لأشهر طويلة، ظل الحديث موارباً عن الجهة التي تقف وراء دعم مهربي المخدرات إلى الأردن، وللمرة الأولى على الإطلاق، وجه الأردن اتهامات رسمية ومباشرة لإيران وميليشياتها في سوريا بالمسؤولية عن تهريب المخدرات، وبشكل غير مسبوق، قرر الإعلام العسكري الإفصاح عن معلومات كانت سرية إلى عهد قريب في هذا الملف، وذلك بعد أيام من مقابلة للملك الأردني عبدالله الثاني حذر فيها من استغلال إيران الفراغ الذي سيتركه الروس في الأراضي السورية، وذلك بعد 14 عاماً على إطلاق تحذيراته من سيطرة “الهلال الشيعي” على المنطقة.
ووفق هذه المعطيات، يبدو سيناريو المواجهة العسكرية بين الأردن وإيران في سوريا ممكناً وأقرب من أي وقت مضى، بخاصة أن تاريخ العلاقات بين البلدين حافل بالتوتر والاتهامات والعدائية، فضلاً عن أن الأردن تحول أخيراً إلى مركز عمليات عسكرية بديل للقواعد الأميركية التقليدية في المنطقة، على إثر توقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع واشنطن.
تصعيد إعلامي وتهيئة للشارع
حتى الآن، يكتفي الأردن بمواجهة مهربي المخدرات المدعومين من ميليشيات إيرانية، والتصعيد إعلامياً، وتغيير قواعد الاشتباك عسكرياً من الدفاع إلى الهجوم، بالتزامن مع زيارة مهمة قام بها العاهل الأردني إلى قيادة الجيش لإظهار الدعم، بعد ساعات من الإعلان عن مقتل مهربين مدعومين من إيران على الحدود الأردنية السورية، لكن أجواء التحشيد هذه لم تقتصر على الجانب الرسمي، إذ تصدرت وسومات من قبيل “الحدود تحميها الزنود”، على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تغنى آلاف الأردنيين وتناقلوا بكثافة صوراً وفيديوهات لوحدات من الجيش وهي تطلق النار على المهربين ومحاولي التسلل من الجانب السوري.
بيد أن تصريحات مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية العقيد مصطفى الحيارى حول السناريوهات المتوقعة في ما يتعلق بمواجهة عمليات التهريب، توحي بأن الأردن قد يذهب بعيداً للحفاظ على أمنه محذراً من أن ترك البلاد وحيدة في هذا المجال لا تحمد عقباه، واعتبر الحيارى أن أخطر التنظيمات الإرهابية في سوريا التي تهدد الأردن وتستهدف أمنه الوطني هي التنظيمات الإيرانية لأنها تأتمر بأجندات خارجية.
وفي منتصف مايو (أيار) الحالي، تحدثت عمّان عن سابقة هي الأولى من نوعها، إذ أحبطت قيادة المنطقة العسكرية الشرقية في الأردن، محاولة تهريب كميات من المواد المخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة “درون” آتية من الأراضي السورية إلى الأردن، وقبل ذلك بأشهر، كانت عمّان توجه تهديدات مبطنة لدمشق بضرورة العمل على وقف تهريب المخدرات، بعد اتهامات لها بالضلوع في هذه المحاولات.
تاريخ التهديدات الإيرانية للأردن
ويحفل تاريخ العلاقات الأردنية الإيرانية بالتوتر والبرودة، ولا يخلو من تهديدات وجهتها طهران أو أذرعها في المنطقة للأردنيين، كان آخرها على لسان قائد القوات الجوية في “الحرس الثوري الإيراني” علي حاجي زادة، الذي قال، إن “على الأردن ودول الخليج وأفغانستان إخراج القوات الأميركية من أراضيها طوعاً”، داعياً “دول المنطقة إلى السير على نهج البرلمان العراقي، وإلا فإن القوات الإيرانية ستخرج الأميركيين بالقوة”.
تصريحات زادة لم تكن الأولى من نوعها ضد الأردن، ما يعكس حقيقة ما تكنه إيران من عداء مستتر، إذ قال في تصريحات صحافية عام 2017، إن وحدة “فصائل المقاومة” التي “شكلتها إيران في سوريا انتصرت في حلب” على ما سماه “التحالف التركي الأردني الغربي”.
وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات الحرس الثوري الإيراني بمحاولة إيجاد موطئ قدم له على الأرض الأردنية، وتشكيل خلايا إرهابية نائمة، استناداً إلى تصريحات نسبت إلى قاسم سليماني قال فيها، “إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي تتحكم فيها، والبلاد تتوافر فيها إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها”.
وفي عام 2015، ألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على جاسوس يعمل لمصلحة إيران، كان مكلفاً إنشاء خلايا نائمة هدفها الإخلال بالأمن وتنفيذ تفجيرات ضخمة.
وتحدث العاهل الأردني عام 2021 عن خطر الطموح العسكري الإيراني في المنطقة، كاشفاً، للمرة الأولى، عن مهاجمة طائرات إيرانية المملكة في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، وعبر الملك الأردني عن قلقه من استمرار التهديد القادم من الحدود الأردنية مع سوريا، عبر وكلاء إيران وتنظيم “داعش” الذي لم يتم القضاء عليه بعد.
فزاعة الوجود الأميركي
وقد يتحول الوجود الأميركي في الأردن إلى حجة لدى الإيرانيين لاستهداف المملكة، إذ يُعد التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة وثيقاً، وشاركت القوات الأميركية مراراً في مناورات “الأسد المتأهب” التي تجريها عمان منذ سنوات، وخصصت أميركا عام 2018 حوالى 143 مليون دولار لدعم قاعدة “الأزرق” وتعزيزها، وتقول توقعات المراقبين، إن الأردن بحكم موقعه الجيوسياسي سيتحول إلى غرفة عمليات أميركية أوروبية في الإقليم، وهو ما يبرر التهديدات الإيرانية المبطنة له.
موطئ قدم إيراني
وقال السفير الأردني السابق في طهران بسام العموش، إن طهران “تحلم بتصدير الثورة الإيرانية منذ أن جاء الخميني من باريس، والأردن لم يكن بمعزل عن هذا الحلم”، واعتبر العموش أن “أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما، هما الأردن ومصر، لكن يبقى الأردن هو الصيد الذي تطمع به طهران”، وأكد أن سفيراً إيرانياً سابقاً في الأردن شكل تنظيماً مسلحاً، وحينما علمت السلطات الأردنية طالبته بمغادرة البلاد، واعتبرته غير مرغوب فيه، وأشار إلى محاولات عدة لـ “حزب الله” اللبناني، ذراع إيران في المنطقة، تهريب السلاح عبر الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية.
وكشف العموش عن عرض تلقاه من الإيرانيين حينما كان سفيراً في طهران، يقضي ببناء مطار في مدينة الكرك، جنوب الأردن، بهدف استقبال 1000 زائر إيراني يومياً، مضيفاً، “اشترطت عليهم توقيع اتفاق أمني فلم أتلق رداً، كما عرضوا تنفيذ مشروع مائي كبير في الأردن، لكنهم اشترطوا أن تكون العمالة إيرانية، ففهمتُ من ذلك أنهم يريدون الاستيطان تحت مسمى عمال”.
المصدر: اندبندنت عربية