كيف يمكن لبائع دجاج أو سائق ميكروباص أن يتحول خلال سنوات الحرب السوريّة إلى رجل أعمالٍ مقرّب من النظام السوري؟ خضر طاهر، أو أبو علي كما يدعوه السوريون نسبة إلى اسم والده، أحد الرجال المفضلين لدى النظام خلال السنوات السابقة والذي استحوذ على ما يبدو على المقعد الاقتصادي لرامي مخلوف.
في سيرته تتضاربُ الروايات حول عمله الأول، وسواء امتلك سوبر ماركت أو باع الدجاج، تمكن الرجل بطريقة أو بأخرى من الصعود إلى موقع النخبة الاقتصادية المتحالفة مع النظام السوري.
برز اسم خضر طاهر خلال الأسابيع الماضية إذ انتشرت شائعات عن هربه وبحوزته 3 مليار دولار، وبحسب موقع “صوت العاصمة” استُدعي الخضر إلى التحقيق في أحد الفروع الأمنية، كما اعتقل الأمن ثلاثة من أبرز رجال أبو علي من بينهم كان صهره، الذي يعد واحداً من كبار التجار المرتبطين بخضر.
إلا أن تقارير صحفية استبعدت أن يكون خضر قد أقدم على الهروب، مرجّحة أن يكون قد غُيّب عن المشهد بالتنسيق مع الأسد وشددت على استحالة هروبه وهو يمتلك كتلة مالية ضخمة.
رئيس حركة “الشغل المدني” المحامي والمعارض عيسى إبراهيم كتب في منشور على فيسبوك، إنه جرى نقل خضر وأمواله إلى لبنان، بهدف حمايته وأمواله من سطوة روسيا، مضيفاً أنه تم نقله إلى منطقة نفوذ تاجر المخدرات نوح زعيتر في البقاع.
أبو علي وماهر الأسد
يذهبُ رجلُ أعمالٍ ويأتي آخر، لكن الأموال هي أموال العائلة الحاكمة مهما كبُر رجال الأعمال، إلا أن قراراً من “فوق” يهدمهم تماماً، نستذكر سلسلة فيديوهات رجل الأعمال المعروف المقرب من النظام، ابن خال الرئيس الأسد، رامي مخلوف وهو يشكو ما حل به ويلتمس بحبال الله والشعب قبل أن يركله النظام بعيداً.
وُلد أبو علي خضر في محافظة طرطوس عام 1976، بدأ نشاطه مع الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكان مسؤولاً عن عبور البضائع عبر الحواجز الأمنية بين المحافظات، خصوصاً تلك التي تعود إلى ماهر الأسد وهكذا صعد أبو علي سريعاً درج ثقة النظام ليصبح أحد أهم متعهدي حماية القوافل لمصلحة “الفرقة الرابعة” التابعة لماهر الأسد بشكل مباشر، وجنّد حوالى 2000 عنصراً من أهالي منطقته صافيتا، حتى بات يشتهر بلقب “أمير المعابر” بسبب سلطته الواسعة على حواجز النظام السوري ونتيجة علاقته الوطيدة بماهر تتلقى ميليشياته دعماً لوجستياً إيرانياً.
الثقة أوصلته بكل الأحوال إلى الدوائر القريبة من ماهر الأسد وهو ما منحه ثقلاً أكبر على الساحة السورية، حتى أن قناة “السورية الإخبارية” حذفت مقابلة لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، بعد أن قام بتسمية “أبو علي” خضر صراحة بمسؤوليته عن فرض إتاوات على المصانع الحلبية والتي استطاع بفضلها جمع ثروة طائلة من خلال فرض إتاوات بالملايين على التجار، وتحصيل الرسوم على الحواجز والمعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة ولبنان. وتشير معلومات نشرها مرصد “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي” أنه يتم ضمان المعابر مع مناطق بمبالغ طائلة، على سبيل المثال وصل ضمان المعابر في دمشق ودرعا والقنيطرة وحلب وحمص وحلب والرقة ودير الزور وغيرها في عام 2017 إلى حوالى مليار و400 مليون دولار، كان النصيب الأكبر منها لماهر الأسد.
اليوم علي هو واحد من سبعين شخصية من رجال الأعمال السوريين الذين يعتمد عليهم الأسد في التحايل على العقوبات الدولية، عبر شبكة من الشركات التي تتبع لهم داخل سوريا وخارجها.
أبو علي وسيدة الياسمين
ومع التقرّب من دائرة ماهر الأسد وجمع المزيد من الإتاوات توسعت أعمال خضر. وبالإضافة إلى سيطرته على المعابر، أسس عدداً من الشركات التي تعود بشكل أو بآخر إلى رؤوس النظام، فأسس شركة “قلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية” عام 2017 لتصبح هذه الشركة الذراع التنفيذي غير الرسمي لمكتب أمن الفرقة الرابعة ومسؤولة عن توفير حماية البضائع عند نقاط التفتيش.
عرفت سريعاً زوجة الأسد التي تطمح إلى بناء إمبراطوريتها الاقتصادية كيف تستفيد من ظهور أبو علي الطارئ، ولأن لا فرصة لأعمالها للازدهار تحت اسمها وضعت أبو علي واجهة لها. عرفت أسماء كيف تستفيد من خلق رجل أعمال كخضر، يمكن التحكم به إلى حد كبير عكس القريب رامي مخلوف الذي يعتبر نفسه من “عظام الرقبة”. ولذلك أغضبه إبعاده وعمد إلى إثارة الجدل، بالإضافة إلى كون خضر رجلاً حديث النعمة، ليس لديه مطامع سياسية، وهكذا أطلقت أسماء شركة “إيماتيل للاتصالات” تحت اسم أبو علي بهدف إزاحة شركة سيرياتيل التابعة لرامي مخلوف.
كذلك، أسس أبو علي شركة “إيلا” ميديا، وهي شركة إعلانات تُدير أكبر شبكة إعلانية كما أنه يمتلك شركة “إيلا” للسياحة ويرأس مجلس إدارة “الشركة السورية للإدارة الفندقية”. كما شارك في تأسيس شركة “الياسمين للمقاولات”، التي يمتلك 90% من نسبتها، وإلى جانب امتلاكه 50% من حصص الشركة السورية للمعادن والاستثمارات، ولا يمكن بكل الأحوال تصديق أن رجلاً ظهر من اللاشيء بات يمتلك فجأة 50% من الشركة السورية للمعادن، بالإضافة إلى أنه يحظى بنفوذ واسع في الدائرة المقربة من النظام.
بين العقوبات والهرب من سوريا
في أيلول/سبتمبر 2020، خضع أبو علي خضر للعقوبات من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب مساهمته في تمويل النظام وتورّطه في تجارة وتهريب الكبتاغون، وفق صحيفة نيويورك تايمز.
كما خضع لعقوبات قيصر بسبب تأسيسه الشركة الأمنية الخاصة عام 2017، وانشائه عدداً من الشركات الأخرى التي تُستخدم لإخفاء وغسل الأموال التي يتم جمعها بشكل غير قانوني عند معابر النظام ومن خلال النهب، وبسبب تحصيله الرسوم على الحواجز والمعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة، وكذلك المعابر مع لبنان والتي تذهب إلى ماهر الأسد في النهاية.
وسواء هرب أبو علي أو أُخفي عن الروس، إلا أن الواقع يقول بعدم وجود رجال أعمال في سوريا بالمعنى المتداول، هناك رجالُ أعمال يصنعهم النظام لخدمة مصالحه، فالمسرح السوري هو مسرح أسدي بامتياز، إلا أن الواجهة هي ألعاب ماريونيت تحركها أصابع النظام، ولم يكن رامي مخلوف إلا إحدى تلك الألعاب، لكن حتى هذه الألعاب لها مدة صلاحية، وهناك وقت يتخلى النظام عنها ويرميها في نار ديكتاتوريته أو على سقيفة الوطن في أحسن الأحوال.
المصدر: موقع درج