بحث
بحث
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع بشار الأسد - انترنت

المبادرة الأردنية للحلّ في سوريا: شروط النجاح غير متوفرة

الأردن حدد مبدأ “الخطوة خطوة” في مبادرته، بحيث يقدم المجتمع الدولي المساعدات الاقتصادية للنظام ويرفع العقوبات عنه، مقابل إطلاق سراح المعتقلين وكتابة دستور جديد للبلاد

أعلن وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” الثلاثاء 21، عن وجود مبادرة أردنية لإيجاد “حلّ سياسي” للأزمة في سوريا، في استمرار لنهج سياسي أردني يهدف إلى التوصل لحل هذه الأزمة سياسياً، إذ يعدّ الأردن من أكبر المتضررين اقتصادياً وأمنياً من الصراع الدائر في سورية بحسب موقع العربي الجديد.

وأوضح المسؤول الأردني عقب لقاء جمعه مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن في العاصمة الأردنية عمّان، أن مبادرة بلاده تجاه الملف السوري “تنطلق من دور عربي مباشر وحوار سياسي لحل الأزمة وتفرعاتها الأمنية والسياسية”. 

وبيّن المسؤول أن عمّان “تنسق مع الأمم المتحدة لاطلاعها على المبادرة وتفاصيلها”، مشيراً إلى أن لقاءه مع المسؤول الأممي “بحث في المبادرة من زاوية التنسيق مع الأشقاء العرب، وتفاصيلها، وموعد إطلاقها بهدف التحرك العربي الجاد لحلّ الأزمة السورية، والتحرك وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة”.

وقال المسؤول الأردني: “هناك قناعة راسخة بأن الأزمة في سورية لا يمكن أن تستمر، وأن الحل السياسي هو مفتاح إنهائها، ونحن كعرب أولى بتصدّر طاولة الحوار لأن سورية بلد عربي، وتبعات الأزمة تؤثّر علينا أكثر من غيرنا”.

زخم عربي تستغله عمّان
وكان الصفدي زار العاصمة السورية دمشق منتصف شباط الماضي، والتقى رأس النظام السوري بشار الأسد بعد أيام من زلزال مدمّر ضرب الشمال السوري، بالتزامن مع زخم سياسي إقليمي وعربي في اتجاه التقارب مع هذا النظام الذي يرفض حتى اللحظة أي مبادرة لحل الأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254. 

وتعتبر زيارة الصفدي لدمشق أول زيارة رسمية لوزير خارجية أردني إلى سورية منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، سبقها لقاء الصفدي مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد على هامش الاجتماع الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2022. 

أجرى العاهل الأردني عبد الله الثاني في 7 شباط الفائت اتصالاً هاتفياً مع رئيس النظام السوري، قدم فيه التعازي بضحايا الزلزال، معرباً عن “تضامن ووقوف الأردن قيادة وشعباً إلى جانب سورية في هذه الكارثة، وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، واستعداده لتقديم ما يلزم للمساعدة في جهود الإغاثة”، وفق وكالة الأنباء السورية “سانا”.

وبدأ الأردن في عام 2021 الدفع باتجاه تغيير التعاطي السياسي مع النظام السوري، للتوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع الدائر في سورية منذ عام 2011 وكان الأردن من أكثر المتضررين منه اقتصادياً وأمنياً. 

وقدمت عمّان في حينه ما سمي بـ”اللاورقة” للإدارة الأميركية تتضمن 5 بنود للتعاطي مع النظام السوري، هي: صياغة نهج تدريجي نحو حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبناء الدعم للنهج الجديد بين الشركاء الإقليميين والدوليين، والسعي لاتفاق مع روسيا على هذا النهج، والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، ومرحلة التنفيذ. 

وتقوم “اللاورقة” الأردنية على مبدأ “الخطوة خطوة” بحيث يقدم المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية للنظام ويخفف بشكل متدرج العقوبات المفروضة عليه منذ عام 2011، ويدعم عمليات التعافي والاستقرار، ويمول برامج إعادة الإعمار، مقابل إطلاق سراح المعتقلين والانخراط الجدي في عملية سياسية وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات شاملة بناء عليه.

ولم تكترث الإدارة الأميركية بـ”اللاورقة” الأردنية، ربما لإدراكها أن النظام السوري غير معني بإيجاد حلول للأزمة لا تقوم على بقائه في السلطة. 

وسبق ذلك إعلان عمّان ودمشق في تشرين الأول 2018 إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين البلدين بعد إغلاق استمر سنوات عدة بسبب سيطرة فصائل المعارضة السورية على هذا المعبر، والذي يعد شرياناً مهماً للاقتصاد الأردني.

استمرار الأزمة يضرّ بمصالح الأردن
ومنذ ذلك الحين تواجه عمّان تحدياً كبيراً وهو عمليات تهريب المخدرات من مناطق سيطرة النظام إلى الأردن، في ظلّ وجود شبكات تهريب يُعتقد أنها تُدار من قبل مليشيات إيرانية وأخرى مرتبطة بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد وهو شقيق رأس النظام السوري. وأحبط الأردن الكثير من محاولات تهريب المخدرات من سورية إلى أراضيه، في سياق “حرب مخدرات” تشن عليه من الجنوب السوري.

وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني، حذّر منتصف العام الماضي، من استغلال الإيرانيين لأي انسحاب روسي من جنوب سورية، لأن أي فراغ يخلقه هذا الانسحاب “سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم”، في مؤشر واضح على أن لدى الأردن مخاوف جمّة على أمنه، ما يفسّر سعيه لإيجاد حلّ سياسي في سورية يبدد هذه المخاوف. 

ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم أن المبادرة الأردنية “ليست جديدة”، مضيفاً أنها “من صلب مبادرة عربية كشفت عنها أخيراً صحيفة وول ستريت جورنال، وتتضمن مساعدة النظام اقتصادياً مقابل قيامه بالعديد من الخطوات منها إيقاف تهريب المخدرات والحد من النفوذ الإيراني في سورية والتفاعل مع المبادرات والطروحات السياسية حول الحل”.

وأوضح سالم أن “الأردن هو من أكثر المتضررين من الحرب في سورية وخصوصاً من الناحية الأمنية، حيث يوجد تهديد لأمنه يتجلى في انتشار المليشيات الإيرانية على حدوده الشمالية مع سورية، وقيامها بتهريب المخدرات بطرق متعددة، بما فيها استخدام الطائرات المسيّرة”. وأشار سالم إلى أن “الأردن لديه مصالح اقتصادية في سورية من خلال تحريك المعابر الحدودية وهو ما ينعش الاقتصاد الأردني”، مضيفاً أن “أي حلّ سياسي يعني إعادة عشرات آلاف اللاجئين السوريين في الأردن الى بلادهم”.  

من جهته، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “شروط النجاح غير متوفرة للمبادرة الأردنية”، مضيفاً أنه “يجب أن يكون هناك توافق روسي أميركي على أي حل في سورية وهذا التوافق بعيد في الوقت الراهن”.

وحول هذه المبادرة، قال الباحث الاستراتيجي الأردني “عامر السبايلة” إنّ “الأردن على تماس مباشر مع الأزمة السورية بخلاف الكثير من بلدان العالم، وبالتالي فإن انتقال هذه الأزمة إلى حالة اللاحل والتعايش معها، يضع الأردن في مواجهة تطورات خطيرة، ليس فقط في ما يتعلق بموضوع الاقتصاد واللاجئين، بل بالأوضاع الأمنية والانتقال إلى مواجهة أمور الأرهاب والجريمة وتهريب المخدرات، وبالتالي فإن إيجاد صيغة حلّ هو جزء من الرؤيا الواقعية المرتبطة بالأردن”.

لكن السبايلة استبعد أن تكون لدى الأردن رؤيا واضحة للحل السوري، فكلّها “مجسات”، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن “الرؤيا الواضحة اليوم غير موجودة وقد انتهت فكرة الحلول السياسية، إذ إن عليك اليوم القبول بالنظام السوري كما هو”. ولفت إلى أن “المجتمع الدولي يقبل بهذا النظام، والعالم يتعايش مع سورية على أنها يجب أن تكون في أزمة، كما يتعامل مع الوضع والأزمات في العراق وليبيا واليمن”.

ورأى أنه “من الممكن أن تبحث عن حلول لكن ليس هناك وصفة حقيقية حتى الآن يقبلها النظام السوري ويقبلها المجتمع الدولي، فإما أن تضغط على النظام وهو يرفض ذلك، وإما أن تضغط على المجتمع الدولي وهو غير معني بهذه الضغوط”.

وأشار الباحث الاستراتيجي الأردني إلى أن “سورية اليوم هي جزء من الصراع الإيراني الإسرائيلي، والذي أحد محطاته الأساسية سورية”، معتبراً أن إسرائيل “لا تريد الوصول إلى حلول في سورية، لأن هذا البلد تحول إلى بلد مستباح، ويتعرض بشكل دائم للقصف والضرب”. 

ورأى السبايلة أن الحراك العربي “هو نتاج غياب أي حلّ على المستوى الدولي”، خصوصاً أن “الأزمة السورية لم تعد أولوية بعد الأزمة الأوكرانية، ولا بد من إعادتها اليوم إلى المستوى العربي، وبالتالي فإن ظهور محاولات لإعادة سورية إلى الجامعة العربية وبناء جسور تواصل مع النظام لبناء رؤية من الممكن أن ينتقل لاحقاً إلى المستوى الدولي”.

وأضاف السبايلة أنه “عندما كانت الأزمة السورية تؤثر على المستوى الدولي خصوصاً في ما يتعلق بقضايا اللاجئين والإرهاب، كان هناك تحرك دولي تجاهها، أما حالياً فإن استمرار الأزمة السورية لا يؤثر بشكل كبير إلا على محيطها الذي يحاول بناء حلول على المستوى العربي”.

واستدرك الباحث مشدداً على أن “كل هذا الحرك من الممكن أن يبقى مجرد جهود لا تعني شيئاً إذا ما استمرت الولايات المتحدة بفرض العقوبات وعدم رغبتها بتحريك هذا الملف”، ورأى أن “قانون قيصر أساسي في هذا الملف”.

واعتبر السبايلة أن التعامل مع النظام السوري هو تعامل مع الأمر الواقع، لافتاً إلى أن هذا النظام ينظر إليه من قبل الولايات المتحدة من زاوية روسيا، خصوصاً أن هناك اليوم حرباً مفتوحة بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى، متوقعاً أن تبقى الأزمة السورية مفتوحة بسبب هذه المعطيات.