بحث
بحث
مطار دمشق الدولي ـ أرشيف صوت العاصمة

بوابة الجوّ السوري وحرّاسها

قد يمتلك الانسان في دول أخرى علاقة أكثر اتزاناً مع مطار بلده، بحيث أنه مرفق خدمي يوفر له التنقل الحر والسهل لأي هدف من الأهداف الشرعية، وقت يشاء، ولا يطغى فيه الأمني على المدني

تمتلك المطارات طبيعة خاصة، فهي أماكن أمنية وخدمية في آنٍ معاً، إذ لا يمكن فصل الجزء الأمني عن الخدمي، ما يجعلها مثالاً جيداً عن خطوط تماس مباشرة بين الناس والسلطات في أي بلد. وتفيد مراقبة دقيقة للشكل العمراني والتنظيمي للمطارات كمبانٍ، والقواعد والقوانين الناظمة للحركة والخدمة داخلها، إضافة الى سلوك الناس وقصصهم مع هذه المساحات، ومع مستوى خدمة المواصلات منها وإليها، في فهم الكثير، سواء بما يخص علاقة البلد والشعب بالسلطة، أو علاقة هذه السلطة مع البلدان الأخرى ومواطني هذه البلدان. 

مطار دمشق الدولي
تبدو لي تسمية “مطار دمشق الدولي” فخمةً بما يفيض عن الواقع. ففي هذه الأيام لا يصح إضفاء صفة “المطار الدولي” على هذا المبنى، بل ما يصح إطلاقه عليه لا يتعدى تسمية “المحطة”: محطة تربط البلد مع بضعة بلدان مجاورة، وأخرى أبعد، معدودة على أصابع اليدين. فهو فعلياً لا يخدم اليوم سوى السوريين القاطنين في بلدان حافظتْ على علاقات مع النظام السوري، ولم تنقطع حركة الطيران بينها وبين سوريا خلال سنوات الحرب. وذلك تماماً ما ينفي عنه اليوم صفة المطار الدولي. 

تعتبر المطارات السورية، إضافةً إلى المعابر الحدودية البرية مع الدول المجاورة، نقاطاً حساسة بالنسبة للنظام السوري، لا يقتصر دورها فقط على النقل بأشكاله المتعددة، إنما هي شبيهة بمراكزه الأمنية التي أحكم من خلالها القبضة على المدن والناس. فخلال السنوات العشر الماضية، دافع النظام بشراسة عن مطار دمشق الدولي، تماماً كما دافع عن سلامة مراكزه الأمنية داخل المدن. وبمقارنة بسيطة، يتكرر مشهد الدمار الهائل المحيط ببعض المراكز الأمنية التي تقف سليمةً وعصيةً على الاختراق في مختلف المدن السورية وأريافها، وكذلك يقف مبنى مطار دمشق اليوم سليماً تماماً، ومزوداً بالكهرباء والماء والوقود، في حين أن بعض المناطق المجاورة غارقة في الدمار والعتمة. 

وحسب بيانات منشورة على موقع البنك الدولي، بلغ عدد المسافرين والعابرين من مطار دمشق في عام 2011، ذهاباً وإياباً، 1,433,766 مسافر، ثم انخفض الرقم تدريجياً خلال السنوات اللاحقة ليصل عام 2015 إلى ما يقارب 17,902 شخص. وسجل عام 2019، وهو آخر التحديثات الموجودة على الموقع، استخدام  18,456 شخص للمطار. تختلف هذه الأرقام عن تلك التي تحدّث عنها طارق، وهو موظف إداري سابق في مطار دمشق ما يزال مطلعاً على حركة النقل فيه. يقول طارق: “برنامج الرحلات الأسبوعي خلال السنوات القليلة التي سبقت انتشار جائحة كورونا، كان موزعاً على الشكل التالي: رحلة واحدة إلى كل من الخرطوم وموسكو والجزائر والدوحة، رحلتان إلى كل من أبو ظبي والبحرين، ثلاث رحلات إلى كل من الشارقة ودبي والقاهرة والكويت، وأربع رحلات الى كل من بغداد والنجف”. 

في المجمل، هناك 28 رحلة أسبوعياً، على متن كل واحدة 150 قادم وآخر مغادر في المتوسط. ويبلغ العدد الشهري حوالي 16,800 شخصاً، ووصل الرقم الوسطي السنوي قبل الجائحة إلى 201,600 راكباً. إلا أن هذه الأرقام “تراجعت بشكل كبير خلال الموجة الأولى لانتشار وباء كورونا، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، بلغ عدد الركاب شهرياً قرابة ألف راكب فقط، وهو رقم متدنٍّ جداً” بحسب طارق. 

المطار وتجربة العبور السورية
“ما قبل 2011 ليس كما بعده”. تنطبق هذه اللازمة الشائعة على جوانب كثيرة من حياة السوريين، بما في ذلك تجربة السفر. قبل العام 2011 كان السفر عبر المطارات السورية قريباً من تجارب التنقل العادي من وإلى بلدان مختلفة، غير أنها لم تكن تجربةً طبيعيةً تماماً. فسوريا لم تكن بلداً متقدماً أو غنياً، بل هي بلد فقير ذو اقتصاد مغلق، وبالتالي لم تكن تجربة السفر متاحة للجميع بشكل بسيط، إنما هي تجربة صعبة ومكلفة، وكانت مقتصرة، تقريباً، على فئات اجتماعية معينة: كالعمالة المغتربة ورجال الأعمال والعاملين في مجالات الفنون والثقافة، إلى جانب طلاب البعثات الدراسية. أما باقي الناس، فلم يكن من المتاح لهم التفكير أبعد من التجوال الداخلي في سوريا، حيث يعد السفر – كفكرة تجوال واطلاع – رفاهية غير ممكنة بالنسبة للطبقات المتوسطة والمتوسطة الدنيا والفقيرة. 

بعد ثورة 2011 والحرب التي تلتها، جاءت تجربة السفر الأولى بالنسبة للكثير من السوريين، ومن كافة الطبقات الاجتماعية، على شكل انفجار. لم تأتِ التجارب، بالطبع، من خلال مطارهم الدولي، ولم تحدث كذلك في سياق عادي أو لطيف، بل كانت تجربة مؤلمة ومؤذية الى حد بعيد، حيث بدأ السوريون بالخروج من كافة الاتجاهات عبر كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية هرباً من الدمار والبطش.

يعود ارتباط ذاكرتي الشخصية بمطار دمشق، والذي يقع على بعد 25 كيلومتراً جنوب غربي دمشق، إلى أيام الطفولة. كان التوجه الى المطار مع العائلة عبارة عن رحلة مشوقة ونادرة، وغالباً ما تكون بهدف استقبال المسافرين من الأقارب والأصدقاء. كان أولئك الداخلون إلى سوريا من بوابة القادمين، بالنسبة لنا، قادمين من بوابة المجهول: بوابة العوالم الأخرى التي لا نعلم عنها شيئاً إلا من القصص المتناقلة على الألسن. 

ما زلت أعتقد أن الثورة السورية إنجاز عظيم، دفعنا على النفاذ من قفصٍ كبير، كانت قد أحكمت أقفال أبوابه علينا جيداً؛ إنجاز كسر عزلتنا التي لطالما حاول النظام السوري تكريسها على مدى سنوات طويلة، وعلى كافة الأصعدة. وهو ما جعل تجربة التنقل عبر مطار دمشق بعد عام 2011 بأعوام عديدة، تجربة مهمة في إدراك البعد النفسي لمكان مثل “مطار دمشق الدولي”.

في عام 2019، دُعيت إلى فعالية ثقافية في أبو ظبي، وقام المنظمون بإرسال الدعوة مرفقةً بتذكرة سفر على متن طائرة الخطوط الجوية السورية التي تُقلع من مطار دمشق الدولي. وإلى جانب الرعب الذي انتابني من فكرة المرور عبر مطار دمشق بعد تسع سنوات لم تطأ فيها قدماي أرضه، وهي الفكرة التي كانت كفيلة بإرهابي حد الأرق. إلا أن ذلك الشعور ترافق مع شعور آخر مناقض، وهو شعور بالارتياح لفكرة استخدام مطار بلدي للعبور منه وإليه نحو وجهات أخرى، سيما أني أمتلك كسورية الحق بالتواجد فيه والعبور عن طريقه بشكل مباشر، دون تكلف عناء ومشقة دخول بلد أخرى فقط بهدف السفر عن طريق مطارها، كما حدث معي ومع العديد من السوريين، الذين اضطروا ولا زالوا مضطرين لخوض التجربة البشعة والمكلفة للمرور عبر الحدود البرية اللبنانية، والانتظار في الطابور الطويل على باب مكتب الضابط اللبناني، والذي يتوقف مصير عبورنا إلى بلده، ومن ثم إلى مطار بلده، على وضع مزاجه اللحظي، ومشاعره الخاصة تجاه السوريين. وفي حال صادف أنها لم تكن بخير في ذلك اليوم، فنحن أمام مشقة تحمل المعاملة الفظة، أو ربما في حالة متطرفة، رفض إدخالنا. وكأن كل ما تمارسه هذه الأنظمة هو عملية تدريب على مستويات مختلفة من الذل، حتى نصل إلى مرحلة نفاضل بها بين ذلّ وآخر.  

لا تستطيع سيارة الأجرة أو أي مركبة تجاوز كراج السيارات المقابل لبوابات مطار دمشق، والذي يبعد عنه قرابة 100 متر، وبالتالي لا تستطيع إيصالك مع حقائبك إلى نقطة قريبة من البوابة. وهو إجراء تم اتخاذه خلال السنوات الماضية، للحد من احتمال تفجير بوابات المطار عبر السيارات المفخخة.

لا يزال مبنى المطار على هيئته منذ افتتاحه أول مرة عام 1970: مبنى أبيض مستطيل الشكل، صارت تتوسط واجهته الأمامية صورة ضخمة لبشار الأسد محل صورة أبيه. المطار غير مزدحم من الداخل، وقد تم إغلاق أجزاء منه، كما يبدو نظيفاً، إلا أنه مطار فقير، فهو لا يملك أكثر من مقلع طائرات واحد لا بأس به، والآخر قديم جداً ويعاني من بعض المشاكل. كما يمتلك حاليا مكيفاً واحداً فقط لتخديم التكييف على متن جميع الطائرات، والذي لا يكفي إلا لتخديم طائرة واحدة. يقول موظف مطار دمشق الدولي طارق إن الوزير المعني “يحاول العناية بواقع النقل الجوي وتحديثه قدر الإمكان، إلا أنه كان مديراً لمؤسسة الإسكان العسكري، وغير متخصص في مجال النقل الجوي، وبالتالي قد لا يمتلك الاطلاع الكافي الذي يخوله بذلك”. 

سلوكيات مألوفة ومحددة، تلك التي يسلكها عناصر أمن المطار، هي المسؤولة بشكل رئيسي عن انزياح هذا المكان عن حيزه الخدمي والأمني العادي إلى الحيز الأمني-المافيوي والمرهب إذا جاز التعبير. فجميع عاملي المطار اليوم، إلا ما ندر منهم، يمارسون أفعالاً أقرب إلى الابتزاز مع المسافرين والقادمين. عبارة “إكرامية أستاذ/إكرامية مدام” هي جملة قد تتردد على لسان العديد من الموظفين، بدءاً من العمال على بوابة المطار، وعمال نقل الأمتعة، إلى عناصر الأمن والضباط المدققين للتذاكر على بوابة الطائرة. سلوك لا يختلف عن سلوك ضباط الحواجز الأمنية، سواء تلك التي انتشرت بين المدن السورية خلال السنوات العشر الماضية، أو الأخرى المنتشرة على طرق السفر البري مع الدول المجاورة، ما حوّل البلد إلى مصيدة يمارس فيها النظام تشليح الناس وسرقتهم. هذا دوناً عن ممارسات الاستجواب التي قد يمارسها أحد رجال الأمن، بعد عملية تفتيش الأمتعة والجسد، حيث من المحتمل أن يُسأل المسافر، بشكلٍ مباغت، عن وجهته ومهنته والهدف من سفره، وهو ما ليس من المفترض أن يحدث خلال تجربة السفر العادية. إلا أن خبرة السوريين في التعامل مع النظام السوري، جعلت من هذه السلوكيات متوقعة، بل وعادية غالباً، لكنها من المستحيل أن تخرج في يوم من الأيام عن خانة “الممارسات المُرهبة”، والتي تحوّل تجربة العبور من المطار إلى تجربة تشبه العبور من مركز أمني.

نحن الآن على متن الطائرة، وما هي إلا دقائق حتى يعلو صوت الكابتن معلقاً بغرابة، وكأننا نعيش في عقود سابقة، حين كان التنقل الجوي لا يزال مدهشاً، والكثير من مشاعر الود والعروبة لا تزال تضج في عروقنا اتجاه البلدان العربية الأخرى التي لا نراها ولا نبلغها إلا بشق الأنفس: “الآن على يسار الطائرة ندخل المجال الجوي لبغداد الحبيبة”. يتكرر نفس التعليق عندما ندخل المجال الجوي للبلدان الخليجية: الكويت والبحرين. يعلو فجأةً صوت أحد الركاب متحدثاً حول شيءٍ ما لم أفهمه تماماً، ويشتكي من رداءة مقعده. يهرع إليه طاقم الطائرة، وتأتيه لاحقاً إحدى المضيفات بتورتة صغيرة، ثم يقوم طاقم الطائرة بالتقاط صور السيلفي مع التورتة والراكب محتفلين بعيد ميلاده.  

حرس البوابات 
تتقاسم اليوم تخديم النقل الجوي، عبر مطارات دمشق وحلب واللاذقية، شركتا السورية للطيران، وهي شركة عامة تابعة لمؤسسات الدولة السورية، وشركة أجنحة الشام التابعة لمجموعة شموط التجارية. تم إنشاء أجنحة الشام للطيران عام 2008، ولم يكن لها الحق في تسيير رحلات منتظمة كحال الشركة السورية للطيران المُحتكرة لهذا الحق سابقاً. توقفت الشركتان عن العمل عام 2012 لفترة بسبب حالة عدم الاستقرار التي سادت البلاد بعد انطلاق الثورة، ثم دخول النظام السوري في معارك مسلحة على عدة جبهات مع قوات المعارضة. إلا أن أجنحة الشام عادت عام 2014 إلى العمل جنباً الى جنب مع السورية للطيران، ولكن مع صفة “ناقل وطني” له الحق بتسيير الرحلات المنتظمة.  

بيروت، الإمارات، الكويت، المنامة، الدوحة، طهران، موسكو، القاهرة، الخرطوم، أربيل، البصرة ويريفان: هذه هي الوجهات التي ما زالت تطير منها وإليها الطائرات المدنية السورية اليوم. “أما الانقطاع عن الطيران إلى بعض البلدان الأخرى، فقد يكون سببه مالياً بحتاً”، كما جاء على لسان طارق: “فالمسؤول عن تنظيم علاقات النقل الجوي هو مؤسسة الطيران المدني العالمي، وليس التمثيل الدبلوماسي أو العلاقات السياسية بين بلدين هو من يتحكم تماماً بالأمر”. وبالتالي فقد كان على المسافر السوري المتجه إلى بلدان ليس بينها وبين سوريا علاقة نقل جوي خلال السنوات السابقة وحتى اليوم، استخدام مطار رفيق الحريري في بيروت، وهكذا كان حالي في مرات عديدة.

يتفق سوريون على تدني الخدمة والفوضى والممارسات المسيئة في مطار بيروت، فقد يختلف نوع وشكل الإساءة والابتزاز الذي يتعرض له الإنسان في مطارات سوريا اليوم عن نوع وشكل ما يتعرض له في مطار بيروت، إلا أن المطارين في النهاية وجهان لنظام سياسي واحد، وليس للسوري إلا المواجهة والصبر في سبيل الحفاظ على حق الدخول والخروج من البلد عبر بواباته. مطارات سوريا وجميع المنافذ الحدودية البرية السورية أشبه بمراكز ابتزاز أمنية، والعبور منها تجربة غير مريحة، وقد تكون مرعبة للبعض؛ فالعلاقة بين الناس والسلطة المتحكمة بهذه البوابات واضحة لا لبس فيها: أنت تقف أمام مضطهِد وسالب لجميع حقوقك، العامة منها والخاصة، ولذلك لا داعي للتلميح أو المراوغة. أما في مطار رفيق الحريري، والذي تردّت فيه الخدمة بشكل أكبر بعد تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي في لبنان في أعقاب ثورة السابع عشر من تشرين الأول 2019. فأن تختفي حقائبك، التي قد تحوي أدوية مفقودة أو منتجات باهظة الثمن، هو أكثر من مجرد احتمال. وأن تتعرض لممارسات عنصرية أو عرقلة أو ابتزاز مادي خلال إجراءات السفر، فهو أمر بات يندرج ضمن الطبيعي بالنسبة لكثيرين، السوريين منهم على وجه الخصوص لا الحصر. 

يجيب طارق، موظف مطار دمشق السابق، بشكل تهكمي على سؤالي المتحذلق والساذج في آن: “هل هناك أي جهود مبذولة من قبل الحكومة السورية للتنسيق مع نظيرتها اللبنانية بما يخص المعاملة التي يتلقاها المواطنون السوريون في مطار بيروت؟” فيجيب بالنفي، مردفاً: “على كل مطار اتخاذ مطار احتياطي في حال تعذر هبوط الطائرات فيه بشكل مفاجئ لأي سبب من الأسباب، وقد كان مطار رفيق الحريري خلال السنوات القليلة الماضية هو المطار الاحتياطي لمطار دمشق، وخاصة في ظل تخصيص مطار حلب لصالح الأصدقاء الروس وقتها. أما الآن، فالمطارات الاحتياطية لمطار دمشق هما مطارا حلب واللاذقية. أما فيما يخص التنسيق بين المطارين حول مواضيع أخرى، كوضع الركاب والترانزيت، فلا وجود لشيء من هذا القبيل حتى هذا اليوم”. 

رغم أن طائرات أجنحة الشام ذات أجسام ضيقة ومقاعد غير مريحة من حيث المسافة الفاصلة بين مقاعدها، إلا أن الخدمة على متنها، كما يقال، أفضل من السورية للطيران. فالأخيرة مؤسسة عامة، ولا تملك سوى ثلاث طائرات قيد الخدمة: واحدة إيرباص طراز 320 وطائرتان من طراز 340. وقد أثر الحصار بشكل كبير على قدرة الشركة على تأمين قطع الغيار ومستلزمات الصيانة، وحصر مصدر الحصول عليها بالسوق السوداء، حيث الأسعار أكبر من قدرة الشركة على التسديد بشكل دائم ومتواصل، مما نتج عنه تردي وضع الطائرات. حالياً، تتقدم المباحثات بشكل سريع مع إيران للحصول على طائرتين جديدتين، من المتوقع أن تصلا إلى مطار دمشق خلال 90 يوماً على الأقل. بينما تتعامل شركة أجنحة الشام لتأمين خدمات ركابها مع شركات خدمية خاصة، وبالتالي فهي أقدر على تأمين ما لا تستطيع الشركة السورية العامة للنقل تأمينه لركاب السورية للطيران. أما فيما يخص الوقود، فالشركة السورية العامة لتصنيع الوقود (سادكوب) ما تزال حتى اليوم المسؤولة عن تصنيع الوقود والزيوت وتزويد طائرات كلتا الشركتين. 

لا يمكن للتعريف البسيط للمطار كمرفق خدمي أن يشرح أو يفسر البعد المعنوي والنفسي الثقيل الذي يربط مواطني أي بلد ومطاراته. فالمطار، في ظل النظام الأمني الديكتاتوري الحاكم في سوريا اليوم، هو من المساحات المسلوبة، المحتكرة والمجردة من معناها الخدمي المدني العام، لصالح القبضة العسكرية والأمنية. وفي أحسن الأحوال ليس سوى بوابة للمهاجرين الباحثين عن مستقبل أفضل ومستوى معيشي كريم في بلدان ومجتمعات غريبة، التنقل منها وإليها ليس سهلاً أو متاحاً بشكل دائم على من يحمل صفة مهاجر أو لاجئ أو حتى عامل، ما قد يجعله على المقلب الآخر، مساحة قد يرنو إليها من يغادرها، بشكلٍ مبالغٍ فيه أحياناً، على أنه رمز العودة إلى الوطن والأهل. بينما قد يمتلك الانسان في دول أخرى علاقة أكثر اتزاناً مع مطار بلده، بحيث أنه مرفق خدمي يوفر له التنقل الحر والسهل لأي هدف من الأهداف الشرعية، وقت يشاء، ولا يطغى فيه الأمني على المدني، بل يكون الاثنان في خدمة بعضهما البعض.

المصدر: الجمهورية