بحث
بحث
اللاجئون السوريون في مخيمات لبنان يواجهون البرد بخيام مهترئة ـ درج

يحرقون بلاستيك وأحذية لتدفئة أطفالهم… أن تكون لاجئاً منسياً في لبنان

“إنه الشتاء، وتحديداً العاصفة “هبة” التي تهدد بالمزيد من البرد والضيق، الذي يرمى على كاهل الفقراء وخصوصاً اللاجئين، فتراهم يلهثون بحثاً عما تيسّر من حطبٍ وأكوام قشّ وأكياس وكراتين فارغة، ناهيك بالثياب والأحذية القديمة والبلاستيك، لإشعالها، أو يكتفون بتغطية أجسادهم وأجساد أطفالهم بالبطانيات، إن توفّرت.”

“كرمال الله ساعدونا”، هكذا تنهي عطور حربا (73 سنة) اللاجئة السورية في لبنان حديثها في الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

عطور واحدة من جدّات كثيرات يربين أحفادهن بعد موت الوالدين، إما في الحرب أو في رحلات اللجوء والتهجير التي لا تنتهي. كل ما أرادته السيدة المسنّة أن تشعل النار لتدفئة أحفادها في تلك الليلة الباردة من كانون، أحضرت تنكة وأشعلت فيها ما وجدته من خرق وأحذية قديمة، لكنّ الأمر انتهى بأن أحرقت يديها المنهكتين.

“روزنة” تواصل مع مقربين من عطور وتبين أن السيدة لا تصلها أي مساعدات، وهي تسكن في أحد مخيمات عرسال، حيث تشتد العاصفة الثلجية. وعطور تربي أحفادها بعد وفاة والدهم، وتعيش من أجلهم محاولة تأمين حياة طبيعية لهؤلاء، لكنها تعاني من أمراض كثيرة ولا تساعدها صحّتها المتعبة لتوفير ما يحتاجونه، مع انقطاع المساعدات… تطرح  عطور سؤالاً واحداً في وجه العالم: “أنا مرا كبيرة شو بدي أعمل؟ شو بدي أساوي؟”.

حقاً، ماذا بإمكانها أن تفعل؟

قصة عطور في البقاع الشمالي في لبنان، تشبه قصة أخرى في مخيم آخر في المنية- شمال لبنان. إنها قصة هيفاء، التي تعيش مع أولادها الأربعة وزوجها من دون أي مدخول، فكل ما يصل إلى العائلة هو مساعدات غذائية قليلة. تقول هيفاء: “زوجي بلا عمل، ابني (12 سنة) كان يعمل في سوبرماركت لكنه طُرد بسبب مزاج أحد الزبائن والآن يجلس بلا عمل. أولادي كلهم خارج المدرسة… ماذا أفعل؟”. تبكي قليلاً، قبل أن تستجمع قواها وتقول: “بعتولي تنكتين مازوت للتدفئة بأول الشتي وبعدين نسيوني”. 

مثل عطور، تجمع هيفاء الخرق والأحذية القديمة لتشعلها من أجل التدفئة، في غياب أي إعانة للاجئين وكذلك للمواطنين اللبنانيين، في بلد ترك الجميع في داخله معلّقين في المجهول.

إنه الشتاء، وتحديداً العاصفة “هبة” التي تهدد بالمزيد من البرد والضيق، الذي يرمى على كاهل الفقراء وخصوصاً اللاجئين، فتراهم يلهثون بحثاً عما تيسّر من حطبٍ وأكوام قشّ وأكياس وكراتين فارغة، ناهيك بالثياب والأحذية القديمة والبلاستيك، لإشعالها، أو يكتفون بتغطية أجسادهم وأجساد أطفالهم بالبطانيات، إن توفّرت.

وتزداد الأوضاع سوءاً هذا العام مع الغلاء الفاحش، والدولار الذي يناطح الـ24 ألف ليرة وقد وصل قبل أيام إلى الـ34 ألف ليرة، فيما برميل المازوت الصامد عند 150 دولاراً، بات حلم المساكين من لبنانيين وسوريين. وبذلك تتجدد مشاهد المخيمات التي تغرق في السيول والأطفال الذين يتجمّدون في هذه العاصفة التي لا ترحم.

أين المساعدات؟
وفق جولة لـ”روزنة”، تبيّن أن المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية لم تقدّم مساعدات كافية للشتاء، والمساعدات القليلة التي وصلت، تم توزيعها باستنسابية، بلا تنسيق بين الجمعيات، بحيث تصل مساعدات كثيرة للبعض، فيما لا يصل شيء للعائلات الأخرى، ويخضع ذلك للعلاقات والواسطات، من دون تنظيم واضح لوصول المساعدات.

يقول الناشط السوري ماهر المصري لـ”روزنة”: “نحاول أن نضع آلية للمساعدات مع الجمعيات، لكن لا سلطة لنا عليها، وبالتالي تخضع هذه المعونات للاستنسابية والمزاجية، ما يحرم كثيرين حقهم في المساعدة”. ويضيف: “في عرسال، هناك عائلات حصلت على 80 ليتراً من المازوت للتدفئة، فيما عائلات أخرى لم تحصل على شيء”. علماً أن الصوبيات (وسيلة للتدفئة) الموجودة في هذه المخيمات قديمة وغالباً ما لا تفيد الغرض منها، بخاصة أن اللاجئين يضطرون إلى إحراق أي شيء داخلها، كالبلاستيك مثلاً، ما يعرّضهم للخطر، ناهيك بالضرر البيئي والصحي من إحراق مواد من هذا النوع.

قبل أسبوع تقريباً، كان اللاجئ عبدالله سيف الدين (عرسال) يحاول إشعال الصوبيا، فانفجرت المواد داخلها، ما أدى إلى حريق كبير في خيمته، وأصيب وزوجته وطفله الرضيع بحروق خطيرة، وما زالوا يتلقون العلاج في منزل الأقرباء، مع أن حالة الزوجة تستدعي الدخول إلى المستشفى، وفق معلومات “روزنة”. ولحسن حظ عبدالله أنه حصل على بعض المساعدات من بطانيات وأغراض مطبخ، إضافة إلى مبلغ 100 دولار.

يروي المصري: “في بداية موسم الصقيع وزعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مبلغ مليون و800 ألف ليرة لبنانية كمساعدة شتائية، وكان ثمن تنكة المازوت الواحدة حينها نحو 450 ألف ليرة، ما يعني أن المبلغ لا يشتري إلا أربع تنكات، لا تكفي شهراً واحداً في هذا الصقيع”. وبعد ذلك أصبحت المساعدات بلا آلية واضحة.

يوضح ناشط سوري رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية أن “المساعدات التي وصلت إلى لبنان لمخيمات اللاجئين، تمّ توزيع بعضها في البقاع، إلا أنها تكاد تختفي في مخيمات الشمال الأكثر حاجة، لا سيما في عكار وحلبا، حيث يواجه اللاجئون البرد بلا أي دعم”.

في أيلول/ سبتمبر 2021، أعربت وكالات أممية عن قلق بالغ إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للاجئين السوريين في لبنان، لافتة الانتباه إلى أن جميع اللاجئين السوريين باتوا عاجزين تقريباً عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.

وكشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2021، عن وضع بائس يُرثى له، إذ إن تسعة من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع.

وفقاً للتقييم، فقد واصل غالبية اللاجئين، الاعتماد على استراتيجيات مواجهة سلبية للبقاء على قيد الحياة، مثل التسول أو اقتراض المال أو التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد الإيجار.

ويشير التقييم إلى أن عام 2021 شهد ازدياد عدد أفراد الأسر الذين اضطروا إلى قبول وظائف زهيدة الأجر أو شديدة الخطورة أو نوبات عمل إضافية لتأمين الدخل نفسه الذي كانت الأسرة قادرة على توفيره عام 2020.

والآن فيما يتساقط الثلج والمطر بغزارة لا سيما في المناطق الجبلية والمنسية، يجد اللاجئون أنفسهم بلا دعم حقيقي في خيم هشة وباردة. يعكس هذا الوضع بشكل جليّ غياب الخطط المستدامة لقضية اللاجئين، مثل تجهيزهم ببنى تحتية ومساكن ملائمة تحميهم من الظروف المناخية ولا تعرّض حياتهم للخطر… وحتى يأتي ذاك اليوم، كم من جدّة وأب وأم وأخ وطفل سيحرقون أيديهم بحثاً عن الدفء؟

المصدر: موقع درج