في مقهى شعبي في وسط دمشق تعلو قهقهة مع كل نكتة تطال تقنين الكهرباء أو شحّ المحروقات أو تداعي قطاعات منتجة يرويها أعضاء أول فريق كوميديا ارتجالية في سوريا لا محرّمات فيها إلا السياسة والدين.
وبحسب وكالة فرانس برس فإنّ شريف الحمصي أحد أعضاء الفريق يفتتح العرض الأسبوعي بالحديث عن ميزات العريس في سوريا التي باتت تتخطى صفاته الحسنة لتطال مخزونه من محروقات وألواح طاقة.
وتسيل دموع بعض الحاضرين من فرط الضحك حين يروي كيف يسّوق لنفسه أمام فتاة أعجبته “تزوّجيني فمستقبلي مضمون عندي مئتا ليتر من البنزين وطاقة شمسية لتوليد الكهرباء وثلاث قوارير غاز”.
واعتبر شريف أنّ الوضع في سوريا “هستيري” وعلى فريقه مواجهة كافة الأزمات في البلد المليء بالكآبة بالضحك، مضيفاً أنّ “الجميع هنا متفقون على رغبتهم العارمة بالضحك ونسيان مشاكل يعجزون عن حلّها ولا يملكون حيالها سوى الضحك”.
وأسس شريف مع مجموعة من أصدقائه قبل نحو أربعة أشهر فريق الكوميديا الارتجالية الأول في سوريا وأطلقوا عليه تسمية “ستيريا” ليدمجوا بين كلمتي سوريا وهستيريا ويضم نحو 35 عضواً بينهم فتاة.
ويجتمع الفريق في منزل واحد من الأعضاء لتحضير مضمون العرض وما إن يرتجل أحدهم ويبدأ الحديث عما سيقدمه حتى يقوم الجميع بمساعدته وتدوين بعض الملاحظات والتعديلات وتقديم النصائح.
ويتناوب أعضاء الفريق على تقديم عروض أسبوعية فيما بينهم داخل مقهى “ديز” ذي الأضواء الخافتة وعادة يحضرها عشرات الرواد الذين لا يكلّون من الضحك.
ويقول ملكي ماردنيلي عضو آخر في الفريق نستقي نكاتنا من حياتنا اليومية المفعمة بالمعاناة ونتشاركها مع أشخاص عاشوا خلال 12 عاماً أنواع المصائب كافة.
ويقدم ماردنيلي دعابات باللهجة العامية ويقارن الحالة في سوريا بأوروبا وكيفية التعامل مع الأزمات.
ويتناول الفريق بشكل أساسي يوميات السوريين مع المشاكل الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية بعد 12 عاماً من الحرب ااتي تسبّبت بمقتل أكثر من نصف مليون سوري وأتت على الاقتصاد ومقدراته والبنى التحتية وشرّدت أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها.
ولا يتردد أعضاء الفريق في إلقاء دعابات حول تجاربهم الشخصية وعائلاتهم لكنّهم يتفادون القضايا السياسية والدينية، وفقاً للوكالة الفرنسية.
وقال أمير ديروان إنه دخل في حالة اكتئاب منذ مقتل شقيقته وابنها قبل عدة سنوات جراء قصف مدفعي ولم يتمكن من الخروج من تلك الحالة إلا بعد انضمامه لفريق “ستيريا” الذي وفر له منصة للحديث عن تجربته في الحياة.
وأضاف ديروان أنّ الدعابات باتت وسيلة “لمواجهة مخاوف نختزنها” مشيراً في الوقت ذاته إلى صعوبات يواجهونها في مجتمع لا يتقبّل أن نتحدث عن المحظور على غرار السياسة والدين والجنس.
وأشار ديروان إلى أنّ أعضاء الفريق لا يتطرقون إلى المواضيع السياسية لكنهم يلمحون أحياناً إلى مواضيع جنسية ودينية ضمن خطوط حمراء يعرفونها جيداً، مضيفاً “أتمنى أن يأتي يوم نستطيع فيه التحرّر فكرياً ومناقشة كل المواضيع من دون مخاوف”.
وتشارك ماري عبيد وهي الفتاة الوحيدة في فريق ستيريا في طرح الدعابات والتهكم على واقع المواصلات العامة والخاصة في البلد الذي يشهد أزمة محروقات خانقة منذ عدة سنوات.
ويصفّق الحاضرون بحماسة حين تردّد ماري “يمتاز باص النقل الداخلي بأنه يتسع لـ24 مليون نسمة على الواقف.. حفاظاً على التلاحم الوطني” ويضحكون معها حين تروي تجاربها مع وضع الماكياج عند انقطاع الكهرباء.