يوما بعد يوم باتت تداعيات كارثة الزلزال المدمّر تحل على السوريين في تركيا بشكل “مضاعف”، وبينما فقدت آلاف العائلات أبنائها تحت الأنقاض وأصبحت مشردة وبعيدة عن “موطن اللجوء الأول” تاركةً ورائها كل شيء تواجه الآن “حياة معقّدة تبدأ من الصفر”، وفي وقت لم يكن ذلك كفيلا بإسكات “أصوات عنصرية” لطالما كانت تتعالى ضدهم، خلال السنوات الماضية، بحسب تقرير نشره موقع الحرة نت.
وعلى مدى الأيام الماضية من الكارثة التي راح ضحيتها الآلاف من الأتراك وكذلك الأمر بالنسبة للسوريين وبالتزامن مع تواصل عمل فرق الإنقاذ في إجلاء المنكوبين والبحث عن أحياء استأنفت شخصيات سياسية مسارها الأول بحملات التحريض ضدهم.
عبر وسائل التواصل الاجتماعي اتهمتهم هذه الشخصيات بتنفيذ أعمال نهب وسرقة في المناطق المنكوبة، كما أثارت مشاعر عداء تدعو إلى طردهم والتضييق عليهم بزعم “خطرهم على الأمن القومي”، ما دفع السلطات لإصدار بيانات رسمية هاجمت من خلالها “مثيري الأخبار الكاذبة والاستفزازات”، وانضم إليهم صحفيون وكتاب أتراك وحقوقيون وعمال إنقاذ على الأرض.
وكغيرهم سكان المناطق المنكوبة في عشر مقاطعات تركية نال اللاجئون السوريين نصيبا كارثيا في عدّاد القتلى والمصابين والمشردين، وخاصة في أنطاكيا وكهرمان مرعش. المدينتان اللتان كانتا موطنا مفضلا للكثير منهم، بسبب القرب من سوريا، فضلا عن رخص المعيشية هناك.
ورغم أنهم ليسوا الفئة الوحيدة التي أصابها المصير المنكوب بل هم جزء من كل، إلا أن الكارثة التي يواجهونها تبدو “مضاعفة”، بحسب حقوقيين ومراقبين، من زاوية “الحياة المرّة” التي سيقبلون عليها من جهة، فضلا عن التحديات المتعلقة بطريقة إدارة ملفهم من قبل الحكومة التركية في الأيام المقبلة، وما يرافق ذلك من مشاعر العداء والاستياء، التي يصدّرها سياسيون في أحزاب المعارضة.
وعلى رأس هؤلاء السياسيين زعيم حزب النصر “أوميت أوزداغ”، إذ كان أول من وجه اتهامات السرقة والنهب، فيما كشفت وسائل إعلام تركية، يوم الثلاثاء، أنه التقى شبان قبل أيام من نشر تسجيل مصور لهم حمّل عبارات “خطيرة”.
وردد الشبان في التسجيل المصور الذي أثار استياء واستنكار كثيرين: “دعونا نطلق النار على السوري في هاتاي. دعونا نطلق النار على الأفغاني في كهرمان مرعش. كفى، دع هذا السلام ينتهي. انهض ببنادق الكلاشينكوف!”.
منذ مطلع العام 2022 كان “أوزداغ” قد حوّل وبالتدريج السوريين إلى “مادة دسمة” تتصدر برنامجه الانتخابي في البلاد، ورؤيته السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك لكن لم يكن من المتوقع أن يتجه لإثارة حملات التحريض في الوقت الذي ما يزال هناك الآلاف تحت الأنقاض، وتستمر الفرق بإحصاء أعداد الضحايا والمشردين.
وإلى جانبه كتب السياسي المعارض، محرم إينجه عبر حسابه في “تويتر”، قبل أيام: “أثناء التعامل مع كارثة الزلزال، تُلعب لعبة كبيرة في هاتاي. حدودنا مفتوحة والسوريون يواصلون القدوم. أنا أحذر 85 مليون مواطن”، ما استدعى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو للنفي، بقوله الاثنين: “المعلومات عن قدوم عدد كبير من السوريين إلى تركيا غير صحيحة”.
لماذا تبدو مضاعفة؟
وبالأرقام كانت مدينة غازي عنتاب التي أصابتها الكارثة تستضيف في السنوات السابقة النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في جنوبي تركيا، إذ احتضنت 460 ألفا و150 لاجئا تليها مدينة هاتاي بـ354 ألف لاجئ، وأورفا 368 ألف لاجئ، وأضنة 250 ألف لاجئ.
كما يعيش في كل من كهرمان مرعش وكلس وأديمان والعثمانية ودياربكر وملاطيا حوالي 550 ألف لاجئ، بحسب أحدث إحصائيات رئاسة الهجرة التركية، في مطلع فبراير الحالي.
ومنذ مطلع الأسبوع الفائت لم يتوقف النعي بين أوساط السوريين المقيمين في تركيا، ومن خلال مواقع التواصل كتب كثيرون أسماء ضحاياهم من أقاربهم ومعارفهم هنا وهنا، بينما اتجه آخرون للبحث وهم تائهين، في مسعى للحصول على أي خبر عن المفقودين.
في المقابل واجهت العائلات التي تمكنت من الخروج إلى ولايات تركية أخرى بعيدة عن الضرر الحاصل “كارثة” أخرى تتعلق بالحصول على منزل ورفاهية اختيار المنطقة المراد قصدها، بسبب الإجراءات القانونية التي تحد من تنقلهم في البلاد، والمكوث لفترات طويلة في أحياء ومناطق معينة دون غيرها.
ولم يتضح حتى الآن أعداد الضحايا السوريين الذين قضوا إثر الزلزال في الولايات الجنوبية، والأرقام المتعلقة بالعائلات المشردة، فيما لم يتكشف ما إذا كانت الحكومة التركية ستتكفل بدعم المنكوبين في المرحلة المقبلة، كغيرهم من المواطنين الأتراك.
ويشير الناشط الحقوقي المهتم بملف اللاجئين السوريين، طه الغازي إلى أن منظمات حقوقية تركية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” سيجتمعون الثلاثاء مع رئاسة الهجرة التركية، بُغية مناقشة واقع اللاجئين السوريين بعد الزلزال.
ووفق المعلومات التي استعرضها الناشط الحقوقي عَدُلت “رئاسة الهجرة” عن قرارها المتضمن إغلاق ولاية إسطنبول أمام قدوم اللاجئين السوريين، والذين كانوا مقيمين في المناطق المتضررة من الزلزال، كما سيتم النظر بواقعهم وفق عدة نقاط.
من هذه النقاط أن “اللاجئين الذين قدموا إلى إسطنبول وكان لهم أقرباء أو قاموا باستئجار منازل، سيحق لهم البقاء في الولاية (كفترة أولية) لمدة 3 أشهر، شريطة أن يقوموا بإبلاغ المؤسسات الحكومية (دائرة الهجرة، القائم مقام، المختار) بعناوين إقامتهم “.
بالإضافة إلى أن “اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى إسطنبول ولم يجدوا مأوى أو لم يكن لم أقرباء فهم مخيرون بين التوجه إلى مركز الإيواء Binkılıç في منطقة Çatalca وبين الانتقال إلى ولاية أُخرى”.
وكانت رئاسة الهجرة التركية قد ألغت، في اليوم الثالث من الزلزال المدمّر شرط استخراج إذن سفر بالنسبة للسوريين المقيمين في المناطق المنكوبة للتنقل بين المدن، فيما استثنى القرار مدينة اسطنبول.
وعادت السلطات لتسمح، يوم الاثنين، بعبور من يريد من اللاجئين إلى سوريا عبر البوابات الحدودية، مثل “باب السلامة” و”باب الهوى” و”الراعي” و”تل أبيض”، على أن لا تقل مدة الزيارة إلى هناك عن 3 أشهر، وتزيد عن 6.
“مؤشرات تنذر بالأسوأ”
يرى المحامي السوري المقيم في مرسين، غزوان قرنفل أن المؤشرات في الوقت الحالي “تنبئ بأن هناك ضيق وعودة لتصاعد خطاب العنصرية تجاه السوريين”، مشيرا إلى التسجيل المصور الذي حمل عبارات تعرض حياتهم للخطر.
ويقول قرنفل لموقع “الحرة”: “بين الفترة والأخرى أنادي بأن من حصل على فرصة للمغادرة الآمنة من تركيا إلى وجهة أخرى وبلد آخر يجب عليه أن لا يتوقف لأي لحظة”.
“لدي قناعة لا تحمل أدنى شكل بأننا ذاهبين نحو الأسوأ”
ويضيف المحامي: “الوضع الخاص بالسوريين مزريا خلال الكارثة. رغم الاستجابة الجيدة من جانب الجمعيات والسوريين باتجاه دعم أهلهم وناسهم لكن هناك تخبط في العمل وعدم تنسيق وعدم اتخاذ إجراءات صحيحة، لتنظيم الحالة مرة أخرى في الولايات”.
في المقابل اعتبر قرنفل أن “الجانب التركي مستقيل تقريبا من مسؤوليته اتجاه اللاجئين الذين أتوا من الولايات المنكوبة. باستثناء البعد الأمني”.
لكن وفي وقت كانت فيه شخصيات سياسية تحرّض اتجاه الوجود السوري في البلاد، خرج وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو بخطاب قبل أيام قال فيه: “حين يحدث الزلزال تتهم المعارضة السوريين بالسرقة والاغتصاب والنهب. نحن كلنا هنا متضررون من الكارثة”.
وأضاف: “ما الفائدة من تفريق الناس بناء على عرقهم ولونهم؟ حسنا. إذا كنتم تريدون هذا فلنترك السوريين هناك في البرد حتى يفارقوا الحياة. هؤلاء الناس لم يسرقوا بالأمس فهل يعقل أن ينتظروا الزلزال ليسرقوا؟”
وبعده خرج وزير الخارجية، جاويش أوغلو، ليعلق على مزاعم أن السوريين يتدفقون إلى داخل تركيا عقب الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وتسبب في مقتل أكثر من 37 ألف شخص في البلدين.
وقال إن “المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة يجري توصيلها من خلال معبر باب الهوى الحدودي، وإن تركيا مستعدة لفتح معبرين حدوديين جديدين من منطقة كلس بعد الزلزال”، مردفا أن “جميع هذه المعابر الحدودية من أجل المساعدات الإنسانية، ولا يعني ذلك أن السوريين قادمون إلى تركيا من خلال هذه المعابر”.
وفي ضوء تداعيات الكارثة على تركيا اقتصاديا واجتماعيا يعتقد الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، محمود علوش أن “الحكومة ستجد صعوبة في إدارة ملف اللاجئين بالطريقة التي اتبعتها سابقا”.
ويقول الباحث لموقع “الحرة”: “هناك ضغط اجتماعي متزايد ومتصاعد على الدولة من أجل إعادة السوريين إلى بلادهم، وفي جانب آخر هناك ضغوط اقتصادية جديدة”.
“الكارثة فرضت تحديات وخاصة في مناطق جنوب تركيا التي يعيش فيها الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين. هذه التحديات تفرض على الحكومة أن تتخذ إجراءات في هذه الفترة من أجل التخفيف من الأعداد”.
ويضيف علوش: “بتقديري وضع السوريين في الفترة المقبلة سيكون أصعب مقارنة بالفترات السابقة في ضوء هذه التحديات”.
في المقابل “ستكون الحكومة أمام اختبار في تعاطي وإدارة ملفهم، ولاسيما أن هناك عامل آخر هو الانتخابات. كلما اقتربنا من الموعد إن تم في هذا الصيف من الواضح أن الحكومة ستحاول الإظهار للشارع التركي أنها تعمل على معالجة الوضع، من خلال فتح المعابر وغير ذلك، لتسهيل عبورهم إلى سوريا”، وفق الباحث السياسي.