بحث
بحث
انترنت

العرب لم يقرروا بعد إعادة الأسد إلى الجامعة العربية 

وقف نشاطات نظام بشار الأسد في تجارة الكبتاغون تتصدر الاهتمامات العربية

كشفت صحيفة بريطانية أن الدول العربية لم تتخذ بعد قراراً بإعادة تأهيل بشار الأسد، مشيرة إلى أنّ عودته للمحيط العربي مرتبطة بالتنازلات التي بإمكانه تقديمها وعلى رأسها إيقاف صناعة وتجارة المخدرات. 

وقالت صحيفة فايننشال تايمز إنّ بشار الأسد عومل لفترة طويلة باعتباره منبوذ دوليا إلا أنه بدأ يقوم بدور مختلف في الفترة الأخير يتمثل باستضافة كبار الشخصيات العربية. 

وتشير سلسلة من الزيارات في الأشهر الأخيرة إلى أن عزلة الأسد الإقليمية التي استمرت اثني عشر عامًا قد تقترب من نهايتها مع القليل من التكاليف التي سيدفعها جراء الانتهاكات القاسية التي ارتكبتها قواته أثناء سحق الانتفاضة التي خرجت ضد نظامه وخوض الحرب الأهلية التي تلت ذلك. 

ويقول مسؤولون ومحللون في المنطقة إن الجدل يتحول من ما إذا كانت إعادة تأهيل الأسد أمرًا معقولاً على الإطلاق إلى التنازلات التي سيطلبها من دمشق.  

وبحسب الخبير السوري في معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا جوزيف ضاهر فإن التطبيع مع الأسد يبدو حتميًا بشكل متزايد ويضيف: “قد تكون هناك بعض الاختلافات بين الدول العربية لكن هذه الاختلافات بدأت تتضاءل بشكل كبير بينما تنامت مصلحة هذه الدول المشتركة في ترسيخ شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي الإقليمي”. 

وتقود هذه المجموعة الإمارات والسعودية اللتان التقى وزير خارجيتهما الأسد في دمشق في نيسان في أول زيارة علنية لمسؤول سعودي منذ عام 2011 وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة نظيره السوري إلى الرياض لمناقشة “عودة سوريا إلى محيطها العربي “. 

ويشعر الأسد بالثقة ففي اجتماع عقد مؤخرا لوزراء الخارجية ناقشوا فيه إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية قال المسؤولون إنه لم يبد أي اهتمام بالتسوية وقال مسؤول: “يريد السوريون الاستسلام التام” ويضيف “يمزح البعض حتى أنهم قد يطلبون اعتذارًا”.  

لا تزال بعض الدول العربية مترددة حيث أحجمت قطر والكويت عن دعم الخطط التي تقودها السعودية لدعوة الأسد إلى قمة جامعة الدول العربية هذا الشهر لكن كبار المسؤولين من العديد من الدول العربية بما في ذلك السعودية والأردن والعراق ومصر بدأوا العمل على القضايا التي يجب طرحها مع دمشق وقال أحد الدبلوماسيين إن مثل هذه المفاوضات ستختبر ما إذا كان الأسد “جادًا أم لا” بشأن العودة إلى المجموعة الدبلوماسية العربية. 

وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع الأسد في عام 2011 عندما بدأ قصف السوريين وتعذيبهم بالأسلحة الكيميائية كجزء من الجهود المبذولة لهزيمة التمرد الوليد الذي أدى الى نزوح أكثر من 14 مليون شخص داخليا أو لجأوا إلى الخارج. 

لكن الأسد تمسك بالسلطة بدعم عسكري من روسيا وإيران واستعاد السيطرة في نهاية المطاف على معظم البلاد الممزقة وسرعان ما تبع ذلك الضغط لإعادة إشراكه بقيادة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق في عام 2018 ثم البحرين. 

ويقول المسؤول الأمريكي السابق وزميل أقدم في السياسة العربية في مركز أبحاث معهد واشنطن أندرو تابلر إن “الضغط من إدارة ترامب منع الآخرين من المتابعة”. 

واستهلك التنافس بين إيران والسعودية المنطقة في تلك الفترة لذلك لم تكن هناك شهية تذكر لإعادة خطوط الحوار مع الأسد.  

ودعمت دول الخليج منذ فترة طويلة جماعات المعارضة وعارضت الوجود المتزايد لإيران في سوريا لكن المواقف تجاه طهران قد تغيرت مدفوعة جزئيا بما يقوله المسؤولون الإقليميون هو عدم وجود اتجاه واضح من الولايات المتحدة ورغبة الإمارات والمملكة في تهدئة التوترات مع إيران ووكلاءها ومهد هذا الطريق للانفراج الذي توسطت فيه الصين الشهر الماضي بين إيران والسعودية. 

قال أحد كبار المسؤولين السعوديين إنه في حين أن إعادة إشراك سوريا لم تكن “شرطا” للصفقة للتصالح مع إيران الا أنه “لأحدها تأثير على الآخر” مضيفا: “لا أعتقد أننا كنا سنتواصل مع سوريا إذا لم نتواصل مع إيران”. 

حتى تركيا وهي دعم رئيسي للمتمردين المناهضين للأسد أظهرت علامات مؤقتة على أنها يمكن أن تغير موقفها. 

وأضاف تابلر أنه في أعقاب زلزال فبراير الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا خففت الولايات المتحدة مؤقتا من قيود العقوبات لتسهيل تدفق المساعدات إلى سوريا مما خلق لحظة للقادة العرب لاغتنامها ما تسبب في دهشة المسؤولين الأمريكيين، وعلى عكس عام 2018 لم يتم مواجهة التحركات الأخيرة بتراجع قوي من واشنطن.  

يقول رئيس المجلس السوري الأمريكي محمد علاء غانم وهي مجموعة ضغط تعارض الأسد: “لم تكن سوريا أولوية قصوى لإدارة بايدن” وقال غانم إنّ “الولايات المتحدة انتقلت من “لا يجب ان تجرؤ على التطبيع مع الأسد” إلى “إذا طبعت مع الأسد فتأكد من حصولك على تنازلات منه “.  

وأشار إلى التصريحات الأخيرة لمسؤول أميركي كبير متطابقة قال إنه بينما يجب “معاملة سوريا على أنها مارقة” إذا أرادت الدول العربية إعادة إشراك الأسد فعليها “الحصول على شيء” مقابل ذلك. 

ويضيف غانم حتى الرياض التي قادت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة لدمشق لم تلتزم بعد بالتطبيع الكامل مع الأسد دون بعض التحرك من الجانب السوري. 

ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي قوله “فقط لأنك فتحت قناة للنقاش لا يعني ذلك انه يتم فتحه بالكامل ولكن بدون هذا النقاش لا يمكنك التفاوض بشأن ما تحتاجه”. 

وعقب اجتماع الرياض لوزراء الخارجية قال المسؤول إن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن ومصر والعراق اجتمعت للعمل على الخطوات التالية وقال الدبلوماسي العربي: “لقد توصلنا إلى إجماع حول القضايا التي يجب التركيز عليها” بما في ذلك المخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين “هذه قضايا نريد من النظام أن ينجزها”. 

واكتسبت المبادرة زخماً عندما التقى وزراء خارجية تلك الدول في عمان لمناقشة تلك القضايا وهذه المرة مع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.  

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية إن الاجتماع يهدف إلى مناقشة مبادرة بلاده “للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”. 

وأضافت وزارة الخارجية الأردنية إن دمشق وافقت على العمل على خطوات “لإنهاء تهريب المخدرات” على الحدود مع الأردن والعراق ومعالجة اللاجئين والمفقودين والنازحين داخلياً. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه قد يكون من الصعب إحراز تقدم كبير ويقول خبراء إن الزعماء العرب لن يضغطوا على الأسد بشأن الانتهاكات في زمن الحرب لتجنب لفت الانتباه إلى سجلاتهم في حقوق الانسان كما أن ملايين اللاجئين في الخارج الذين يخشون أن يجبرهم التقارب مع الأسد على العودة إلى سوريا هي أيضًا مشكلة مستعصية حيثُ لا يزال الكثير خائفين من العودة. 

لذا فقد تحول التركيز إلى الكبتاغون وهو عقار الأمفيتامين الذي يسبب الإدمان بشكل كبير والذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لدمشق وقد تأثرت السعودية والإمارات والأردن بشدة بتهريب المخدرات عبر حدودها. 

تقول الباحثة في تجارة الكبتاغون كارولين روز: “لقد صعد الكبتاغون الآن إلى قمة جدول الأعمال في مناقشات التطبيع” وأضافت روز: “لقد استخدم النظام تجارة الكبتاغون كوسيلة ضغط لكن من الغباء التفكير في أنهم سيوقفونها”. 

وبيّنت الصحيفة البريطانية أنه ليس من الواضح ما الذي ستعنيه إعادة تأهيل الأسد للمناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام بما في ذلك الشمال الغربي الذي يخضع إما لسيطرة المعارضة وتركيا والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. 

ووفقاً للباحثة في الشأن السوري في مجموعة الأزمات دارين خليفة إنّ “إعادة العلاقات السياسية مع الأسد تترك الأسئلة الرئيسية دون معالجة” مضيفة “لقد أثبتت دمشق مرارًا وتكرارًا أنها غير مستعدة لأي تنازلات في مسار الحل السياسي وهي الطريقة التي يعمل بها الأسد”.