التقرير أنّ بشار الأسد لم يتعلم بالغرب ولكنه تزوج فتاة جميلة عمرها 25 عاما والدها طبيب قلب في لندن اسمها أسماء الأخرس وكانت صديقاتها في لندن يطلقن عليها إيما وتخرجت من كينغز كوليج في لندن بشهادة في علوم الكمبيوتر.
وقال شخص يعرفها من الطفولة “كانت مؤدبة” وساعد زواجه من أسماء على اهتمام الغرب به فعندما رتب توني بلير رئيس الوزراء البريطاني للزوجين مقابلة الملكة عام 2002 كمحاولة منه للحصول على دعم سوريا في حرب العراق خرجت الصحافة البريطانية بتغطيات براقة ووصفت أسماء بالأيقونة.
وخلف الأضواء كان الأسد يعاني من الشكوك وبحسب صديق للعائلة “كان هناك شعور عند بشار أنه كان يحاول أن يكون شخصيتين في وقت واحد” و”نصف منه يحاول أن يكون مثل والده والنصف الآخر أن يكون مثل باسل” في حين قال معاصر آخر “كان بشار يعيش في ظل والده وفي ظل شقيقه الأكبر وكره عندما كان الناس يقللون من قدره”.
وعليه قام بشار الأسذ بقمع حركة الإصلاح الناشئة وهمش من شكوا في صعوده السياسي وقرب إليه الموالين وعين شقيقه ماهر قائدا للفرقة المدفعية الرابعة إلا أن العالم غض الطرف عن هذا فمع تكثف غيوم الربيع العربي عام 2011 نشرت مجلة فوغ صورة شخصية عن أسماء تحت عنوان “وردة في الصحراء” ووصفت فيها أسماء وزوجها وعائلتهما بأنها ديمقراطي، وبأنهما زوجان يقضيان الإجازات في أوروبا ويعززان المسيحية ويشعران بالراحة مع النجوم الأمريكيين وأهم طموح لهما هو جعل سوريا “أكثر الأماكن أمنا في الشرق الأوسط”.
إلا أن أي مظهر احترام راكمته عائلة الأسد عبر شركات العلاقات العامة تبخر في الوقت الذي شعر فيه النظام بأنه مهدد بسبب الاحتجاجات المعادية للحكومة.
وكانت الاضطرابات تغلي تحت السطح منذ تولي الأسد السلطة وعدم وفائه بوعوده وبعد أيام من اندلاع الاحتجاجات في آذار بجنوبي سوريا كشف الأسد عن وحشية مرضية وبناء على أوامره تم إنشاء جهاز أمني باسم “الخلية المركزية لإدارة الأزمة” بمهمة تحديد مركز الاحتجاجات واستهدافها بالمذابح والقمع وعلى قاعدة واسعة وفي حادث معروف بحي التضامن بدمشق في نيسان 2013 حفرت القوات السورية خندقا في واحد من الشوارع الرئيسية وأعدمت 280 شخصا رميت جثثهم في قبر جماعي.
وأقامت خلية الأزمة شبكة من السجون التي احتجز فيها المعارضون المشتبه بهم وعرضوا وبناء على أوامر من الرئيس لكل أنواع الانتهاكات واعتقلوا لأوقات طويلة تعرضوا فيها للتخويف والعنف الجسدي والجنسي بما في ذلك الاغتصاب، وعلى مدى عامين مات الآلاف من المعتقلين حيث قام مصور عسكري بتهريب الصور للموتى خارج البلد.
لم يكن الأسد نفسه قائدا طبيعيا وعانى من التردد ويقول المساعدون له إنه كان يغير رأيه 20 مرة مما جعل من الصعوبة بمكان على القادة الحصول على أوامر واضحة فمن جهة كان يعد بالإصلاح ويشرف على القمع من جهة أخرى وهو ما عقد على المسؤولين معرفة أهداف الرئيس، وأضاف تشوشا على رد النظام.
ويقول روبرت فورد الذي كان سفيرا لواشنطن في دمشق بداية النزاع إنه لا يشك ولو للحظة عمن كان المسؤول وأن الأسد لم يقم بأي محاولة للحد من المتطرفين في النظام ولم يكن يسيطر على الأساليب اليومية وأخبر المسؤولين البارزين في الأمن بالتصرف وكان يقول لهم “أنتم تعرفون ما يجب عمله”.
وكان الأسد وبدرجة أقل أسماء في حالة إنكار للعنف الجاري حولهما وعندما ووجه بتقرير أمنستي لاحقا رفضه الأسد “تستطيع تزوير أي شيء هذه الأيام ونعيش في عصر الأخبار المزيفة” وزعم أن صور الجثث في السجون هي عبارة عن “فوتو شوب”.
وفي الوقت الذي حاول فيه تقديم صورة رجل قوي يهاجم أعداءه إلا أن ضعفه انكشف عندما أصبح أكثر اعتمادا على إيران وبعد موافقة طهران على إمداده بآلاف المقاتلين الشيعة الأجانب أصبح الجنرال قاسم سليماني المسؤول الرئيسي.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي “وصل الأمر لحد ذهاب سليماني إلى الأسد ليخبره بما يجري وعلى سبيل المجاملة” ثم ذهب سليماني إلى روسيا وأقنع فلاديمير بوتين بالتدخل مما أنقص من قدر الأسد أكثر.
وقال ضابط سوري سابق “منذ اللحظة التي وصلوا فيها أصبح الروس هم الذين يملون الشروط ولم يكن لدى القادة الروس أي اهتمام بإعلام الأسد عما يحدث” وفي الوقت نفسه فشلت جهود أسماء في إبعاد نفسها عن المجازر عندما أعلنت الشرطة البريطانية عام 2021 أنها تحقق بالمجازر وهو تحرك قاد إلى محاكمتها وخسارتها الجنسية البريطانية.