هذا الأسبوع، وبعد مرور عشر سنوات على نشوب الربيع العربي في سوريا، أصيب بشار الأسد وعقيلته أسماء بكورونا مع أعراض نشطة.
ويدعي الأطباء بأن احتمالات شفاء الزوجين الرئاسيين طيبة، وإن لم يتمكنا بعد من تلقي لقاء سبوتنيك الروسي الذي مولته إسرائيل لهم مقابل إعادة الشابة التي اجتازت الحدود. كما أن الإحصاءات الإقليمية تمنح الحاكم السوري معدلات بقاء عالية. فبعد كل شيء، يكاد الأسد يكون الوحيد من بين الزعماء العرب الذي خرج دون خدش من العاصفة التي أسقطت طغاة قدامى كمبارك، والقذافي، وبن علي التونسي، وعلي عبد الله صالح اليمني. ولكن هذا البقاء جبى ثمناً رهيباً من سكان سوريا. فقد قتل مئات الآلاف وشرد أكثر من عشرة ملايين من ديارهم. نصفهم على الأقل أصبحوا لاجئين خارج بلدهم.
الأسد نفسه، الذي ذبح مواطنيه بلا رحمة، اضطر أن يعرض نفسه لـ السلالة الإيرانية، التي هي معدية وخطيرة أكثر بأضعاف من كورونا، كي ينجو في قصره. فقد بدأت الأحداث قبل عشر سنوات.
بإلهام من التطورات في تونس ومصر، خرجت جماعات من المواطنين في آذار 2011 إلى شوارع المدن السورية، دون هوية محددة وزعامة موحدة، مطالبة بإسقاط النظام ومنح مزيد من الحرية والحقوق للفرد. وقمع النظام هذه المظاهرات بعنف شديد.
عناق طهران لسوريا
ولكن بعد سنتين – ثلاث سنوات، كانت سيطرت على حركة الاحتجاج منظمات ثوار سنية، معتدلة أكثر ومعتدلة أقل، وبدعم مصادر من الخارج، ممن شخصوا الفرصة لإسقاط الأسد ابن الطائفة العلوية من الحكم، وهي التي يبلغ عددها بالإجمال نحو 12 في المئة فقط من سكان سوريا، وبدأوا يشعلون النار في أرجاء الدولة. ومقابل إيران، التي لاحظت خطر سقوط حليفها في دمشق وانهيار الجسر البري الذي يربطها عبر العراق وسوريا لحزب الله في لبنان، أمرت آلاف مقاتلي حزب الله بالدخول لمساعدة الأسد.
تحولت المظاهرات المحلية إلى حرب أهلية مضرجة بالدماء. داعش – تنظيم الدولة الإسلامية، الأكثر تطرفاً وإجرامية من بين تنظيمات الثوار – نجح في السيطرة على أجزاء واسعة من أراضي سوريا. وحياله سارع لنجدة الجيش السوري نشطاء حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وأصبحت سوريا ساحة قتال متعددة المشاركين، وانضمت إليها محافل محلية كالأكراد ومحافل خارجية كتركيا أردوغان، أو السعودية التي ضخت الأموال للثوار.
في 2015، حين لاحظ بوتين انعدام رغبة التدخل الغربي في ما يجري في سوريا ورداً فاتراً من أوباما على استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد أبناء شعبه، انغرس وتداً في سوريا وبنى لنفسه هناك معقلاً استراتيجياً لسنوات طويلة. وقلب دخول سلاح الجو الروسي والقوات الخاصة الروسية إلى سوريا إلى جانب إيران و”حزب الله” والميليشيات المؤيدة لإيران الجرة رأساً على عقب. هزمت الدولة الإسلامية، وبدأ الإيرانيون يملأون الفراغ الذي نشأ في سوريا بالسيطرة على مجالات عمل مختلفة وبالحضور في الميدان. وللمفارقة، كان تجند التحالف الغربي لهزيمة الدولة الإسلامية قد ساعد النظام الإيراني في تعميق عناقه لسوريا.
منذ بداية الأحداث في سوريا قبل عشر سنوات، قررت إسرائيل عدم التدخل في الحرب الأهلية، إلا في الحالات التي ينشأ فيها تهديد على أمنها – مثل تموضع مجال معاد على الحدود في هضبة الجولان. وبهذه الروح نشأت علاقات دعم ومساعدة مختلفة للثوار المعتدلين الذين سيطروا على منطقة الحدود.
تداخل المصالح
رغم الهجمات الإسرائيلية في سوريا، تواصل إيران تعميق سيطرتها في سوريا ولا تبدي نية للانسحاب من هناك. وكان نشطاء “حزب الله” قد دخلوا كمستشارين في كل صفوف الجيش السوري. ويواصل السلاح التدفق من مخازن الجيش السوري إلى “حزب الله” مقابل إرساليات نفط توفرها إيران لسوريا والتي تعمل إسرائيل، وفقاً للمنشورات، على منعها في المسار البحري أيضاً.
إن طرد الوجود الإيراني في سوريا، وقطع العلاقة بين طهران ودمشق، يبدو في هذه اللحظة كمهمة صعبة للغاية، ربما متعذرة، ولا سيما عند الحديث عن الوسائل العسكرية فقط. ولكن ينبغي أن نتذكر بأن الروس غير متحمسين، على أقل تقدير، من التواجد الإيراني، وكذا النظام السوري، الذي يدين ببقائه لطهران، غير سعيد من تحوله إلى رهينة لدى خامينئي. باتت سوريا، التي لم تنتعش بعد من الحرب الأهلية، بحاجة ماسة إلى إعادة البناء بالمليارات، ووحده استعداد الغرب لمساعدتها مقابل إبعاد الإيرانيين، إلى جانب استمرار العقوبات الدولية المفروضة على إيران، كفيل بأن يشفي الأسد من السلالة الأخطر التي أصيب بها.