بحث
بحث
انترنت

روسيا تستخدم شركات سورية لتهريب الحبوب ودفع نفقات الحرب في أوكرانيا

تحقيق أمريكي يكشف دور سفن بحرية تعود ملكيتها للنظام السوري في عملية تهريب وسرقة حبوب من أوكرانيا

أجرت وكالة “أسوشيتد برس” وشبكة “فرونتلاين” تحقيقاً كشف أن سفينة “لاوديسيا” وسفن أخرى تعود ملكيتها للنظام السوري، هي جزء من عملية تهريب معقدة أدارتها روسيا واستخدمت معها بيانات وحمولات مزورة لسرقة كميات من الحبوب الأوكرانية، تعادل قيمتها   530مليون دولار أميركي، ساعدت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على دعم ورفد آلة الحرب لديه.

واستعانت “أسوشيتد برس” بصور الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الإرسال اللاسلكية البحرية في تعقب أكثر من ثلاثين سفينة قامت بأكثر من 50 رحلة بحرية وهي تحمل حبوباً من المناطق الأوكرانية المحتلة من قبل روسيا إلى موانئ في تركيا وسوريا ولبنان وغيرها من الدول، وراجع الصحفيون بيانات الشحن، وبحثوا فيما نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأجروا مقابلات مع فلاحين وشركات شحن ومسؤولين فيها للكشف عن تفاصيل عمليات التهريب الهائلة.

تورط رجال أعمال سوريين

وقال التحقيق إن رجال أعمال أثرياء وشركات تمتلكها الدولة في روسيا وسوريا يقومون بتنفيذ عملية السرقة المستمرة هذه، والتي يعتبرها خبراء في مجال القانون بأنها جريمة حرب، وبعض من رجال الأعمال والشركات التي تنفذ تلك العمليات خاضع لعقوبات مالية فرضتها عليهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويرجح التحقيق بأن سفينة “لاوديسيا”، البالغ طولها 138 متراً والتي حملت الحبوب والطحين، قد بدأت رحلتها من مدينة ميليتوبول الواقعة جنوبي أوكرانيا، بعدما سيطرت عليها روسيا خلال الأيام الأولى للحرب.

وذكر رئيس بلدية ميليتوبول، إيفان فيدوروف، بأن الروس نقلوا كميات هائلة من الحبوب من تلك المنطقة بوساطة القطار والشاحنات إلى موانئ في روسيا والقرم التي احتلتها روسيا في عام 2014. وعلى الرغم من إعلان روسيا ضمها للقرم، فإن الأمم المتحدة ما تزال تعتبر تلك الأراضي منتزعة بطريقة غير قانونية.

وتظهر مقاطع فيديو نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية تدفقاً مطرداً للشاحنات التي تقوم بنقل الحبوب، والتي تتحرك من الجنوب لتمر بالأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا، ويميزها حرف “Z” الذي طليت به جوانبها، وهو رمز حربي تستخدمه روسيا وقواتها المسلحة.

كما تظهر صور أخرى عربات قطار شركة “Agro-Fregat” وهي تمر بمرفأ مدينة فيودوزيا ضمن القرم، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية شاحنات وقطارات قد اصطفت في أثناء نقل شحنات الحبوب إلى السفن الموجودة هناك.

نقل القمح المسروق إلى الشرق الأوسط

بيد أن الكرملين أنكر سرقته للحبوب، إلا أن وكالة تاس للأنباء التابعة للدولة الروسية أوردت في 16 حزيران بأن كميات من الحبوب الأوكرانية قد تم نقلها بالشاحنات إلى القرم، ما أدى إلى وقوف طوابير طويلة عند نقاط التفتيش الحدودية. ثم أوردت تاس فيما بعد خبراً جاء فيه أن الحبوب القادمة من ميليتوبول وصلت إلى القرم مع توقع وصول شحنات إضافية، من المعتزم أن تصل إلى المستهلكين في الشرق الأوسط وأفريقيا.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 11 تموز سفينة “لاوديسيا” أمام رصيف ميناء فيودوزيا، إلا أن جهاز نقل الإشارات اللاسلكية فيها قد أوقف عن العمل، كما كان القسم المخصص للشحن فيها مفتوحاً، حتى يتم ملؤه بمادة بيضاء نقلتها شاحنات كانت تنتظر هناك. وبعد مرور أسبوعين على ذلك، وعند وصولها إلى ميناء طرابلس اللبناني، زعم المسؤولون بأنها كانت تحمل حبوباً من ميناء روسي صغير يقع على الجانب الآخر من البحر الأسود.

إلا أن نسخة من بيانات السفينة حصلت عليها “أسوشيتد برس” تذكر بأن ميناء الشحن الأصلي هو كافكاز، بروسيا، أما كمية الشحنة التي وردت في البيان فتعادل تقريباً 10 آلاف طن متري من الشعير والطحين الروسي المعبأ بأكياس، واسم شركة الشحن “Agro-Fregat ” والمشتري كان شركة “Loyal Agro”، وهي شركة بقالة تشتري بالجملة ومقرها تركيا.

ولم ترد شركة “Agro-Fregat” على الأسئلة التي أرسلت إليها عبر البريد الإلكتروني، وبعد فترة قصيرة من إجراء “أسوشيتد برس” للتحقيق، تمت إزالة الموقع الإلكتروني لتلك الشركة، كما بقي رقم الهاتف الذي أدرج في ذلك الموقع خارج الخدمة حتى الأسبوع الماضي.

نقل السفن إلى ميناء طرطوس

في حين ذكر ناطق باسم شركة “Loyal Agro” بأن الشركة تسلمت كمية الطحين التي تعادل خمسة آلاف طن، وبعدئذ تم نقل شحنة السفينة إلى ميناء طرطوس بسوريا، مضيفاً “عقدنا اتفاقية مع روسيا، فوصل الطحين من روسيا، ولو كان الطحين مسروقاً، لكانت السلطات اللبنانية قد منعت استيراده”.

ولم تحمل السفينة “لاوديسيا” شحنتها من كافكاز، أي من ذلك الميناء الروسي الذي ورد ذكره في البيان، كما أن بدن السفينة الذي يصل عمقه إلى ثمانية أمتار تحت سطح البحر، لا بد أن يجنح ضمن المياه الضحلة نسبياً في ذلك الميناء الذي يستوعب سفناً يصل أقصى عمق لها إلى 5.3 أمتار، بحسب جهاز تنظيم النقل الروسي، إلا أن ميناء فيودوزيا أعمق بمرتين، ما يعني إمكانية استيعابه بسهولة لأي سفينة كبيرة.

ثلاث سفن ملكيتهم للنظام السوري

وتعتبر سفينة “لاوديسيا” واحدة من بين ثلاث سفن شحن ضخمة تعمل لدى شركة “سيريامار” للشحن، التابعة لحكومة النظام السوري وتخضع للعقوبات الأميركية منذ العام 2015 لارتباطها بنظام بشار الأسد.

وتعقبت “أسوشيتد برس” عشر رحلات قامت بها تلك السفينة وشقيقتيها وهما “سوريا” و”فينيقيا”، من سواحل أوكرانيا إلى موانئ تركيا وسوريا ولبنان.

وتثبت التحقيقات أن شركة “United Shipbuilding Corp” متورطة بعمليات تهريب الحبوب، وهي شركة تعهدات دفاعية تابعة للدولة الروسية تقوم ببناء السفن الحربية والغواصات لصالح البحرية الروسية. إذ في نيسان الماضي، فرضت على تلك الشركة وعلى مديريها التنفيذيين عقوبات من قبل الولايات المتحدة وذلك لقيامها بتزويد السلاح للمجهود الحربي الروسي.

وقامت تلك الشركة، من خلال شركة “Crane Marine Contractor” الفرعية التابعة لها، بشراء ثلاث سفن شحن قبل أسابيع من غزو بوتين لأوكرانيا، لتبتعد بذلك عن مجال وجوهر عملها المتمثل بتقديم منصات رفع ثقيلة لصناعة النفط والغاز، في حين قامت السفن السورية الثلاث بما لا يقل عن 17 رحلة بين القرم وموانئ موجودة في تركيا وسوريا.

وخلال رحلة معتادة في أواسط شهر حزيران، التقطت الأقمار الصناعية سفينة طولها 1700 متراً واسمها “ميخائيل نيناشيف” بعدما تم تحميلها بشحنة من محطة آفليتا للحبوب، التي تسيطر عليها روسيا في سيفاستوبول بالقرم، بعدما تم إيقاف جهاز الإرسال اللاسلكي فيها، ثم قام طاقمها بإعادة تشغيل إشارتها بعد يومين عندما كانت في طريقها إلى وجهتها وسط البحر الأسود.

وانحرفت السفينة جنوباً نحو البحر المتوسط لتصل في 25 حزيران إلى دورتيول بتركيا، حيث ظهرت في فيديو حصري حصلت عليه “أسوشيتد برس” بعد مرور يومين على ذلك عند رصيف الميناء التابع لشركة “Metalurji” المتخصصة بإنتاج الفولاذ، كما يمكن مشاهدة الرافعات الموجودة على الرصيف وهي تحمل كميات كبيرة من الحبوب وترميها في الشاحنات التي كانت تنتظر لتنقلها إلى مكان آخر.

وشركة “MMK Metalurji” هي شركة فرعية تركية تابعة لشركة “Magnitogorsk” لأعمال الحديد والصلب وهي إحدى مجموعات الفولاذ الروسية الكبرى التي يسيطر عليها فيكتور راشنيكوف، وهو ملياردير روسي مقرب من بوتين، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عليه وعلى وشركته العقوبات، لتقديم إيرادات ومعدات لدعم المجهود الحربي الروسي.

وفي رسالة إلكترونية، ذكرت الشركة أن الحبوب قدمت من روسيا، موضحة أن المكان الذي ذكروا بأن الشحنة تم تحميلها منه هو ميناء كافكاز، وذلك بحسب تصريح الجمارك والتصريح الخطي الذي قدمته وكالة الشحن للشركة، وكما هي حال سفينة “لاوديسيا”، فإن سفينة “نيناشيف” أعمق من أن ترسو بميناء كافكاز.

ويقول المدير التنفيذي في شركة تحليل البيانات البحرية “وينوورد”، آمي دانييل، إن “السفينة عندما تنقطع إشارتها وتصبح مظلمة فإن ذلك يعتبر مؤشر خطر يدل على حدوث نشاط غير قانوني”، مشيراً إلى أنه “من عادة المهربين أن يزوروا بيانات الشحن وتصاريح الجمارك ليخفوا المنشأ الحقيقي للشحنة”.

وأضاف دانييل أن “تزوير الوثائق بشكل مخالف للقوانين أسلوب تتبعه الأطراف الفاعلة السيئة لتخفي أصل ومنشأ البضاعة التي تقوم بنقلها، سواء أكان الغرض من ذلك هو التهرب من العقوبات أو الاتجار ببضاعة محرمة، أو غير ذلك من الجرائم”.

ويبدو بأن رجل الأعمال الروسي فيكتور راشنيكوف، الذي يمتلك ثروة شخصية تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار، قد توقع أن تفرض عليه عقوبات، حيث سافر في يخته الذي يبلغ طوله 140 متراً والمعروف باسم “Ocean Victory” من دبي إلى جزر المالديف في المحيط الهندي، وهناك طبقت الحكومة العقوبات الغربية عليه، ولذلك قام الطاقم على ذلك اليخت الكبير بإيقاف تشغيل جهاز إرسال الإشارات اللاسلكية في الأول من آذار، ومنذ ذلك الحين أصبحت إشارة ذلك اليخت المخصص للحفلات والذي تبلغ قيمته 300 مليون دولار.

المصدر : تلفزيون سوريا