بحث
بحث
انترنت

الأسد إذ يعرض بيع سوريا لبوتين

بشار الأسد عرض على بوتين تحويل سوريا إلى دولة مثل الشيشان، ولا مانع لديه أن يكون مثل رمضان قديروف

عندما يقال أنّ بشار الاسد “رحّب” خلال زيارته الاخيرة الى موسكو بتطوير وتوسيع الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإن ثمة خطأ فادحاً يرتكب بحق الرجل، الذي تفوق على نفسه في فهم الخطط الروسية الاستراتيجية، وفي تقدير موقع بلاده ضمن هذه الخطط، بحسب موقع المدن.

فحسب أقوال بشار الأسد المنشورة في دمشق وموسكو، لم يرحّب، لكنه قدم عرضاً رسمياً صريحاً لروسيا بأن تزيد عدد قواعدها العسكرية على الاراضي السورية، المحددة باثنتين، واحدة جوية في حميميم وثانية بحرية في طرطوس، وأن تضاعف بالتالي حجم قواتها المنتشرة في سوريا.

والاهم من ذلك، وفق التعبير الحرفي لبشار الأسد ألا يظل هذا الوجود العسكري الروسي مؤقتاً، محصوراً بمكافحة الارهاب الذي تم الانتصار عليه، بل أن يصبح في المستقبل، دائماً، كجزء من موازين القوى الدولية بين روسيا والغرب، لأنه، على ما قال، “لا يمكن  للدول العظمى اليوم أن تحمي نفسها أو أن تلعب دورها من داخل حدودها، لا بد أن تلعب الدور من خارج الحدود، من خلال حلفاء موجودين في العالم أو من خلال قواعد عسكري، إلى ما هنالك من نصائح قدمها للرئيس الروسي حول كيفية حماية مصالح بلاده ومكانتها كقوة عظمى عالمية، التي استعادتها جراء تدخلها في سوريا في العام 2015، حسب السردية التي راجت في دمشق في حينها.

والواقع هو أن الأسد عرض على بوتين فعلاً تحويل سوريا كلها وليس فقط بقعتين من شواطئها المتوسطية الى قاعدة عسكرية روسية متقدمة في مواجهة الغرب، ولعله في سرّه يفترض أنه يقدم هدية نفيسة الى روسيا، عندما يدعوها الى تعزيز انتشارها العسكري، وتاليا تعميق نفوذها  السياسي، في دمشق وحلب وحمص وحماة ومعها إدلب والرقة ودير الزور.

وهو ما يعني أن تصبح سوريا شبيهة الشيشان ورديفتها المشرقية، بغض النظر عن استعداده لأن يصبح نظير المقاتل الشيشاني-الروسي رمضان قاديروف.

الغريب ان موسكو لم ترد حتى الآن على هذا العرض السوري السخي الذي لم يسبق له مثيل، حتى عندما أغرق الاتحاد السوفياتي النظام السوري بالسلاح في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لمواجهة الاميركيين والاسرائيليين، فاستخدمه في لبنان.

ولم يعلق أحد من الروس، لا المسؤولين ولا الكتّاب على النصائح المجانية التي قدمها الاسد لبوتين حول سبل إدارة معركته مع الغرب، وموسكو ما زالت تلتزم الصمت حتى إزاء الشتائم الشخصية النابية التي وجهها الرئيس السوري من موسكو بالذات الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متمنياً له السقوط في الزلزال الانتخابي المقرر في تركيا في 14 أيار المقبل.

الأقرب الى العقل هو ان الكرملين كان ولا يزال يتعامل مع سوريا كدولة ذات سيادة في تحديد سياساتها وخياراتها واتخاذ قراراتها، وهو لا يرى في الأسد شبيهاً لقاديروف، بدليل “التساهل” مع محاولته تعطيل مسار التطبيع مع تركيا ورئيسها أردوغان، برغم ما لهذا المسار من أهمية حيوية لموسكو ولدمشق على حد سواء، وبرغم تسلل إيران عنوة الى هذا المسار أيضا، لرغبتها في ألا تكون غائبة عن صنع التاريخ السوري.

أما الاقرب الى المنطق في سلوك الأسد هو أنه يحافظ على هامشه الواسع في التعامل مع موسكو، ويعتمد على نظرية الخدمات والمنافع المتبادلة، وأهم ما فيها المجد والعظمة للروس، مقابل الاستقرار والاستمرار للنظام في دمشق، كما أنه يمضي قدماً في استفزاز تركيا وتحديها على أمل أن يكسب عناق الامارات ثم السعودية ومصر، من دون أن يخسر طبعا الحضن الايراني الدافئ، وهكذا سيظل يناور ويغامر ويقامر ويعتبر نفسه وبلده لاعباً اقليمياً وعالمياً لا يستغنى عنه.

قد لا يتمكن الأسد من بيع سوريا للروس، الذين لن يرغبوا بشراء بلدٍ مفلسٍ، أعباؤه أكبر بكثير من مزايا،. لكن البقاء في السوق بحد ذاته مكسبٌ أسديٌ لا شك فيه.